“التمويل الأجنبي”.. حرب جديدة في تونس قد تطال حركة النهضة وتزيد من أوجاعها

مرصد مينا – هيئة التحرير

حرب جديدة يطلقها الرئيس التونسي على شريحة من الطيف السياسي في البلاد، من خلال دعوته دوائر القضاء لتطبيق القانون الخاص بحق أحزاب تلقت تمويلا خارجيا أثناء الحملة الانتخابية البرلمانية التي شهدتها تونس عام 2019، مشيراً إلى أن القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء ينصّ على أن أعضاء القائمة المنتفعة بالتمويل الأجنبي يفقدون عضويتهم بمجلس نوّاب الشّعب، وأن المترشح لرئاسة الجمهورية الذي تمتع بالتمويل الأجنبي يُعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات.

يشار إلى أن الرئيس التونسي “قيس سعيد” كان قد علق عمل البرلمان منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر، ضمن سلسلة إجراءات استثنائية اتخذها، في مقدمتها إقالة الحكومة ونقل الصلاحيات التنفيذية إلى مؤسسة الرئاسة، مرجعاً تلك الإجراءات إلى الفصل 90 من الدستور التونسي.

في ذات السياق، يشير “سعيد” في دعوته لملاحقة الأحزاب المتورطة بالتمويل الأجنبي، إلى أن إثبات هذا النوع من التّمويل حاصل من محكمة ومن التّقارير التي وضعت في الخارج وتم نشرها واطلع عليها الجميع، مشددا على أنه لا أحد فوق القانون مهما كان موقعه ومهما كانت ثرواته، وعلى النيابة العمومية أن تقوم بدورها.

حركة النهضة في دائرة المستهدفين

تعليقاً على دعوة “سعيد” يرى المحلل السياسي “مروان بلمبارك” أن تلك التحركات ستطال في الدرجة الأولى “حركة النهضة” التي كانت تسيطر على أغلبية ضئيلة داخل مجلس النواب المعطل، لافتاً إلى ان العديد من التقارير الإعلامية والرسمية تشير إلى أن الحركة كانت تتلقى أموالاً من الحكومة التركية خلال فترة ما قبل الانتخابات، وهي الاموال التي يعتقد أنها وظفت بشكل سياسي، على حد قوله.

يشار إلى أن محكمة المحاسبات أصدرت في نوفمبر 2020، تقريرا حول انتخابات 2019، تضمن ما قالت إنها تجاوزات ارتكبها حزبا “حركة النهضة” و”قلب تونس” وائتلاف “عيش تونسي”، وبينها إبرام عقود مع مؤسسات أجنبية للدعاية والضغط، وهو ما نفت الأطراف الثلاثة صحته.

كما يشير “بلمبارك” إلى أن الاتهامات الموجهة لحركة النهضة تشمل أيضاً عمليات شراء أصوات وهو ما ساعدها على الحصول على الأغلبية البرلمانية، لافتاً إلى أن الأمور في تونس تتجه إلى محاصرة الحركة بعد نحو 10 سنوات قضتها في السلطة.

إلى جانب ذلك، يعتبر “بلمبارك” أن إثبات التهم الموجهة للحركة وقيادييها ستكون كفيلة في إخراجها من المشهد السياسي بشكل كبير، بالإضافة إلى انه سيدعم المطالب التي تطرحها بعض الكتل السياسية التونسية في إجراء انتخابات نيابية مبكرة، لافتاً إلى أن حركة النهضة بمرور الوقت تفقد المزيد من أوراقها في اللعبة السياسية لصالح الرئيس التونسي والتيارات المعارضة لحكمها.

فتح ملفات التمويل الخارجي سيقود بحسب ما يقوله “بلمبارك” في مرحلة مقبلة لفتح ملف الفساد على مستويات عالية جداً داخل الدولة والتي قد تطال أيضاً قيادات في حركة النهضة، مشككاً في قدرة الحركة على مواجهة كل تلك الضغوطات التي تمارس عليها، والتي قد تتصاعد بشكل كبير في حال إعادة طرح ملف الجهاز السري للحركة والمتهم بتنفيذ عمليات اغتيال لمعارضين سياسيين.

أما ما تشهده تونس منذ أشهر، يرى فيه الباحث في شؤون شمال إفريقيا، “عبد العظيم الخضور” محاولة لنزع السلطة بشكل كامل من حركة النهضة، أكثر من كونها صراعاً على السلطة بين أطياف سياسية، معتبراً أن الكثير من الأحزاب السياسية التونسية ترى ان خطوات الرئيس التونسي كانت هي الحل الوحيد لإنهاء عشرة أعوام من تفرد الحركة في الحكم.

ويلفت “الخضور” إلى أنه باستثناء فترة حكم الرئيس الأسبق “المنصف المرزوقي”، فإن العلاقة بين الحركة ومؤسسة الرئاسة كانت متوترة جداً، خلال أيام حكم الرئيس الراحل “الباجي قايد السبسي” وفترة حكم الرئيس الحالي، “قيس سعيد”، مرجعا ذلك التوتر إلى إصرار الحركة على رسم خط سير الدولة التونسية بما يتناسب مع توجهاتها، وهو ما ساهم في إبعادها عن بقية الأطياف السياسية الأخرى.

وعلى الرغم من الجدل حول إجراءات الرئيس التونسي، إلا أن “الخضور” يعتبر أنها تمتلك توافقية بين الجهات السياسية التونسية أكثر بكثير من التوافقية على بقاء حكم حركة النهضة، التي يرى إنها ابتعدت كثيراً عن الخط الوطني وانخرطت بمشاريع ومخططات إقليمية متوافقة مع أجنداتها، وهو ما أثر أيضاً على مستوى التطوير والتنمية في تونس.

بقايا سلطة وانهيار أحجار الدمينو

تراجع سلطة حركة النهضة في تونس، كما يراه الخبير في شؤون الحركات الدينية، “عبد السلام محمد” لم يكن مطلباً شعبياً تونسياً وحسب وإنما مطلباً إقليمياً عاماً سواء بالنسبة لليبيا التي تخوض حرباً مع جماعة الإخوان المسلمين والمدعومة تركياً، أو بالنسبة لمصر التي تعتبر وجود الحركة وحلفائها تهديداً لأمنها القومي، أو لجنوب أوروبا التي تخشى من تصاعد النفوذ التركي في شمال إفريقيا واستغلال ملف الهجرة واللجوء لابتزازها، مشدداً على أن إقصاء الحركة يمكن وصفه بأنه أول مطالب التنمية في البلاد وانخراط تونس بشكل أوسع في محادثات اقتصادية مع المجتمع الدولي بهدف جذب الاستثمارات الخارجية.

ويتفق “محمد” مع فكرة أن قرارات الرئيس التونسي تطال حركة النهضة بشكل مباشر وحلفائها، إلا انه يعتبر أنها معركة لا تزال حتى الآن ضمن إطار القانون ولم تخرج عن النطاق الدستوري للبلاد، مشيراً إلى أن الحركة وخلال تواجدها في الحكم أغرقت نفسها بالكثير من الملفات المتعلقة سواء بالفساد أو سوء الإدارة أو التنظيمات الأمنية السرية خارج إطار الدولة، إلى جانب الانخراط بعلاقات دولية وإقليمية مشبوهة.

إلى جانب ذلك، يعتقد “محمد” أن الرئيس التونسي والسلك القضائي لا زلوا يمتلكون العديد من الأوراق الكفيلة بالتضييق على حركة النهضة والتي قد تتجاوز قضية التمويل الخارجي، خاصة في ظل وجود اتهامات من اتحاد الشغل التونسي للحركة ببيع استثمارات تونسية لشركات تركية، موضحاً أن الحركة حالياً تمثل سقوط آخر قلاع الإسلام السياسي في شمال إفريقيا، بعد سقوط حكم الإخوان في كل من مصر وليبيا وفشلهم في المغرب.

Exit mobile version