وحدها الصحافة االإسرائيلية تمد عينها إلى زيارة جو بايدن للملكة العربية السعودية، تفعل ذلك حتى يبدو للمرء، أن جدول الزيارة بحوزتها، وما بحوزتها مقاعد الجلوس، والمصافحة، ومدة الابتسامة وطولها وعرضها، واكثر من تحكي عن “إهانات” سيتلقاها الرئيس الأمريكي في مملكة النخيل والرمال، وفق “يديعوت احرونوت” بدأت حملة الإهانة من المطار ومن مستوى طاقم المستقبلين فـ “إذا كان ولي العهد بن سلمان وقف بشرفه وبنفسه لاستقبال ترامب وجاء حاكم الرياض لاستقبال أوباما، سينتظر بايدن نائب رئيس بلدية مكة الذي هو بالصدفة أم بغير الصدفة، ابن عم ولي العهد السعودي”.
ولكن جو بايدن سيبتلع الإهانة، هذا ماتقوله يديعوت، لتستكمل رسم الصورة “ومن هنا وحتى اللقاء في قصر الملك سلمان العجوز حيث سينتظر أيضاً ولي العهد السعودي الأمير بن سلمان، سيكون كل شيء مفتوحاً. سيكون هذا اختبار الرجلين، اللذين يمقت أحدهما الآخر، لعبة باردة أمام المستشارين من الطرفين ومحادثات موضوعية أكثر في المكتب الفاخر”.
الرئيس بايدن لم يسمح ولو للحظة بنسيان أنه يعتزم الحديث عن حقوق الإنسان في السعودية، وإن كان ليس في محفل الملك وولي العهد. وأغلب الظن سيؤدي واجبه بالغداة، في قمة صغرى لزعماء العالم العربي. في الجانب الآخر، أوضح مستشارو الأمير بن سلمان بأنه لن تكون مصافحة مع بايدن، وبالتأكيد لن يكون هناك توثيق للحظة الأولى من اللقاء. من هذا الدرك يمكن للأمور أن تتدحرج إيجاباً، وقد تكون هناك مفاجآت أخرى.
ـ مفاجآت؟ أية مفاجآت؟
رغم كل شيء، سيبتلعون الريق ويتحدثون، تلك مفاجأة اولى، وإذا كان بايدن لا ينسى مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، فإن الرئيس التركي تجاوز الأمر إلى الأمام. فقد أجبرت الظروف اردوغان للوصول إلى قصر ولي العهد السعودي ليعلن بأن قضية القتل ستنتقل إلى المحاكم في السعودية ومواصلة الأمل بمساعدة اقتصادية سخية من بن سلمان. هكذا يتبين، فالرئيس بايدن هو الآخر يصر على الإعلان بأنه يسافر إلى السعودية كي يلتقي تسعة حكام ممالك وإمارات ودول عربية سيجتمعون بخاصة في مدينة جدة بعد يوم من وصوله.
الزيارة إياها ستطوي وقد طوت الكثير من العالق مابين الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي، فحين يحضر النفط يغيب ماسواه، وهكذا سيكون هاجس جو بادن وسيتركز على إقناع الحاكم الحقيقي MBS بزيادة إنتاج النفط وتوسيع المبيعات، وعلى الطريق، سيطلب من زعماء إمارات الخليج عمل الأمر ذاته بإنتاج الغاز – كل ما تواصل الولايات المتحدة خسارته بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
حتى هذه اللحظة، لا تلمح السعودية عن قصد إذا كانت ستزيد إنتاج النفط وهل ستوافق على تخفيض سعره. لكن السؤال هو: هل هي معنية بالتنازل لإدارة الرئيس بايدن أم سيواصل بن سلمان الغمز نحو روسيا والصين؟ ومع ذلك، حين يكون مستشارو الرئيس الأمريكي يتجولون في الخليج، فقد سجل منذ اللحظة إنجاز أول: حرب السعوديين مع الحوثيين توقفت قبل ثلاثة أشهر، ووقف إطلاق النار يصمت. بايدن معني بتمديد الهدوء، بسبب غمزته باتجاه الإيرانيين، مقدمي الرعاية والسلاح للحوثيين.
المفاجأة الأهم، وهي المفاجأة التي لم تُستكمل كانت في مرحلة معينة، إمكانية ضم لبيد رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الرحلة إلى جدة أو على الأقل واحد من مستشاريه الكبار. والهدف: “تخفيض الضغط عن الرئيس الأمريكي وطرح اقتراحات أمنية تعني MBS”.
رجل كبير في دائرة مستشاري بن سلمان يكشف النقاب عن أن رجال لبيد لم يسارعوا للقفز على المبادرة كما لم يذكر اسم مستشار إسرائيلي كبير. بالنسبة لهم، من الأصح تنظيم مثل هذه الزيارة في موعد قريب من موعد الانتخابات في إسرائيل، وجعلها علنية ومغطاة إعلامياً، واستخدام الصور بالدعاية حول الانتخابات القادمة.
اجتاز بن سلمان مدة اليومين والنصف الأخيرة في مشاهدة قنوات التلفزيون وقراءة برقيات وتقارير عن زيارة بايدن إلى إسرائيل. أما لقاؤه مع أبو مازن في بيت لحم فيعنيه أقل، لكنه سيبقى ذريعة سعودية بلا هوادة لعدم الإعلان عن علاقات علنية مع إسرائيل “ما لم تحل القضية الفلسطينية”.
إنهما “النفط والتطبيع” وكليهما لم يطلقا الدخان الأبيض حتى اللحظة، فلا السعودية أعلنت عن زيادة الضخ وتخفيض أسعار النفط، ولا هي مستعجلة على التطبيع مع إسرائيل، فالمملكة تتغير من داخلها بسرعة الصاروخ، فيما تستبقي على سياساتها الخارجية ببطء السلحفاة.
وبالنتيجة، زيارة بايدن لم تتجاوز بعد ما يسمح للرئيس الأمريكي بالقول :
ـ أنا جورج واشنطن.. لا، لن تسمح له بالقول “أنا بمكانة رونالد ترامب”.
السعوديون يفوتون الفرصة على الرئيس العجوز في أن يكون ذروة بلد تجلس على ذروة العالم والتاريخ.