مرصد مينا
عاد اسم سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، ليبرز في المشهد السياسي الليبي مجددًا، بعد تأكيد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، الأسبوع الماضي، استمرار سريان مذكرة التوقيف الصادرة بحقه منذ عام 2011.
وتُتهم المحكمة الجنائية الدولية سيف الإسلام بارتكاب “جرائم قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية” خلال أحداث ثورة 17 فبراير، التي أطاحت بحكم والده بعد أكثر من أربعة عقود.
انقسام داخلي حول دور سيف الإسلام
ورغم استمرار المذكرة الدولية، أشار عضو مجلس النواب الليبي علي التكبالي إلى أن القوى السياسية والعسكرية في شرق وغرب البلاد لا تُبدي اهتمامًا كبيرًا بسيف الإسلام، معتبرةً إياه غير مؤثر على نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها.
وأوضح التكبالي في تصريحاته صحافية، أن قلة ظهور القذافي الابن منذ إطلاق سراحه عام 2017 قد قللت من تأثيره على الساحة، مشيرًا إلى أن تحديد مكانه واعتقاله ليس معضلة، إذا ما اتخذت القوى المسلحة قرارًا بذلك.
وكان قد صدر في عام 2015، حكم بالإعدام بحق سيف الإسلام، بعد إدانته بارتكاب “جرائم حرب” وقتل مدنيين خلال الثورة، لكنه لم يُنفذ.
وفي عام 2017، أطلقت “كتيبة أبو بكر الصديق” في الزنتان سراحه، ومنذ ذلك الحين، ظل القذافي بعيدًا عن الأضواء، مع شح المعلومات حول مكان إقامته أو مصادر دعمه. غير أنه ظهر في نوفمبر 2021 بمدينة سبها، حين قدم ترشحه للانتخابات الرئاسية.
القوى الدولية والمحلية: تباين في المواقف
في السياق، أشار المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ إلى أن القوى الرئيسية في ليبيا لا تعتبر سيف الإسلام تهديدًا مباشرًا، بل ترى أن تحركاته محدودة بفعل الظروف الأمنية والجغرافية.
ولفت محفوظ إلى ما وصفه بـ”الفيتو الروسي” الذي قد يكون عاملاَ في حمايته من الاعتقال، مرجحاً أن يتحرك القذافي في مناطق نفوذ أنصاره في الجنوب الليبي.
على الجانب الآخر، أكد المحلل السياسي حسين السويعدي، المؤيد لحقبة القذافي، أن سيف الإسلام ما زال يحظى بولاء قوي من أنصاره وحاضنته الاجتماعية، ما يجعل محاولة اعتقاله خطوة محفوفة بالمخاطر.
وأضاف السويعدي أن هذه الحاضنة قد ترد بقوة على أي تحرك يستهدف القذافي الابن، ما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في عدد من المدن الليبية.
الدور الاستراتيجي للزنتان
بدوره، يرى الباحث في معهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن قضية سيف الإسلام مرتبطة بشكل وثيق بمدينة الزنتان، التي تمثل محوراً استراتيجيًا في التوازنات المحلية.
وأوضح أن اللواء أسامة الجويلي، الذي يحظى بدعم من سكان الزنتان، دخل في تحالفات مع المشير خليفة حفتر منذ 2022، مشيراً إلى أن حفتر ينظر إلى سيف الإسلام كتهديد ويطمح إلى اعتقاله.
في المقابل، يبدو أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، ينتهج سياسة مغايرة، حيث يسعى إلى عدم استعداء أنصار القذافي.
وقال حرشاوي إن تسليم أبو عجيلة المريمي، المتهم في قضية “لوكربي”، إلى الولايات المتحدة في أواخر 2022 ترتب عليه “تكلفة سياسية كبيرة”، وهو ما يجعل الدبيبة أكثر حذرًا في اتخاذ أي خطوات مشابهة تجاه سيف الإسلام.
مشهد سياسي معقد
وفي ظل وجود حكومتين متنافستين في ليبيا – حكومة الوحدة المؤقتة بقيادة الدبيبة في طرابلس، وحكومة برئاسة أسامة حماد مدعومة من المشير حفتر – يظل غياب حكومة موحدة عقبة كبيرة أمام تسليم سيف الإسلام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وعلى الرغم من كونه خصماً سياسياً لجميع الأطراف، إلا أن سيف الإسلام يبدو بمنأى عن السيطرة المباشرة من قبل أي طرف، ما يعزز حالة الجمود بشأن قضيته.
ومع استمرار التوتر في المشهد الليبي، يتردد الحديث عن الكلفة السياسية المرتبطة باعتقال سيف الإسلام أو تسليمه.
فمع تعدد القوى المتنافسة داخلياً والدور الذي تلعبه المصالح الدولية، تظل قضية القذافي الابن نقطة محورية تعكس تعقيد الصراع الليبي.