زاوية مينا
على مابدى بأن حدث موت “لونا الشبل” قد طويت صفحته عبر الحملات الإعلامية التي رافقت موتها بدءاً من الخبر المُنتَج على عجالة من القصر الجمهوري في سوريا، وصولاً إلى التعليقات التي رافقت جنازتها، فقد بدا الحدث طازجاً لدى “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، عبر كاتبيه إريك يافورسكي و أندرو جيه تابلر، بداية من قولهما بأنه ” غالباً ما يصوّر النظام السوري نفسه على أنه حامي الأقليات في سوريا، وكانت الشبل أحد أعضائه الدروز الأعلى رتبة”.
ليتابعا “فقد أدى دعمها العلني لحملة القمع الوحشية التي شنها الأسد منذ أكثر من عقدٍ من الزمن إلى صعودها السريع جدًا داخل النظام، بما في ذلك تولّي الملفات التي تتجاوز بكثيرٍ المسائل الإعلامية والدخول في علاقة غرامية مشاع عنها مع الرئيس نفسه”.
يزيد الكاتبان”وبعد حادثة الوفاة الغامضة التي تعرضت لها الشبل والإعلان في أيار/مايو عن أن السيدة الأولى أسماء الأسد تعاني من سرطان الدم النخاعي الحاد – وهي معركتها الثانية مع السرطان منذ عام 2018 – يزداد احتمال حدوث المزيد من التغييرات الداخلية على ما يبدو، مع ما يترتب عن ذلك من آثار محتملة على كلٍ من بنية النظام والجهود العربية المستمرة للتعامل مع دمشق”.
بعد سرد سيرتها، يذهب معهد واشنطن إلى تقارير تشير، إلى أن صعود الشبل تسبب في بروز خصومٍ لها داخل الدائرة المقرّبة من الأسد. فقد عملت زوجة الرئيس لسنواتٍ (وهي سنية من عائلة الأخرس البارزة في حمص) على إخراجها من القصر في ظل انتشار شائعاتٍ عن علاقة غرامية مع الأسد، وإشارة وسائل التواصل الاجتماعي إلى الشبل بشكلٍ متكررٍ على أنها “السيدة الثانية” في سوريا.
كما أن بثينة شعبان، وهي أول مديرة للشبل في القصر، أصبحت تعارض وجودها، ربما لأنها تعتبرها منافسةً أصغر سنًا منها (وقد برزت شعبان في البداية كمترجمة اللغة الإنجليزية لوالد بشار، حافظ الأسد، في التسعينيات).
من خلال العمل في قلب النظام، أصبحت الشبل نفسها عضوًا من النخبة. فبالإضافة إلى دورها في القصر، افتتحت مطعم “ناش كراي” (Nash Kray) الروسي الفاخر في وسط مدينة دمشق في عام 2022 – وهي خطوة جديرة بالملاحظة نظرًا إلى التكهنات حول روابطها الأخرى بروسيا.
بالإجمال، تقدّر ثروتها بـ”عدة ملايين من الدولارات.”
على وسائل التواصل الاجتماعي السورية، تكهّن كلٌ من وسائل الإعلام المستقلة والمواطنون الأفراد حول سبب وفاة الشبل منذ الإعلان عنه للمرة الأولى. فزعم البعض أن سيارتها من نوع “بي إم دبليو” صدمتها سيارة مصفحة، مما دفعها باتجاه منتصف الطريق؛ واعتبر آخرون أن الصور المسربة والوصف الرسمي لحطام السيارة يشيران إلى التستر على عملية اغتيال.
كما أثيرت الشكوك حول التقارير التي تفيد بأنها توفيت في المستشفى بعد علاجها من إصاباتٍ في الرأس.
حتى الآن، لم يظهر أي دليل قاطع يؤكد بالضبط كيفية وفاتها، مما يتماشى مع حالات الوفاة (والاغتيال) السابقة التي تعرّض لها أعضاء النظام الأساسيون. ويمكن تصنيف معظم التفسيرات المعقولة لسبب استهدافها ضمن فئتين، مع أن الأسئلة والتناقضات التي لم يتم حلها لا تزال كثيرة، فما هي الأسئلة وفق المعهد؟.
ـ إنها:
ـ التنافس بين إيران وروسيا في سوريا. لقد اختفى شقيق الشبل العميد ملهم الشبل منذ ثلاثة أشهر، وذلك بعد تسريبه معلومات عن الأنشطة العسكرية الإيرانية في سوريا بحسب المزاعم. فكان هذا العميد يعمل سابقًا كملحق عسكري لدى بيلاروسيا، أي حليفة روسيا الوثيقة، لكن دوره الحالي محاط بالسرية.
وقد جاء اختفاؤه بعد تصاعد الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت شخصيات بارزة تابعة لإيران و”حزب الله” في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الهجوم البارز الذي وقع في نيسان/أبريل بالقرب من السفارة في دمشق. ولم يعاود هو وزوجته الظهور حتى الآن.
في الوقت نفسه، طورت لونا علاقاتها الخاصة مع كبار المسؤولين الروس، وسعت إلى نقل عائلتها بأكملها إلى سوتشي في الأسابيع الأخيرة. وعلى غرار شقيقها، تزعم بعض المصادر أنها سربت مضمون لقاءات بشار مع الإيرانيين حول القضايا العسكرية.
ويتكهن آخرون بأن قرب زوجها من ماهر الأسد منحه إمكانية الوصول بشكلٍ وثيقٍ إلى المعلومات الاستخبارية المتعلقة بإيران، مما دفع القصر إلى عزل الزوجين على مدى الأشهر الثلاثة الماضية وإقالته من منصبه في “جامعة دمشق” في حزيران/يونيو.
فوفقًا لهذه الطريقة من التفكير، ربما اعتبر الأسد أو داعموه الإيرانيون أن الشبل وعائلتها يشكلان تهديدًا لمكافحة التجسس في ظل استمرار الضربات الإسرائيلية.
ـ تجاوُز الشبل لحدودها.تشير التقارير وفق المعهد إلى أن الشبل وساعاتي عملا بشكلٍ وثيقٍ مع خضر علي طاهر، وهو زميل السيدة الأولى الذي أصبح الآن مهمشًا والذي أسس شركة الاتصالات “إيماتيل”. فيُزعم أن الثلاثة انخرطوا في أنشطة اقتصادية من دون علم بشار وأسماء، بما في ذلك إجراء تحويلات دولية كبيرة خارج سوريا عبر عقاراتٍ في الإمارات العربية المتحدة وروسيا.
وإذا كان ذلك صحيحًا، ربما اعتقد الأسد وزوجته أن الشبل كانت مخادعة وغير مخلصة من خلال تجاوز تفويضها ومتابعة مشاريع لم يؤذَن بها. ففي هذا السيناريو، ربما يكونان قد دبّرا موتها كتحذيرٍ موجّهٍ على مستوى النظام باتباع قواعدهما أو مواجهة مصيرٍ مماثل. وبدلًا من ذلك، قد تكون العلاقة الغرامية المزعومة بين الشبل وبشار ومعرفتها الحميمة لأنشطته جزءًا من العوائق التي تطلبت التخلص منها.
كما أن رد فعل النظام على وفاتها كان ملحوظًا. فقد أشارت التقارير إلى أن أحد المسؤولين الدروز – وهو رئيس الأمانة العامة للقصر الرئاسي منصور عزام – زار الشبل في المستشفى وحضر جنازتها، لكن لم تتم ملاحظة وجود سوى عدد قليل من الشخصيات الأخرى في النظام، ولم يوضع أي علم سوري فوق نعشها كما جرت العادة مع كبار المسؤولين المتوفين.
أيضا بالكاد قامت وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية التابعة للنظام بتغطية الحادث وتداعياته، كما لم يُصدر بشار بعد أي تصريحات شخصية عن الشبل، على عكس عادته بعد وفاة كبار المسؤولين الآخرين. وسرعان ما دفنت الشبل في دمشق بدلًا من مسقط رأسها في محافظة السويداء.
بعد كل هذه التفاصيل ما الذي سيكون عليه شكل تداعيات موتها أو مقتلها؟.
يعترف المعهد بأنه على الرغم من صعوبة التمييز بين الحقيقة والخيال داخل نظام الأسد في كثيرٍ من الأحيان، ربما تنذر وفاة الشبل بحدوث المزيد من التغييرات عند هذا المنعطف الحساس، حيث تعيد الدول العربية النظر في التعامل بشكلٍ رسميٍ مع دمشق وتستعد واشنطن لتجديد عقوبات “قيصر” قبل انتهاء صلاحيتها في كانون الأول/ديسمبر.
ربما تكون وفاة الشبل أيضًا بمثابة تحذيرٍ وجّهه كبار عناصر النظام و/أو داعموهم الإيرانيون، وهو مرتبطٌ على الأرجح بتصاعد الضربات الإسرائيلية في وقتٍ سابقٍ من هذا العام. أو ربما حدث ذلك ببساطة لأنها تعرف الكثير من المعلومات عن الرئيس ودائرته، وكان لا بد من التخلص منها لأسبابٍ أخرى.
وفي كلا الحالتين، قد يكون القصد من هذه الاغتيالات هو الانضباط الداخلي بينما تتعامل الدول العربية وتركيا وحتى أوروبا مع دمشق من أجل معالجة قائمة طويلة من القضايا، وبينما تفكر واشنطن في احتمال الانسحاب من شمال شرق سوريا.