الحريري في تركيا رجل دولة أم بزنس مان؟

أن يكون سعد الحريري في زيارة إلى تركيا، فهذا أمر طبيعي بالنسبة لرجل مال، فالمنتجعات وافرة ومرفهة، أما أن يكون زائرًا سياسيًا فهذا ما طرح الكثير من التساؤلات.. تساؤلات لاتخلو من سوء النية، فالرجل هو المكلف بتشكيل الوزارة اللبنانية، ولن تكون وزارة إنقاذ إن لم تكن على وفاق مع مجموعة الدول الخليجية والمملكة السعودية، التي ن لم تمد لبنان بخشبة الإنقاذ فلا شك سيكون لبنان غارقًا.

تركيا، وعبر تاريخها الطويل، لم تلعب دور المنقذ.. لعبت دور مولد الحرائق كما دور المحتل، أما الإنقاذ فلم يكن من الذاكرة التركية، وهو ما أثار الأسئلة حول زيارة الحريري، التي كشفت عن (حميمية) ما بين الرئيس اللبناني المكلف، والرئيس التركي المؤبد، ومن بين ماكشفته تلك الحميمية أن علاقة الحريري بالرئيس التركي اردوغان لم تنقطع يوماً حتى في عزّ الصراع مع السعودية والامارات. وحافظ كلا الرجلين على علاقة مميزة الى حد بعيد، وهو ما تشهد عليه الدعوة الوحيدة التي تلقّاها مسؤول لبناني لحضور زواج ابنة اردوغان، والحريري كان الشاهد.

 كان السؤال:

ـ أهو خطأ في حسابات “دولة الحريري”، أم هو صواب في حسابات “البزنس مان”؟

مما تسرب عن الزيارة أن تالرئيس تعمّد إضفاء طابع الحفاوة والتكريم والعلاقة الحميمة على لقائه بالحريري. فكان اللقاء حول مائدة الغذاء، واقتصر عليهما لوحدهما ودام اكثر من ساعتين. كان يريد ان يقول: علاقتنا أقوى من الظروف وتبدلاتها.

ومما تسرب أن سأل الحريري الرئيس التركي عن حقيقة وجود تَوجّه تركيّ لِبَسط نفوذٍ في شمال لبنان، على قاعدة تفعيل حالة سنية بوجه الحالة الشيعية لأنّ ذلك سيؤدي الى دفع لبنان باتجاهات الفوضى الشاملة.

 وردّ اردوغان نافياً وجود اي نية بهذا الاتجاه. واضاف: لستُ بهذا الوارد على الاطلاق. لا نريد الخربطة في لبنان، ولا نية لدينا حتى للدخول الى ساحته. وتابع اردوغان قائلاً: هنالك بعض الفرقاء في لبنان حاولوا «دَق بابنا» في هذا الاطار، ولكننا لم نتجاوب. فنحن ليس لدينا أجندات في لبنان في هذه المرحلة. عندها، قال الحريري انّ لبنان يمر بظروف صعبة، وانّ المبادرة الوحيدة المطروحة لإنقاذه هي المبادرة الفرنسية، وقد تكون المبادرة الاخيرة. واراد الحريري ان يلمّح الى تجنيب لبنان آثار الصراع التركي – الفرنسي في المنطقة.

 عندها، أخذ اردوغان الكلام مُستعرضاً الصراع الدائر في منطقة شرق البحر الابيض المتوسط، ومُعدّداً المشاكل الكبيرة بين بلاده وفرنسا. لكنه اضاف بأنّ تركيا ستكون مع اي خطوة تساعد استقرار لبنان. وكان لافتاً انّ اردوغان تَجنّب لفظ عبارة المبادرة الفرنسية، لكنه عزّز مرة جديدة خياره الرسمي بعدم الاقتراب من الساحة اللبنانية، وكأنه ملتزم بالقرار الاميركي بعدم السعي لتوسيع دائرة الفوضى في لبنان.

 في التحليلات اللبنانية أنه وبخلاف بعض النظريات التي راجَت، فإنّ الحريري لم يبحث استبدال الدعم السعودي بدعمٍ تركي، فالحسابات في هذا الاطار اكبر من اطراف المنطقة. لا بل على العكس، ذهبَ للتأكيد على عدم تورّط تركيا في لبنان، ولو انّ علاقته مع السعودية ما تزال على برودتها السابقة او في افضل الاحوال فهي تتحسن ببطء شديد.

 ووفق هذه النظرة يعتقد الرئيس الحريري انه غير قادر بتاتاً على التراجع خطوة واحدة في التركيبة الحكومية، وإلّا فهو سيغامر بعدم الحصول على مساعدات خليجية، وبالتالي الذهاب الى القدر المحتوم، أي الانهيار الكبير. مع معرفته ايضاً بأنّ الوقت يضيق، وانّ ما بات يفصلنا عن موعد الارتطام هو مسألة شهرين او ثلاثة على ابعد تقدير. ما يعني انّ المناورات الجارية حول الولادة الحكومية تعتمد على عامل الوقت في حسابات مختلف الاطراف. فرئيس الجمهورية، الذي يتمسّك بحكومة تمنح رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل نفوذاً قوياً من خلال الثلث المعطّل، يُراهِن على تراجع الحريري وتبديل موقفه انسجاماً مع مواقفه السابقة. فجميع المعارك الحكومية السابقة كانت تنتهي بتراجع الحريري لا بل حتى معركة قانون الانتخابات شهدت النتيجة نفسها، وهو ما يعني رفع سقف المواجهة في المرحلة الحالية.

 وتنقل مصادر ديبلوماسية عن باسيل قوله في لقاء خاص: أعطونا بعد شهراً إضافياً وستشاهدون كيف سيتراجع الحريري. انها لعبة عَض الاصابع التي يخسر فيها كل مرة.

 الحريري وهو يواجه عقبات جبران باسيل،  ابلغّ الجانب الفرنسي انّ الرهان على اللعب بأعصابي لن يجدي نفعاً في هذه الظروف، لأنّ أحداً لن يساعد لبنان وتصبح الولادة الحكومية وكأنّ شيئاً لم يكن. ونصح الحريري الفرنسيين بعدم الخضوع للعبة «اهتراء» الاعصاب.

وانّ الحريري يدرك انّ ما تبقى قبل الانهيار الشامل مسألة شهرين او ثلاثة أشهر كحد أقصى. وبالتالي، سينتظر حصول المعجزة لهذه الفترة قبل ان يعمد الى نشر التشكيلة الحكومية التي أودعها رئيس الجمهورية، ليحكم الرأي العام على نوعية أسماء التشكيلة الوزارية.

 وروى الحريري انه خلال اللقاء الاخيرة مع رئيس الجمهورية، بادَره عون بالقول: جبران يحبّك، لماذا انت لا تحبه؟

 فأجابه الحريري بأنّ المسألة ليست مسألة عواطف بل تأمين المساعدات الخارجية من خلال حكومة ثقة.

 وفي اليوم التالي، وصفَ باسيل، في مقابلة إعلامية، علاقته بالحريري بأنها «حبّ من طرف واحد». لكنّ الجديد عند الحريري هو ما تطرّق اليه في تركيا، اي الخلفية الاقليمية، او موقف «حزب الله» يريد ولادة حكومية سريعة، لكنه اليوم بدأ يشكّك بذلك. هو بالتأكيد لم يصل بعد الى حد مُجاراة وليد جنبلاط في تقييمه لموقف «حزب الله»، لكنه ايضاً لم يعد موقفه كما كان سابقاً. فثمّة مَن في الحلقة اللصيقة بالحريري، بدأ يقتنع بأنّ «حزب الله» يتحضّر لمرحلة الافلاس الكامل، وهو يريد الارتطام للذهاب الى المؤتمر التأسيسي. وانه يعمد لحماية الموقف المتصلّب لباسيل إن لم يكن لتشجيعه، للوصول الى الفوضى الشاملة، ومنها الى ولادة الجمهورية الثالثة.

 وانّ خطأ رئيس الجمهورية انه يتعاطى مع واقع خطير من زاوية المصالح الضيقة والصغيرة، تماماً كما يعتقد البعض بأنّ العقوبات على باسيل كانت من إنتاج نائب سابق من جبل لبنان وصادقَ عليها لاحقاً الحريري وجنبلاط وجعجع، ما سمح لواشنطن بإصدارها.

 في الواقع المسألة أعقد وأبعد بكثير. والاستنتاج من كل ما سبق، أنّ الولادة الحكومية الطبيعية مستعدة، وانه لا بد من صدمة ما.

في العودة إلى زارة الحريري لتركيا، وساعات الخلوة مع أدروغان:

ـ ما الذي أراده اللبناني من التركي؟

ثم:

ـ ما الذي أراده التركي من اللبناني.

يظهر أن ثمة مايحدث وراء الستار.

ماتخفيه السنين تكشفه الأيام، وياخبر بفلوس بكر يبقى ببلاش.

Exit mobile version