ما سيبدو ضربًا من خيال اليوم، قد يتحوّل إلى حقيقة في المستقبل.. المستقبل؟ نعم المستقبل وقد يضاف اليه “القريب”، والاخطر أن التحوّلات التي ستكون بالغة الشدّة، ستتعلق بالديمغرافيات السكّانية وتحديدًا في دول الشرق الأوسط فيما سيحدث، وهذه بعض من توقعات باتريكك كلاوسون الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى، ومختصرها أن دول هذا الشرق الأوسط ستتجاوز العديد من المتوسطات الديمغرافية العادية، وقد تؤثر أيضاً التحولات السكانية الرئيسية في العالم على كيفية تنافس القوى العظمى على النفوذ في المنطقة.
باتريك كلاوسون، اعتمد في قراءته وهذه “وهي ليست تنبؤات على كل حال” على أن الأخصائيين الديمغرافيين في “إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية” التابعة للأمم المتحدة اشتغلوا على تقرير إلى جانب المعلومات الديمغرافية التفصيلية عن كل دولة عضو في الأمم المتحدة، كانت نسخته السابعة والعشرون قد تضمنت تقديرات حول التغيرات التي ستطرأ على سكان كل دولة حتى عام 2100. وتشير هذه التوقعات إلى أن الوقائع الديمغرافية – وعلاقات القوة أيضاً على ما يفترض – ستتغير بشكل كبير في العديد من المناطق، بما فيها الشرق الأوسط.
غالباً ما يكون التنبؤ علماً غير دقيقاً – فالتحديات التي تواجه منظمي استطلاعات الرأي هي مثال على ذلك – إلا أن دراسة السكان (أو الديمغرافيا) هي أحد الاختصاصات التي تنتج تنبؤات يمكن أن يثق بها الممارسون والمستهلكون بشكل كبير ولو كانت لعقود مقبلة. فالمراقبون، على سبيل المثال، يملكون فكرة واضحة عما سيكون عليه عدد السكان الذين يبلغون من العمر خمسين عاماً بعد خمسة وأربعين عاماً من الآن، ما لم تقع كارثة ما. فهؤلاء قد وُلدوا بالفعل، في نهاية المطاف.
تتوقع الأمم المتحدة أن يتراجع عدد السكان في اثنين من البلدان التي تضم العدد الأكبر من السكان في الشرق الأوسط – تركيا وإيران – بحلول عام 2100. فمن المتوقع أن ينخفض عدد السكان في تركيا من 85 مليوناً إلى 83 مليوناً، وفي إيران من 89 مليوناً إلى 80 مليوناً.
بخلاف ذلك، من المتوقع أن يرتفع عدد السكان ارتفاعاً ساحقاً في بلدين متوسطي الحجم – العراق واليمن – مما سيزيد من أهميتهما الجيوستراتيجية. فسوف يتوسع عدد سكان العراق من 44 مليون إلى 112 مليون نسمة – أي من نصف عدد سكان إيران أو تركيا اليوم إلى أكبر من أي منهما بنسبة 40 في المائة. وهذا يعني، من جملة أمور أخرى، أن البلد الذي سيضم أكبر عدد من المسلمين الشيعة في العالم سيكون العراق وليس إيران. ومن المرجح أن تجد أنقرة وطهران صعوبة أكبر في السيطرة على العراق الذي سيتجاوز عدد سكانه عدد سكانهما. ويمكن النظر إلى هذه الأرقام بطريقة أخرى: يشكل حالياً عدد سكان العراق 75 في المائة من عدد سكان دول “مجلس التعاون الخليجي” ولكن بحلول عام 2100 سيصبح عدد سكانه أعلى بنسبة 33 في المائة من عدد سكان دول “مجلس التعاون” كما أنه سيكون أكبر بـ 2.2 ضعفاً من الـ 50 مليون نسمة في المملكة العربية السعودية التي تعد أكبر دول “مجلس التعاون الخليجي” من حيث عدد السكان.
ومن المتوقع أن يرتفع عدد سكان اليمن من 34 مليون إلى 74 مليون نسمة – أي أن عدد سكانه سينتقل من كونه أقل من عدد سكان السعودية، إلى كونه أعلى منه بنسبة 50 في المائة. وهذا من شأنه أن يجعل عدد سكانه يبلغ نسبة 90 في المائة من عدد سكان دول «مجلس التعاون الخليجي» مجتمعةً، ويقارب عدد السكان في إيران أو تركيا.
أما مصر فسوف تواصل انفجارها الديمغرافي، حيث سيتضاعف تقريباً عدد سكانها من 111 مليون إلى 205 ملايين نسمة، لتتفوق بأشواط على كافة بلدان المنطقة. بعبارة أخرى: سيكون عدد سكانها أكبر بنسبة 25٪ من عدد سكان إيران وتركيا مجتمعين، وما يقرب من ضعف عدد سكان روسيا (الذي من المتوقع أن ينخفض إلى 112 مليون نسمة).
إلا أن النمو السكاني سيكون أبطأ بكثير في دول «مجلس التعاون الخليجي». فعدد سكانها الإجمالي يبلغ حالياً 59 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل إلى 84 مليوناً في عام 2100. ومع ذلك، يبقى هذا الارتفاع ملحوظاً في ظل التباطؤ الأوسع في النمو العالمي، كما أنه سيضع دول «مجلس التعاون الخليجي» في مرتبة أعلى من إيران وتركيا من حيث عدد السكان.
في مناطق أخرى [في الشرق الأوسط]، تَعْرضْ الأمم المتحدة التوقعات التالية:
- سيتضاعف عدد سكان إسرائيل من 9.2 مليون إلى 18.4 مليون نسمة
- سيزداد عدد سكان فلسطين (أي غزة والضفة الغربية) من 5.2 مليون إلى 12.8 مليون نسمة
- سيتضاعف عدد سكان سوريا تقريباً من 22 مليون إلى 43 مليون نسمة
- سيزداد عدد سكان الأردن من 11 مليون إلى 18 مليون نسمة
- في المقابل، سينكمش عدد سكان لبنان من 5.5 مليون إلى 4.7 مليون نسمة
- وفي المجموع، سيصل عدد سكان هذه البلدان الأربعة وفلسطين إلى 95 مليون نسمة، أي أكثر من عدد سكان تركيا أو إيران.
هي تنبؤات تشير للكثير، فالقنابل السكانية ستعثر على مكانتها في حروب المستقبل.. سيتكاثر العالم في مكان، ويحد من تكاثره في مكان آخر.
سيكون التساؤل على الدوام:
ـ هل سيكون الاعلى ديمغرافيًا هو الاعلى حضاريًا؟
لو كان الامر على هذا النحو لضمنا الفوز ولكنه ليس كذلك.