كانت الجزائر مع موعد مفصلي ويوم مهم في سيرورة المشهد الجزائري وصراع الأقطاب والنفوذ في البلد الذي يشهد نوعًا من الاضطرابات والتجاذبات الشعبية التي – وإن خفتت قليلًا – لكنها كالجمر بين الرماد.
وشهدت مرحلة خلع بوتفليقة العام المنصرم، سيطرة الجيش بقيادة رئيس الأركان السابق الفريق ” أحمد قايد صالح ” على مقاليد السلطة في البلاد وتسيير المرحلة الانتقالية ريثما تم انتخاب الرئيس الحالي ” عبد المجيد تبون ” الذي بعد توليه بفترة قصيرة جدًا أعلن عن وفاة رجل الجزائر القوي ” القايد صالح ” لتعود صراعات التنافس والتجاذب في كواليس السياسة الجزائرية – فيما يبدو – والتي أظهرها الاستئناف المقدم والطعن القضائي بحق السجناء السياسيين الأبرز والأهم في عهد ” القايد صالح ” من أركان نظام بوتفليقة السابق والمسيطرين على البلاد حينها، وهم أخوه السعيد بوتفليقة ورئيس المخابرات السابق الجنرال توفيق والجنرال بشير طرطاق، بالإضافة لمتهمة اليسار الجزائري ” لويزة حنون ” زعيمة حزب العمال.
وكان الأمن الجزائري قد اعتقل في الخامس من مايو/ أيار الماضي كلّاً من مدين وطرطاق والسعيد بوتفليقة، وألحق بهم بعد أيام حنون، على خلفية اجتماع عقد في 27 مارس/ آذار الماضي عقب اندلاع مظاهرات الحراك الشعبي، لمناقشة مقترح تشكيل هيئة رئاسية انتقالية تؤول إليها السلطة بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وإعلان حالة الطوارئ وإقالة قائد أركان الجيش حينها، الفريق أحمد قايد صالح.
وأدان القضاء العسكري في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي المتهمين الأربعة بالسجن لمدة 15 سنة بنفس التهم، قبل أن تعلن هيئة الدفاع عن الطعن في الحكم، وإعادة المحاكمة في مجلس الاستئناف.
وبدأت محكمة الاستئناف يوم الأحد الماضي، النظر في قضية المتهمين الأربعة المسجونين منذ أيار / مايو، بعد قبول الاستئناف بأحكام بالسجن التي صدرت بحقهم في 25 سبتمبر عن المحكمة العسكرية بالبليدة جنوب العاصمة الجزائرية.
وكانت نيابة مجلس الاستئناف العسكرية طلبت أمس الاثنين، عقوبة السجن 20 سنة للمدانين الأربعة بتهمتي “المساس بسلطة الجيش والمؤامرة ضد سلطة الدولة”، بحسب محامين. حيث جرت المحاكمة في جلسة مغلقة غاب عنها الصحافيون وسط انتشار أمني كثيف.
وأقرّت محكمة الاستئناف العسكرية الجزائرية، الإثنين، الحكم السابق بالسجن 15 عاما سجنا بحق السعيد بوتفليقة، والقائدين سابقين للمخابرات إثر الإدانة بـ “التآمر على الجيش والدولة”، وفق مصدرين.
وقال صديق موحوس أحد أعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين للصحفيين خارج محكمة الاستئناف العسكرية بالبليدة جنوب العاصمة: “تم تثبيت حكم السجن 15 سنة بحق السعيد شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وقائدي المخابرات السابقين.
من جهته، قال حزب العمال الذي ترأسه لويزة حنون، في بيان إن المحكمة برأت حنون من تهمة “التآمر على الجيش والدولة” لكن تمت إدانتها بتهمة “عدم التبليغ عن الحادثة”.
وقضت محكمة الاستئناف العسكرية اليوم بعقوبة 3 سنوات سجنا بحق حنون منها 9 أشهر نافذة فقط وهي المدة التي قضتها في السجن منذ توقيفها في مايو/ آيار الماضي، وفق المصدر ذاته.
وكانت المحكمة العسكرية الابتدائية، أصدرت في تلك القضية أيضًا، حكما غيابيا في سبتمبر/ أيلول الماضي بالسجن 20 سنة بحق وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، وأحد أبنائه بعد فرارهم نحو إسبانيا قبل المحاكمة بأسابيع.
هذا وجاءت محاكمة رموز بوتفليقة في وقت يراه مراقبون أنه جزءٌ من مشهد حراك شعبي تجاوز أسبوعه الخمسين، وجاءت كاستجابة لمطالب الشارع التي كان على رأسها رحيل كامل رموز بوتفليقة ومحاكمة كل من تورط في قضايا فساد.
كما واستقبلت هذه الأحكام بارتياح كبير في الجزائر، خاصة من قبل ناشطي الحراك الشعبي، وعلى خلفية دوافع لا علاقة لها بالقضية بشكل مباشر، بل تخصّ المسؤولية المباشرة لكل من قائدي جهاز المخابرات سابقاً في ازمة العشرية السوداء الدامية التي شهدتها الجزائر في التسعينيات وعن عمليات القتل والإعدامات خارج القانون والمختطفين والمفقودين، وكذلك قضايا الفساد وشبكات نهب المال العام بالنسبة لشقيق بوتفليقة.
وعقب صدور الحكم قال المحامي فاروق قسنطيني، وكيل الدفاع عن الجنرال توفيق، “أشعر بخيبة أمل ولكني لست محبطاً. لدينا فرصة لنقض الحكم أمام المحكمة العليا. أمامنا ثمانية أيام للقيام بذلك”.
أما المحامي خالد برغل وكيل الدفاع عن الجنرال طرطاق فقال “إنها عقوبة قاسية. موكّلي يدرك جيّداً أنّ الأوضاع التي يمرّ فيها البلد ليست مواتية لصدور عقوبة خفيفة. إنّه رهينة الحراك”، في إشارة إلى حركة الاحتجاج الشعبية التي تهزّ السلطة منذ عام تقريباً.
وبحسب الاتهامات فإن سعيد بوتفليقة طلب مساعدة الرئيسين السابقين للاستخبارات من أجل إقالة قايد صالح من منصبه الذي شغله منذ 2004 وظلّ وفيا لبوتفليقة طيلة 15 سنة.
وكان رد فعل رئيس الأركان جمع كل قادة الجيش في اجتماع بثه التلفزيون الحكومي ليطلب رحيل الرئيس “فوراً”، وهو ما حصل في 2 أبريل.
وبالنسبة للعديد من المراقبين فإنّ المتّهمين الأربعة هم في الحقيقة الطرف الخاسر في صراع طويل خلال حكم بوتفليقة، بين جهاز الاستخبارات ورئاسة الأركان.
واعترفت لويزة حنون القريبة من رئيس الاستخبارات الأسبق ومن سعيد بوتفليقة، بأنّها شاركت في اجتماع مع سعيد بوتفليقة والجنرال توفيق في 27 مارس، غداة مطالبة رئيس أركان الجيش علناً باستقالة بوتفليقة. لكنّها “رفضت اعتبار ذلك مؤامرة ضد الدولة”، بحسب محاميها.
وبعد أيام من قرار إزاحة بوتفليقة، اتّهم رئيس الأركان “قايد صالح” الشخصيات المذكورة بالاجتماع للتآمر ضدّ الجيش. وبعد صدور الأحكام عن محكمة البداية وصفها الفريق “صالح” بـ “الجزاء العادل”.
ويبدو أن المحامين توقعوا بأن تتغير “المعطيات” بعد وفاة قايد صالح في 23 ديسمبر، هو الذي اعتُبر الحاكم الفعلي للبلاد في الفترة بين استقالة بوتفليقة وانتخاب الرئيس عبد المجيد تبون في 12 ديسمبر.. ولكن جاءت أحكام القضاء لتثبت التهم وتنزل العقوبات السابقة أمام المتهمين الذين يريدون – وفقًا لمحامييهم نقض تلك الأحكام أمام المحكمة العليّا.