مرصد مينا
ليست مشاركة بلا قيود، هذا واحد من تعبيرات استعادة الرئيس السوري بشار الأسد لمقعده في “قمة جدة”، والشروط يمكن اختزالها بكلمة واحدة هي رقم “٢٢٤٥”، وهو من منتجات “بيان جنيف” الذي يحث السلطة السورية على مصالحة مع الناس، عموم الناس، وإشراك المعارضات في الحكم، وبنتيجته إحداث شكل من أشكال الشراكة الوطنية.
الكلام سيكون في الهواء إذا لم يكن وراءه قوّة إلزام، وجامعة الدول العربية لاتمتلك جيشاً يُلزم، ولاحتى مجرد “قوّة أخلاقية” للإلزام، وبالتالي سيكون الكلام اللاحق:
ـ ماهي قدرة بشار الأسد على الالتزام بما حملته “المبادرة” بشقيها “بيان جنيف” أو مقررات الجامعة.
هذا سؤال لايرتب بنية ولا برغبة بشار الأسد وقد باتت سوريا ملعباً لمجموعة من الدول وقوّاتها على الارض السورية، وأبرزها إيران، روسيا، تركيا، وفي خلفية المشهد الولايات المتحدة الامريكية، ولكل منها حصته سلاماً او حرباً، هذا عداك عن التشظي في النظام، بما غيّب القرار لحساب جهات تتوافق على الناس، وتتصادم في مصالحها.
الحوار الوطني، وبيان جنيف هو طريق لإحداث تصدعات في نظام استفرد تاريخياً بالحكم، والشراكة بالنسبة اليه تعني إلغاء هذه الصفة التي تشكّل عليها، ثقافة وطريقة حياة، والانعطاف عنها يعني “ولادة” جديدة، لنظام جديد يفترق عن تاريخه، ولن يفعل هذا بإرادته، فيما مناصريه سواء الروس منهم، او الايرانيين، لابد ويشدّون على ساعده للتمسك بماضيه الذي يعني “حضورهم” في الصيغة السورية، اقلّه وكلا النظامين هو الشبيه الأقرب للنظام بفارق “الجودة” و “القوة”، كما بفارق القدرة أيضاً.
كلام كهذا يعني أن النظام لن “يتغيّر”، وإذا ما تغيّر فلهذا معنى واحد أنه يرتضي “الخازوق” وكلنا يعرف تلك القاعدة الشهيرة التي أرساها الراحل حافظ الأسد والقائلة بـ “من الصعب الجلوس على الخازوق ولكن يمكن الالتفاف عليه”، وقاعدة كهذه قد تفسح للنظام اللعب على بيان جنيف، ومد اليد لـ “معارضة” على القياس، تفصّلها الاجهزة الاستخبارية، وتمنحها أسماء قد تكون صارخة في وعاء ساكن.. قد يحدث هذا، وتستعاد تجربة “الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا”، وهي التجربة التي وصفها كاريكاتير مع إضافة “لصاحبها حزب البعث”، والكاريكاتير إياه لم يكن يعني السخرية بقدر ماكان يعني “التوصيف” دون تعمّد “الهجاء”.
قد نجد وفي وقت قريب ما يماثل هذه الصيغة وذلك باستجلاب تيارات واحزاب من المعارضات “الصالحة” لهذا النوع من الاستخدام، وهذه معارضات “عفى الله عما مضى”، ولابد أن تتخذ لنفسها قاعدة مستحدثة عنوانها “عفى الله عما سيأتي”، وسوى ذلك لن يكون خياراً لبشار الأسد، لا بسبب نقص في الرغبة فحسب، بل بسبب غياب شبه كامل للقدرة، في بلد توزع فيه النظام إلى ميليشيات لابد وتقول كلمتها، كما إلى دول ومصالح ستكون أكثر عناداً وعلى رأسها طهران التي لن تتحق في توسعها إن لم تكن سوريا خندقاً امامياً لقوّاتها، وشرط بقائها لابد مرتبط بهذا النوع من الانظمة.
بشار الأسد اليوم امام واحد من خيارين:
ـ إما البقاء معزولاً حتى وإن استعاد حضوره باستعادته لمقعد سوريا في جامعة الدول العربية.
أو منتحراً بقبوله تنفيذ مقررات بيان جنيف.
الخيار الثالث وهو خيار الظل:
ـ أن يلتف على الخازوق، والالتفاف هنا يعني اختراع معارضات كلما زاد عددها قلّ شانها.. معارضة من طراز “وصال بكداش” او “صفوان قدسي”، وكلاهما لم يموتا، فالتناسل صيغة تسمح بالعثور على صنفهما.