الخطأ؟ نعم.. الخطئية؟ لا

زاوية مينا

هي الصيغة المُربِكة، ولِمَ لا؟ فبما يزيد عن نصف قرن، اشتغلت عائلة الأسد على تفكيك سوريا بما يسمح أن تتحول إلى لصاقات طوائف لاوطناً جامعاً.

ومع انهياره، بات من الصعب استعادة الوطن السوري دون المرور بمخاض الانتقال من “الثورة إلى الدولة”، وقد غُيب مفهوم الدولة عبر مافيا الأسد ودولته لحصرها بـ “الهراوة” وحدها، حتى لم يعد التمييز ممكناً ما بين “البرلمان” و “الزنزانة”، لتنحصر مهمة الدولة في ترويض الناس، لا بإشراكهم باختيار مصائرهم، ولاشك بأن حال كهذا لن يكون سوى حمل ثقيل على ثورة تشتغل لتتحول إلى دولة، دون نسيان ذاك التحالف الذي لم تنفك أواصره بعد ما بين أوليغارشيا المال الناهب، والإقليم الطامح لنهب البلد واستعادة ماخسره، وتحديداً في بعده الإيراني الذي ما أن فقد مداه الحيوي في سوريا، حتى بات في عزلة الجغرافية، وقد انقطع الهلال الشيعي الذي اشتغل عليه، ليضع يده على شرق المتوسط، ومن بعده يضع أقدامه في العالم الإسلامي مُقرراً مصير هذا العالم.

ما بعد سقوط منظومة الأسد، كان من الصعب على دولة الملالي رفع الرايات البيضاء مستسلمة، فالاستسلام لسوريا الخارجة عن سطوتها، يعني انتحاراً لامبراطورية طامحة، لن تكون بمأمن من أن تسقط من الداخل لحظة تفقد قوّتها في الخارج، وهاهو الخارج قد فلت من يدها، أقلّه ما بعد سقوط حزب الله في لبنان، والإعياء وقد أصاب قوّاتها في اليمن، ولي أذرعها في العراق، ما يعني أنها باتت الإمبراطورية التي يتنازعها الموت، ليكتب التاريخ تاريخاً جديداً لن يكون لطهران مقعداً فيه، فيما الثغرات مازالت مفتوحة لها في بلد يخرج من الدمار إلى استعادة هويته، ونعني هنا سوريا على وجه التحديد، فالثغرات ممكنة، والاستثمار فيها ممكن، وذلك عبر الاستثمار فيما يسمى الأقليات المسكونة بمخاوف لاجذور موضوعية لها في تاريخهم المعاصر، وهم لابد ويتذكرون كتاب التاريخ السوري الذي سمح لمسيحي بأن يتولى وزارة الأوقاف السورية، فيما أطلقت قوى الاستقلال الوطني لقب القائد العام للثورة السورية على رجل من دروزها، أما الكتلة الوطنية التي صاغت دستورها فطالما ردّدت “الدين لله والوطن للجميع”، وهو الشعار العميق في التكوين السوري ما قبل استئثار حافظ الأسد بالسلطة.

وقد اشتغل على تحالف الفساد، تحت عنوان تحالف الأقليات، مستثمِراً بالطائفة الأكثر فقراً في سوريا، عبر زج العلويين بالمؤسستين القمعيتين اللتان لا يحمل السوريون منهما سوى ذاكرة العنف والمجزرة، ونعني هنا الطائفة العلوية.

قد يكون لجزء من الطائفة العلوية اليوم، ما يمكن وصفه بـ “فوبيا السنّة”، دون مراجعة صريحة وواضحة للدور الذي زجّت به، بما آل اليه هذا الدور من عزلة عن محيطها السوري، ومن بعدها لابد واشتغلت بقايا النظام المهزوم على دروز سوريا، لتنسج سردية، هي الأكثر رفضاً من أبناء هذه الطائفة وقد واجهت سردية النظام المخلوع هذه برفع الصوت عالياً على رفض أي كلام عن طلب “الحماية الإسرائيلية” وهو ما بُرهن عنه عبر مرجعياتها في سوريا ولبنان، وكذا في فلسطين المحتلة حيث كان لشاب من دروز الجليل أن يذهب بعيداً بالرفض لحظة استخدم سلاحه الأبيض في طعن إسرائيلي كما لو يقدّم بياناً بالغ الوضوح عن موقف طائفته، دون إنكار أن ثمة من تسلل إلى هذه الطائفة عبر دور بالغ الخزي، ربما كان اللبناني وئام وهاب أبرز رموزه وهو اللعبة في كل الملاعب التي فتحت أبوابها له، بدءاً من بوابات حزب الله، ومع سقط الملعب ولاعبيه، بات عارياً سوى من بقايا خطاب، مبتذل، اشتدت العزلة عليه حتى بات يبحث عن دور، أيّ دور وقد أقفلت بوابات دمشق في وجهه، دون أن يتبقى له من وجه، سوى ما يشبه قفاه.

اللعبة في سوريا اليوم قد تبدو الأشدّ خطراً، والسلطة الجديدة لابد مدركة لمخاطرها ولابد أنها تشتغل على احتواء العاصفة القادمة من وراء الحدود.
ثمة أخطاء؟

نعم ثمة الكثير من الأخطاء، غير أنها وقد تقع في الأخطاء، لن تذهب ولا للحظة للانتقال من الخطأ إلى الخطيئة، واستيعابها للحرائق بات يحمل ما يكفي من الأدلة والبراهين.

Dashboard

Exit mobile version