نبيل الملحم
سنتوافق مع القائلين بأن “الثورة” في سوريا أوقدت النيران في البلاد.. لنقل أن كتم الحريات، وانتشار الفساد، واستفراد عائلة في الحكم، كلّها ليست أسباباً تدعو للثورة وإنما تتطلب بلع الجرح أو صبّ الملح عليه.
لنقل كل ذلك ولنتوافق على أن “الثورة” جاءت في غير أوانها، وبأن “الثوار” لم يدركوا موازين القوى وفاتتهم موهبة الحساب، لنقل ذلك ولنضيف بأن “الثورة” في سوريا، وقد حاكت ثورات الربيع العربي، لم تقرأ الصورة صح، فالقذافي مسكين، يتيم الحلفاء، وكذا حال زين بن علي، وأن لا حلفاء لمبارك كما حال الأسد وخلفه الإيراني والروسي، ومع كل منهما جحافل وحلفاء وسلاح ومصالح بالغة الجديّة وصولاً لوصفها بـ “الاستراتيجية”.. كلها حقائق تقول بأن هذا النظام “لن يسقط”، ذلك أن كل من في سفينة الحكام العرب تساقطوا سواه، ولاندري فقد تكون سفينة نوح ولم ينج منها سوى الهدهد والحمار، وثانية لاندري على وجه الدقة أيهما هو الأسد.. الهدهد أم الحمار؟
لنقل كل ذلك ولنضيف بأن الأمم تتحرر بتراكم الحركات المطلبية والاحتجاجات، وأن طريق الثورات لابد وينتهي بالمقصلة والدماء، وأنه تبعاً لذلك كان على “الثوار” تأجيل ثورتهم واعتماد المطلبية على طريق الإصلاح.
لنقل كل ذلك، وكل ما يلزم المرء من إعطاء مبررات، لنظام حَكَم ما يزيد عن نصف قرن، ومن إنجازاته:
ـ تعطيل المسألة الزراعية، واقتلاع “أصفر ونجّار” من قمحهم لحساب “الرفاق الفلاحين”، وقد ترأسته راقصة على العكس من اتحاد النساء وقد ترأسه مصارع ثيران.
ـ تعطيل المسألة الصناعية، وإحلال شركة كونسروة شارع بغداد، وكلاسين شركة الشرق محل “الخماسية” وكانت وبكل المقاييس منافسة أقلّه للطليان.
ـ تعطيل البرلمان، فالبرلمان الذي نجمه “خالد العبود” ليس ذاك البرلمان الذي حمل خالد العظم وخالد بكداش، ودعونا لاننسى أن فارس الخوري من مواليد ذاك البرلمان.
ـ تعطيل الجيش وتحويله إلى ميليشيا، بداية على يد رفعت الأسد وفارساته المظليات، وصولاً لابن الشقيق وقد حلّ “اللجان الشعبية” مكان قيادة الأركان.
لنقل كل ذلك ولنقدّر عالياً كل هذه الإنجازات وقد باتت في دفتر التاريخ ولكن:
ـ ماذا عن اليوم؟
اليوم حصراً وبتاريخ ٢٦ تموز ٢٠٢٣ ما الذي تبقّى لديه من إنجازات ووعود؟
ـ وعد بسكة قطار؟ بشبكة خطوط حديدية؟
ـ وعد بمنتجات زراعية تجتاح أوروبا وتقفز من على سد الصين؟
ـ وعد بمشفى لاتسرق ادارته طعام مرضاه؟
ـ وعد بجامعة تعيد كرامة محمد الفاضل، والدكتور السنهوري، ومحمد سعيد البوطي، والطيب تيزيني، ونايف بللوز.. تستعيد كرامة كلية حقوق الشام وهي من تأسست ثاني جامعة القاهرة وقبل كل العرب من المحيط إلى الخليج؟
ـ وعد باستعادة جماليات البروكار السوري وقد احتل ذات يوم المقعد الرئاسي في الكابيتول.
كل ذلك ليس مهماً، فكرامة البلد لاتستلزم سوى:
ـ قائد تاريخي لايحول ولايزول ولا تدركه العقول.
غير أن “التاريخي” إياه، بات سجين قصره، حدود “تاريخيته” فضاء القصر، ربما باستثناء غرفة النوم، فـ “التاريخي” مثل الرعاع، مثلي، ينام على “الصوفا”.
التاريخي لم يعد تاريخياً أقله بالحضور “التاريخي للروس، والحضور اللاهوتي للإيراني، وحضور المطاوي والسكاكين لحماة القصر، وقد باتوا أكبر من قبضة القصر.
بعد كل هذا مالزوم من لايلزم؟
ـ ما لزومه والجوع يكوي الناس؟
ـ مالزومه وثلاثة أرباع شباب البلد إما تحت السلاح وإما احتياطي سلاح، فمن هرب من البلد نجا، ومن بقي فمصيره معلّق بحبل الله.
لم يبق له أيّ لزوم، ولم يعد بوسعه انتاج فقهاء يحوّلون الخراء إلى معجون أسنان، مستشارتيه، واحدة تشغلها الشيخوخة، والثانية منشغلة بالسطو على صلاحيات “أم الولاّد”.
“الثورة” فعل خاطئ ومدمّر، ولكنها حدثت، أمّا ما يحدث اليوم فلابد أنه يستدعي واحد من ثلاثة خيارات:
ـ إما ثورة ع الكاتالوك، مرسومة بدقّة وبعقل عبقري.
ـ إما فوضى والكل من ضحاياه مافيات وناس.
وإما “الخجل”، والخجل وحده يمكن أن يؤجل هدر الدماء، وعندما نقول الخجل، فهذا يعني أن يخجل حاكم على كل هذا الحال من انعدام الوزن .. لزومه لايلزم.. أن يرحل منفرداً، أو مع العائلة، والسوريون لابد سيسامحونه بما ادخره من ثروة، وبما سفكه من دماء، وبما سحق من ازمان سوريّة في السجون، فكل معتقل زمن معتقل.. هذا هو الحال.
سلامات ياخجل.. وحدك الغريب، وحدك من لايعرف الطريق إلى:
ـ السيد الرئيس.