الرئيس المطرب في عرسه الوطني

ليس “سجعًا” خطاب الرئيس “بشار الأسد” لمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية، هو أقرب لمواويل المطربين الريفيين، الذين يغنّون على هامش الأعراس، وربما في الوقت المستقطع من الأعراس قبل وصول مطرب العروسة والعريس.

من الجائز القول، إنه “خطاب “معيب”، فالخطابات الرئاسية ولمناسبة الفوز بالرئاسة تعني طرح مشروع عمل.. مشروعًا وطنيًا يمثل خارطة طريق لأيام الرئاسة المقبلة، وهذا بغض النظر عن مشروعية الانتخابات وجديتها، أو عن كونها “هزلية” لاتضحك شعبًا شرد نصفه، ودمّر ثلاثة أرباعه، ولم يتبق له سوى المعتقلات أو القبول بنظام انتهك كل مافي البلاد، دون أن يتردد في الامعان بالمزيد، ولا أن يفكّر بالتصالح مع الناس، ولو لفظيًا، وهذا ليس خطاب طاغية كما وصفه الكثير من ناشطي السوشيال ميديا، فالطغاة يعرفون فن الخطابة، ويتقنون اللعب مع المزاج العام، ومع خطاب بشار الأسد، ثمة إحراج حتى لمناصريه الذين كفّوا عن الضحك أسوة بالمعارضين لنظامه، واستغرقوا بـ اللا ـ لغة التي حملها الخطاب، فبدا “الرئيس المنتخب”، رثًا وهزيلاً كل مافيه لغة هجائية ثأرية، لاتعبر عن رجل دولة، ولا يتقبلها رجل عصابة، فكانت كلمة أقل شأنًا من كلمة رجل دولة، وأحط قيمة من كلمة يلقيها زعيم عصابة، وكان السؤال:

ـ من يكتب له كلماته هذه؟

وفي التعقيب:

ـ من يورط هذا الرجل بالمزيد من الوحل، وقد حوّل البلاد إلى بلاد موحلة؟

يعد عشر سنوات حرب، بتداعياتها على الأرواح والكرامة واللقمة، يكون لرجال الدولة حكمة العقل، بمن فيهم المسكونين بجنون العظمة، فيعدون بالنجاة، أو يعتذرون عما تسببوا به من موت، وفي كلا الحالين، ينتهجون منطق المصالحة، وفي حال الغرور والصلافة، ينتهجون منطق التسامح، وفي خطابه لا مصالحة ولا تسامح، بل المزيد من إغراق البلد بالمجهول، والتأكيد على “الوطنية السورية” التي لاتكون إلاّ بقبوله جلاّدًا للسوريين.

خطاب هو في واقع الحال، نسخة شديدة التطابق مع الخطيب، وإن كان ثمة ثالث كتبها فالذين يعرفون بشار الأسد عن قرب، يعرفون حقيقة كونه يجمع اثنين في شخصه، الطفل المصاب بالسلس البولي، والقاتل الذي لايشبع من الثأر، وهي الخاصة التي ورثها عن أبيه، فيما الاولى مازالت تطارده وليس له منها فرصة للنجاة.

في خطابة انسداد لأي أفق يمكن للبلاد أن تشهده.. انسداد لأية تسوية يمكن أن تتوافق عليها البلاد، ووحدها المقابر ستبقى مفتوحة، وقد ضاعف خطابه من حجم المأساة السورية، وهو الخطاب الذي يذكّر بخطابه الأول 2011، بفارق أنه أشد ركاكة لغوية، وأكثر صلافة ووقاحة، دون نسيان الجسد المتوتر والعينين الزائغتين للخطيب، ما يستدعي قراءة جسدية للرجل، دون إزاحة احتمال أنه بلغ من “العته” ما يكفي لكفّ يده عن العمل العام، هذا إن نسينا أنه متهم بجرائم تصل حدود “الجرائم ضد الإنسانية”، ليجمع بخطابه هذا مأثرتين:

ـ مأثرة المعتوه، ومأثرة االمجرم.

وفي كلا االمأثرتين، ثمة كوارث جديدة مقبلة على السوريين، كوارث يقودها منتصر لا يليق به الانتصار، وإن هُزم، فلن يكون مهزومًا أقله لأنه لم يكن محاربًا.

لم يكن محاربًا؟

تلك حقيقة لاتقبل الكثير من الأخذ والرد، والدليل عند “الروسي” و “لاإيراني”، وعند حسن نصر الله أيضًا.

هذا الرجل لاصلح رئيسًا ولا من حقه أن يكون حارس مقبرة.

إذا كان رئيسًا سيملأ المقابر بالجثث، وإن كان حارس مقبرة فلابد أن يتحول إلى قط مقابر ينبش قبور الموتى.

Exit mobile version