الحرب التي توشك أن تقع

الحرب التي لم تقع بعد، ستكون الحرب الساحقة الماحقة.. ليست حرب الطوربيدات البحرية، ولا الصواريخ العابرة للقارات، كذلك لن تكون ذرية أو نووية لتترك وراءها هيروشيما أو ناغازاكي.

مالذي سيكون عليه حالها، بل السؤال:

ـ من سيكون أبطالها؟

ليس مستبعدًا، أن يكون “هرقل” الحرب المقبلة، ولد عابث، يرغب بالاحتفال بلوغه السادسة عشر بأن يفجر مثل هذه الحرب التي:

ـ لانرى دخانها ولا نشم رائحة بارودها.

الأيام القليلة الفائتة تعالت الأصوات نخوّفًا من وقوعها، أقله عبر ماكشفه مدّعون فيدراليّون أميركيون، ومن ثم اعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أنّ روسيا تقف وراء الهجوم الإلكتروني الكبير الذي طاول وكالات حكوميّة أميركيّة عدّة وأهدافاً في كلّ أنحاء العالم أيضاً.

وكان بومبيو قد قال لبرنامج “ذا مارك ليفين شو” “الآن يمكننا أن نقول بشكل واضح جداً إن الروس” يقفون وراء ذلك الهجوم.

ليس بومبيو وحده من اطلق التهمة، كذا حال  رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي وقد أصدرت بياناً أكدت فيه أن الكونغرس، بالعمل مع إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، سيأخذ إجراءات قوية وفورية لضمان أمن البنى التحتية للولايات المتحدة والدفاعات الرقمية ضد هذه الهجمات.

واعتبرت الأخبار عن الهجمات الإلكترونية الكبيرة وبعيدة المدى التي تستهدف الوكالات الحكومية والشركات الأميركية “دليلاً مقلقاً إضافياً على أن الجهات الفاعلة الخبيثة، من بينها روسيا، تبقى عازمة على تقويض أمننا القومي وديمقراطيتنا”، وفق ما جاء في البيان.

وشنّ قراصنة، على مدى نحو تسعة أشهر، هجوماً سيبرانياً ضخماً، استهدفوا خلاله وكالات حكومية أميركية، بينها وزارات الخارجية والخزانة والتجارة والأمن الداخلي، وشركات عالمية.

وقال الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن ، إن حملة التسلل الإلكتروني التي استهدفت شبكات الحكومة، في الآونة الأخيرة، إنما هي مبعث “قلق كبير”، وتعهد بالتحرك سريعاً للردّ عليها بمجرد توليه الرئاسة الشهر المقبل، بحسب ما أوردت وكالة “رويترز”.

وقال بايدن، الذي سيصبح رئيساً في 20 يناير/كانون الثاني، إن فريقه سيجعل مواجهة هذه الحملة أولوية قصوى، وسيجعل الأطراف المسؤولة عن مثل هذه الهجمات الإلكترونية تدفع “ثمناً باهظاً”.

هنا، لابد من التوقف عند تعبير “الثمن باهضًا”، فما هو الباهض الذي تعتد به الخسارة؟

من الصعب توقعه، فقد لايقتصر الأمر على هجمة سيبرانية تقابلها هجمة سيبرانية، وقد يكون هجمة سيبرانية نصف مدمرة مقابل هجة سيبرانية كلية التدمير وجارفة تأخذ بطريقها كل شيء.

الحرب هذه ليست جديدة، ولا بنت اليوم، لقد اعلن عنها في 2017 يوم اتهمت الادارة الأمريكية ستّة ضباط استخبارات روس، لتورّطهم في بعض أكثر الهجمات الإلكترونية تدميراً في السنوات الأخيرة، بما فيها عمليات دمّرت شبكة الطاقة الأوكرانيّة، وأخرى فضحت حزب الرئيس الفرنسي وألحقت الضرر بالنظم العالمية، في هجوم “نوتبيتيا” المكلف عام 2017.

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” لفتت آناك إلى أن العديد من الهجمات السيبرانية نُسبَت سابقاً إلى الحكومة الروسية، لكن لوائح الاتهام التي كُشف عنها تُعدّ أول تهم جنائيّة أميركيّة تُربَط بمسؤولي استخبارات روس محدّدين. وأشارت إلى أن التهم تشمل التآمر، اختراق الكمبيوتر، الاحتيال عبر الهاتف، وسرقة الهويات.

في آنها نسبت الصحيفة أهذه الجريمة إلى وحدة القرصنة التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الروسية، المعروفة باسم “جي آر يو”، ربطتها سابقاً الولايات المتحدة الأميركية بعمليات التدخل السيبراني خلال انتخابات عام 2016، وأن أحد الأفراد الستّة اتّهمته الولايات المتحدة بالارتباط بمحاولات القرصنة الروسية لأنظمة الانتخابات الأميركية.

الروس سينكرون الأمر، وهذه المتحدثة باسم السفارة الروسية في واشنطن تقول  لوكالة “سبوتنيك”: “من الواضح تماماً أن مثل هذه القصص الإخبارية لا علاقة لها بالواقع”. وأضافت: “إنها تهدف فقط إلى تدفئة المشاعر المعادية للروس في المجتمع الأميركي، وإطلاق حملة مطاردة السحرة وهوس التجسس. يعتبر هذا علامة مميزة للحياة السياسية لواشنطن لعدة سنوات”.

وتابعت: “السلطات الأميركية تعمل باستمرار على تدمير العلاقات الروسية الأميركية التي كانت ذات يوم براغماتية، وتفرض بشكل مصطنع على سكانها تصوراً ساماً عن روسيا وكل ما يتعلق بها”.

بالنتيجة، من الصعب على قيادات الحربين العالمية الاولى والثانية أن يستوعبوا ما الذي تحمله حروب اليوم.

لاشك سينظرون إلى دباباتهم بمنتهى الأسى، ويقولون لجنودهم:

ـ أيها الجنود، ليس ثمة داع لتوحيل أقدامكم بالخنادق.

هذه الحرب يقودها بشر بياقات قمصان نظيفة وربطات عنق، وقد يتناولنها مع الفودكا.. اخلعوا خوذكم وناموا.

Exit mobile version