الثورات والشركات

اشتعلت الثورة في القاهرة، وكانت لابد ثورة “خبز وحريات”، وما أن امتلأت الميادين بالثوار، وتحقق ما يشبه “إسقاط النظام”، حتى قفز الاخوان المسلمين الى المنصة وتربع يوسف القرضاوي وراء المايكروفون، ثم تحوّل إلى قائد لثورة هي بالأساس “ثارت عليه”، فليس القرضاوي بدولته الشمولية المختبئة في خطاب جماعة الاخوان، سوى استرسال لسابقه من نظام.. وركب “الاخوان” الثورة مجهضين أحلام الناس.

وهنا تحوّلت الثورة إلى ملكية حصرية لجماعة الاخوان باعتبارهم (الشركة) صاحبة النفوذ والمال.

اشتعلت الثورة السورية، بميادينها التي حملت الشباب، الشباب الملونين الذين يقطفون أجمل الأناشيد والأشعار، ويتوقون للحرية ، كل الحرية، لا ربعها ولا نصفها، كما يتوقون الى الخبز والكرامة والعمل وفرص الحياة.

وما أن ملأت هتافات الشباب ساحات البلاد، حتى قفز الاسلاميون على ظهر الشباب، فامتلكوا ظهور الشباب، وسطوا على هتافات الشباب، فأسلموا الثورة وطيفوها، لاليكونوا بدلاء للنظام، بقدر ماكانوا الوجه الثاني للنظام، وباتوا الثورة، وهم الشركة الكبرى بمالها وامتداداتها.

انطلقت في تونس، فسارع الاخوانيون الى المنصة ليركبوا المنصة، وكانوا “الشركة” فيما كان الناس، بقية الناس بقية في ثورة هي لهم بداية حتى ولو تكن ملكهم في المآل.

وذهبت ليبيا الى ثورتها، فركبها الاخوان، وعلى كتفيها صعد عبد الحكيم بلحاج و”داعش”، ومن بعد داعش بوكو حرام وشباب الصومال، فلم يتبق من الثورة سوى المقاصل وحرب الأزقة وتفكيك البلاد والاعدامات.

حال اليمن ليس أفضل حالاً، وحتى ثورة الشباب اللبنانيين اليوم، لن يكون حالها أفضل حالاً، فالعالم اليوم ليس في زمن الثورات.. إنه في زمن الشركة.. العصابة.. بيت المال، فلا اكتوبر والبلاشفة الظافرين، ولا ثورة تشي غيفارا ورفاقه ولا ثورة الشباب الفرنسي 1968.

نحن لسنا في زمن الثورات، تمامًا كما لسنا في زمن الدولة الوطنية.

نحن في عالم العولمة.. ليس العولمة الدولية.. لا انها عولمة الشركات.

الشركة هي الوطن.. هي الثورة التي تطلق الثورات ومن ثم تأكل الثورات.

تلك هي الحكاية.

الشعوب مجرد مأدبة.

الطبخة والأكّيلة في مجالس إدارات الشركات.

Exit mobile version