نبيل الملحم
مقتل البنت السورية “ندى”، بعد سقوطها في حفرة للصرف الصحي، أيقظ ماهو اكثر من موت “بنت”، دون نسيان أن لصورتها ما استدعى أن تتحول إلى إيقونة جمالية في الأرواح..
مقتلها استدعى غليانًا قد تقتصر تعبيراته ربما على تعليقات تبدو عابرة غير أنها ليست عابرة كمن كتب:
ـ نحن نعيش في “ريكار” مساحته 185 الف كم مربع.
ويعني ببلد اسمها : سوريا.
قضية “الريكار”، فجّرت ماقبلها وما بعدها، وفجّرت لحظتها، فما قبلها تاريخ ممتلئ بكل أدوات الفساد، وصولاً إلى تحوّل بلد بكليته إلى “دولة فاسدة”، وهو تعبير بالغ الخشونة، فأن نقول “فساد في الدولة”، يمكن احتمال مثل هذا الوصف، غير أن للـ “الدولة الفاسدة” حكاية أخرى.
حكاية “السطوة، في علاقتها بالفساد”، فالفساد الحكومي لاينتعش في بلد بوسعك أن تقاضي منتهكيها، فالمواطنية شراكة، وعلى من يسرق حصة مواطنه في الشراكة أن يتحمّل تبعات سرقاته.
حكاية “العنف في علاقته بالفساد”، والعنف يمتد من عنف الحصول على الرغيف، وصولاً لتغوّل أنياب النظام في لحم الناس، سجونًا ومعتقلات وكمّ افواه، وإرغام المواطن على الرحيل أو المكوث في وطن “مدجنة” او “مقصلة”.
وحكاية البنت تجاوزت مقتل شابة، وبلا أدنى تردد، شابّة تستحق “الحب” و “الفتوة” و “الجمال الخلاّق”، و “الفرح”، وتبادل الصباحات مع شباب من نوعها، رقة وجمالًا وعذوبة.. تجاوزت الحكاية لتتحول إلى:
ـ ريكار اسمه نظام وقد منح البلد شكله فبات البلد “ريكار”.
تجاوزت القصة قصة “ريكار” ليعيد “الريكار” ذاكرة “الحفرة”، حفرة التضامن.
هناك “ريكار” من مياه آسنة، وهنا “ريكار” من خيارات آسنة، وضمائر آسنة، واوامر آسنة، وإدارة بلد آسنة، وقيادات آسنة توزعت على بلد ممزق، فحوّلت الحياة بكل مافيها إلى “ريكار” حتى باتت اللحظة السورية “آسنة”.
نظام ولد من منابع “آسنة”، عمّم قيمه فأنتج فيما أنتج “معارضات آسنة”، وزراعة آسنة، وطبابة آسنة، وتعليم آسن، وزمن ببعد واحد، لاماض له، ولا مستقبل، هو اللحظة الساكنة كما “ريكاراته” و “مقابره” و “حفره”، زمن لن يكون ثلاثي الأبعاد.. بُعد واحد يكفي لبلد تاهت حدوده، وتاه ناسه، وانتقل فيها القاتل من الاستثمار بالبارود والبراميل المتفجّرة، إلى “القتل” بالريكار، وكان ابتكارًا تجاوز ابتكار المقصلة، تلك التي أنعشت قلب لويس السادس عشر ثم جاءت إلى رقبته.
ليس مؤكدًا، أن يأتي “الريكار” السوري على مبتكريه فيغرقهم فيه، أقلّه من اجل “محاكاة المقصلة”.
أو من أجل كرامة العدالة.
العدالة تلك الكلمة المنسية في بلد أسقطت عنه كل “آدميته” فبات ليغدو بلا قلب أو عينين.. كل ما تبقّى منه وفيه:
ـ أنيابه.