مرصد مينا – ملفات
يعاني الاقتصاد السوداني منذ عقود من أزمات متراكمة، وبالرغم من كثرة الثروات الطبيعية التي يمتلكها السودان، إلا أنه يحتل الترتيب الأعلى في قائمة أسوأ الاقتصادات في العالم بتحقيقه معدل تضخم غير مسبوق.
وكان التعويل دائما على الوضع السياسي والعلاقات الدولية والحصار، لكن الآن وبعد مرور أكثر من عامين على الإطاحة بنظام “عمر البشير” وتغير الأوضاع السياسية التي كانت سائدة منذ ما يقارب ثلاثة عقود من تواجده بقائمة الإرهاب وافتقاده للحصانة، ها هو اليوم ينفض غبار الماضي، لكن رغم ذلك، ازداد سوءا وازدادت معه المعاناة اليومية للمواطن، كما لم يشهد سعر صرف الجنيه السوداني أي تحسن، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وبالتالي لم يحدث تحسن في مستوى معيشة المواطن، وكل هذا ناتج عن السياسات التي اتبعتها الحكومة في الفترة الانتقالية، حسبما يقول محللون اقتصاديون.
رزح الاقتصاد السوداني على مدار اكثر من عقدين من الزمن تحت وطأة العقوبات الامريكية، والتي بدورها ضغطت سلباً على كل القطاعات بالبلاد، وجعلتها عاجزة عن تصدير منتجاتنا الزراعية والنفطية والمعدنية، كما أدت الى حصار القطاع المصرفي وخروجه عن المنظومة العالمية للتعاملات المالية، وأدى هذا الوضع الى تفاقم الأضرار المترتبة على هذه العقوبات وعزلت الاقتصاد السوداني كلياً عن السوق العالمي.
بالإضافة الى ذلك، عانى السودان من صراع اجتماعي طويل الأمد، وحرب أهلية، وفي شهر حزيران\ يوليو 2011، فقد ثلاثة أرباع إنتاجه من النفط بسبب انفصال جنوب السودان، بعد أن كان قطاع النفط هو الدافع الأكبر لنمو الناتج المحلي الإجمالي للسودان منذ عام 1999.
توقف إنتاج النفط في جنوب السودان في عام 2012 لأكثر من عام وما تلاه من فقدان رسوم عبور النفط، أدى إلى تفاقم الحالة الهشة للاقتصاد السوداني، كما تسببت النزاعات المستمرة في ولايات جنوب “كردفان” و”دارفور” و”النيل الأزرق”، إلى إبقاء نصف السكان عند خط الفقر أو أسفله، وفقًا لكتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
بعد انفصال جنوب السودان، طرحت الخرطوم عملة جديدة ولا تزال تسمى الجنيه السوداني، ولكن قيمتها انخفضت منذ طرحها للتداول، وقد قامت الخرطوم رسمياً بتخفيض قيمة العملة في شهر حزيران\ يونيو 2012، عندما أقرت تدابير تقشفية شملت إلغاء دعم الوقود تدريجياً.
ومنذ ذلك الوقت، يحاول السودان تطوير مصادر غير نفطية للإيرادات، مثل تعدين الذهب والزراعة، مع تنفيذ برنامج تقشفي لخفض النفقات، إذ أصبح ينتج السودان أكبر مصدر في العالم للصمغ العربي 75-80٪ من إجمالي الإنتاج العالمي، فيما تواصل الزراعة توظيف 80% من قوة العمل في البلاد.
الذهب… بوابة الدخول للاقتصاد العالمي
خلال العقد الأخير، تزايد انتاج الذهب في السودان بأكثر من 1200%، ليقفز حسب تقرير لإدارة المسح الجيولوجي الأمريكي من 7 أطنان عام 2008 إلي أكثر 90 طناً عام 2017.
وبحسب تصريحات لوزير المعادن السوداني، فإن الانتاج السنوي من الذهب تراوح خلال عام 2018، بين 120 – 200 طن سنوياً، بعائدات تقدر بـ5 مليارات دولار، وقدر في مؤتمر قضايا التعدين في شهر شباط\ فبراير من العام الماضي، عدد العاملين في قطاع التعدين في البلاد بنحو 5 ملايين شخص.
لكن الحكومة، عادت وأعلنت مؤخرا، أن إنتاج الذهب خلال الربع الأول من 2020، بلغ 8.41 أطنان، بنسبة 34 بالمئة فقط، من الإنتاج المخطط له خلال نفس الفترة.
وبسبب الاضطرابات السياسية التي عاشها السودان خلال العامين الماضيين، عقب اندلاع الثورة، لم تصدر أية إحصائيات رسمية عن حجم إنتاج الذهب الكلي خلال 2019.
يشار الى أن السودان يحتل المرتبة الثالثة افريقياً بعد جنوب أفريقيا وغانا، والتاسعة عالمياً في قائمة منتجي الذهب.
المحلل الاقتصادي “سفيان البدري”، يرى أن السودان يخطو نحو وضع قدمه على أول سلالم الاقتصاد العالمي، من خلال استغلال موارده من المعدن الأصفر النفيس ( الذهب)، الذي من شأنه وضع السودان على خريطة الإنتاج العالمي، وتوفير دخل من العملة الصعبة، هو في أشد الاحتياج لها حاليا.
لكن بحسب “البدري”، فإن ذلك يتطلب تنسيق عالمي، وإجراء تعديلات في القوانين والتشريعات المحلية، لوقف عمليات تهريب الذهب وانتشار التجارة غير القانونية.
الناتج المحلي الإجمالي
توقع البنك الدولي أن يرتفع معدل نمو الناتج المحلي في السودان العام 2019 إلى معدل 3.1%، متسقاً بذلك مع توقعاته لارتفاع النمو الاقتصادي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بذات القدر.
وقال البنك في تقريره “الآفاق الاقتصادية العالمية، لشهر حزيران\ يونيو 2018، إن النمو المحلي الإجمالي للبلاد سيوالي الارتفاع العامين المقبلين حيث سيرتفع من معدل 2.6% للعام 2018 إلى 3.1% العام 2019 ثم إلى 3.5% العام 2020.
وأرجع البنك هذه الزيادة إلى توقعاته بارتفاع إنتاج قطاع التعدين واستقرار أسعار المعادن على تعزيز النشاط الاقتصادي في البلدان المصدرة للمعادن، وإلى تحسن الظروف الزراعية واستثمارات البنية التحتية في بلدان أخرى في المنطقة.
الفقر
تستند أحدث التقديرات الرسمية للفقر في السودان إلى المسح القومي للميزانية والأسر للعام 2014/2015، في ذلك الوقت، يقدر أن 36.1 بالمئة من سكان السودان لديهم مستويات من الإنفاق للفرد أقل من خط الفقر الوطني، ويقوم البنك الدولي حاليًا بوضع اللمسات الأخيرة على تقرير الفقر الذي يقدر عدد الفقراء باستخدام خطوط الفقر الدولية (IPL) البالغة 1.90 دولارًا و 3.2 دولار أمريكي للشخص يوميًا (معايير الفقر المدقع والفقر العالمي، على التوالي). في غضون ذلك، تستند أرقام الفقر التي نشرها البنك الدولي للسودان إلى مسح عام 2009.
في عام 2009، كان ما يقدر بحوالي 46.5 بالمئة من سكان السودان، 15.6 مليون سوداني، هبطت مستويات الإنفاق للفرد لديهم أقل من خط الفقر الوطني، وعند قياسه على خط الفقر الدولي للبنك الدولي (IPL) البالغ 1.90 دولار للشخص في اليوم (تعادل القوة الشرائية 2011)، كان 14.9 بالمئة من السكان فقراء. وعندما تم قياس الفقر على أساس خطوط الفقر الدولية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل الأعلى (3.2 دولار و5.5 دولار لكل شخص في اليوم)، كان 40.5 بالمئة و 73.2 بالمئة فقراء، على التوالي.
في عام 2009، كان معدل الفقر في المناطق الريفية، حيث يعيش ما يقرب من ثلثي السكان، أعلى بكثير منه في المناطق الحضرية، وكانت التباينات واضحة أيضا في جميع أنحاء المحليات، فعلى سبيل المثال، كان معدل انتشار الفقر في شمال دارفور، أعلى بثلاثة أضعاف من مثيله في العاصمة الخرطوم.
يشير مؤشر جيني البالغ 35.4 إلى أن عدم المساواة كان معتدلاً مقارنة بالبلدان الأخرى في أفريقيا جنوب الصحراء، ويرى البنك الدولي أن أرقام الفقر وعدم المساواة الحالية لا تزال غير واضحة، إذ تشير التقديرات إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في عام 2018 أدى إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة ووضع الرفاه الاقتصادي العام.
البُنية التحتية والاتصالات
بدعمٍ من عائدات النفط المرتفعة بين عاميّ 1999- 2011، تحسّنت البُنية التحتية في السودان بشكلٍ ملحوظ مقارنةً بفترة ما قبل النفط، وكان لهذا التحسّن تأثيرٌ قوي على نموّ نصيب الفرد، حيث ساهم بما نسبته 1,7% وفقاً لتقرير البنك الدولي. كما ساهمت ثورة المعلومات والاتصالات بالجزء الأكبر من نموّ السودان، فقد استثمرت البلاد بقوة في البُنية التحتية في السنوات الأخيرة، محققةً بعض الإنجازات البارزة.
على سبيل المثال، تمكنّ 10,5 مليون سوداني من استخدام الإنترنت عام 2014 وذلك وفقاً لأرقام وزارة الاتصالات السودانية، أي أنّ هذا يقرب من ربع سكان البلاد، كما خطّت السودان خطواتٍ هائلةً في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من خلال تحرير القطاع وبالتالي جذب رأس المال الخاص بشكل كبير، فضلاً عن ذلك، فقد ارتفعت نسب انتشار الهاتف المحمول من أقل من 1% عام 2000 إلى 77% مع حلول نهاية عام 2015.
الطرقات
تضاعفت شبكة الطرقات في السودان تقريباً من حيث الطول، إذ بلغت 6,200 كيلومتر، والتي جرى تعبيدها بين عامي 2000 و2008، مع ذلك، لا تزال الكثير من مناطق البلاد تفتقر إلى الطرقات، في حين يمتاز التوسع الهائل في شبكة الطرق في السودان بسوء البناء والافتقار إلى الصيانة الملائمة والدورية.
ويرى مراقبون أن هذا النقص في الطرق الملائمة يؤثر بشكلٍ سلبي على إنتاج المنتجات الزراعية والحيوانية، والتي تقع في المناطق الريفية، كما أنّه يعوق قدرتها على الوصول إلى الأسواق المحلية والخارجية، ممّا يجعلها أقلّ قدرة على المنافسة في الأسواق الإقليمية من خلال إضافة المزيد من تكاليف النقل.
ومع ذلك، ترتبط البلاد بطرق معبدة مع جيرانها الثلاث المهمة، وهي مصر وإريتريا وأثيوبيا وإلى حدود جنوب السودان، تشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى.
السكك الحديدية
كانت شبكة السكك الحديدية واسعة النطاق في السودان، إذ بلغت حوالي 4757 كيلومترًا من خطوط السكك الحديدية في جميع أنحاء البلاد، والتي تصل إلى جميع المدن والبلدات الرئيسية، وبحسب الباحث “خالد العبدي” فقد لعبت السكك الحديدية في السودان والتي بُنيت على يدّ القوات البريطانية، أواخر القرن التاسع عشر، دوراً في بناء الدولة وتوفير البُنية التحتية للزراعة والتجارة والصناعة حتى منتصف السبعينيات.
ومنذ ذلك الحين، بدأت السكك الحديدية في التدهور بسبب نقص الصيانة والتجديد، حيث أصبحت اليوم تعمل السكك بحوالي خُمس طاقتها، حيث نقلت السكك الحديدية في السودان 850 ألف طن متري من البضائع، حسب “العبدي”، الذي يؤكد أن عدّة محاولات لصيانة وتحسين الشبكة أعيقت خلال السنوات الخمس الأخيرة، بسبب عدم الاستقرار السياسي ونقص التمويل، فضلاً عن التدخلات السياسية للحدّ من نفوذ اتحادات سكة الحديد التي تتمتع بالقوة.
تمّ إهمال السكك الحديدية من الحكومة التي فضلت الاستثمار في الطرق السريعة الأقلّ كلفةً، وفي عام 2015، ذُكر أنّ سكك الحديد تمتلك 60 قاطرةً في الخدمة، إلّا أنّ سرعتها القصوى تصل إلى 40 كيلومترًا في الساعة فقط بسبب سوء حالة الخطوط.
قُدمت أول خطوة جادّة لتحديث السكك الحديدية في السودان عام 2014، بمساعدة من الصين، حيث أصبح قطار النيل الصيني الحديث بين عطبرة والخرطوم يتمتع بشعبية كبيرة على الرغم من أنّ الرحلة تستغرق وقتاً أطول من الحافلات، ذلك أنّه أرخص وأكثر آمناً.
بعد ذلك، تحدّث مسؤولون في الحكومة السودانية مراراً وتكراراً عن مشروعٍ لبناء سكة حديد من بورتسودان على البحر الأحمر عبر البلاد وصولاً إلى الجارة الغربية تشاد، وفي وقتٍ لاحق إلى الكاميرون بكلفة 2 مليار دولار.
النقل النهري
يوفر نهر النيل، الذي يتكون من النيل الأبيض والنيل الأزرق، طريقاً هاماً للنقل الداخلي، كما لعب دوراً غاية في الأهمية تاريخياً.
ومع ذلك، فإنّ فائدته مقيدة بسبب العديد من الشلالات في النيل الرئيسي، بين الخرطوم وجنوب السودان، فضلاً عن ذلك، يمتاز النيل الأبيض جنوب السودان بروافده الضحلة ممّا يمنع عبور المراكب كبيرة الحجم.
أمّا النيل الأزرق فغير مناسب للنقل النهري ويحتوي على سدّين ممّا يجعله أقل ملائمة للنقل النهري.
الباحث “العبدي”، يرى أن النقل النهري على مدى التاريخ، لعب دوراً حيوياً في ربط شمال وجنوب السودان، إلّا أنّه أُعيق بسبب الحرب الأهلية بين عاميّ 1983-2005، واستقلال جنوب السودان، ومؤخراً.
الموانئ البحرية
يمتلك السودان ثلاثة موانئ عاملة في المياه العميقة، هي بورتسودان، وسواكن، ومحطة مرسى بشاير لتصدير النفط.
ويعد ميناء “سواكن” أقدم الموانئ العاملة السودانية، حيث بنته الإدارة الاستعمارية في السودان، عام 1906، لكن أثبت عدم كفاءته فضلاً عن صغر حجمه بالنسبة للسفن الكبيرة.
وفي عام 2014، تعامل بورتسودان مع 1,539,034 طن متري من الصادرات، و6,002,652 طن متري من الواردات، حسب إحصائيات رسمية.
تأسّست الشركة الوطنية للملاحة، الخطوط البحرية السودانية، عام 1962، كمشروع مشترك بين البنك اليوغسلافي للتجارة الخارجية وشركتي تصنيع سفن شحن يوغسلافية، وفي عام 1967، اشترت الحكومة السودانية الحصة اليوغسلافية، وارتفع عدد السفن المملوكة للخطوط البحرية السودانية إلى عشر سفن، حيث بلغ مجموع الحمولة الكلية أكثر من 122,200 طن عام 1990.
وبعد أن بلغت أوجها بأسطولٍ مكوّن من 15 سفينة عام 1980، بدأت الخطوط البحرية السودانية في منتصف الثمانينات بيع أسطولها الواحدة تلو الأخرى بسبب الصعوبات المالية.
أما اليوم، فلا تمتلك الخطوط البحرية السودانية أيّ سفنٍ تشغيلية، كما نفى مسؤولون مؤخراً تقارير صحفية عن نيّة الحكومة خصخصة الشركة، متعهدين بأنّ الشركة ستنتعش قريباً وسيتمّ شراء سفن جديدة.
الطاقة و الكهرباء
تضاعفت القدرة على توليد الطاقة في السودان ثلاث مرات، من حوالي 800 ميجاواط في عام 2007 إلى 2,687 ميجاواط عام 2015، مع التحول لاستخدام الطاقة الكهرومائية بدلاً من الطاقة الحرارية باهظة الثمن.
ويوّلد سدّ مروي، الذي بُني بين عامي 2003 و2010 على الشلال الرابع لنهر النيل في شمال السودان، 1,250 ميجاواط. وهذا يجعل منه أكبر مشروع معاصر للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، ومع ذلك، لا يزال نقص الطاقة الكهربائية المعوّق الرئيسي في الاقتصاد السوداني، ووفقاً لمسؤولين وتقارير وسائل الإعلام المحلية.
المصانع في السودان تعمل بربع طاقتها الإنتاجية التصميمية، بسبب النقص في الطاقة، الذي يحدّ بشكلٍ ملحوظ من القدرة التنافسية للصناعات السودانية في كلٍّ من الأسواق المحلية والدولية.
ويُقدر أنّ إجمالي إنتاج الطاقة يُلبي 70% فقط من إجمالي الطلب على الطاقة في السودان، وهو ما يُفسر تخطيط الحكومة لبناء ثلاثة سدود إضافية للطاقة الكهرومائية في الشريك وكجبار ودال، على الرغم من المناهضة القوية من قِبل المواطنين لمواقع بناء هذه السدود في شرق وأقصى شمال السودان
الزراعة
مرّ الاقتصاد السوداني الذي يعتمد على الزراعة بعصور زاهية، لكن تعاقب الحكومات العسكرية وفشلها في إدارة موارد الدولة بطريقة رشيدة أهدر الكثير من مواردها الكبيرة، حسبما يرى مراقبون.
مشروع الجزيرة السوداني، كان أحد أكبر المشاريع الزراعية في أفريقيا ويمثل وريد الاقتصاد الوطني السوداني، حيث يقع في وسط السودان بين النيلين الأزرق والأبيض في السهل الطيني الممتد من منطقة سنار إلى جنوب الخرطوم عاصمة السودان، وتبلغ مساحته مليونين و200 ألف فدان (850 كم).
أُنشئ المشروع في عام 1925، كما شكل العمود الفقري لاقتصاد السودان بعد الاستقلال، ويعتبر مشروع الجزيرة أكبر مشروع مروي في أفريقيا.
ساهم المشروع خلال السنوات الماضية بأكثر من 65% من الإنتاج الزراعي السوداني، حيث كان يشكل قبل النفط 45% من صادرات السودان، ويساهم في الميزانية العامة للسودان بهذه النسبة الكبيرة.
شهد مشروع الجزيرة، بداية الثمانينيات تدهورا كبيرا أدى إلى تراجع إنتاج القطن المحصول الرئيس الذي يدر العملة الصعبة للخزينة العامة.
يشار الى أن جمهورية السودان تتمتع بالتنوع في المناطق الزراعية، التي تناسب مجموعة واسعة من المحاصيل، حيث يستحوذ على أكبر منطقة مروية في أفريقيا جنوب الصحراء، ويحتل المرتبة الثانية في القارة من حيث الزراعة المروية.
وتتركز معظم الأنشطة الزراعية التجارية في حزام عبر وسط البلاد، والمعروف باسم السهل الطيني المركزي، وتعتمد الزراعة في السودان على هطول الأمطار والري من الأنهار الرئيسية (نهر النيل وروافده).
وحسبما تكشف إحصائيات رسمية، تشكل مخرجات القطاع الزراعي في السودان نحو 80% من صادرات البلاد كما تعد الزراعة قطاعًا حاسمًا في الاقتصاد السوداني كمصدر رئيسي للمواد الخام والغذاء والنقد الأجنبي، وتقدر مساهمة الصناعة الزراعية في إجمالي الإنتاج الصناعي نحو 60%، في شكل مواد خام.
وفقًا لنتائج بعثة التقييم السنوية لإمدادات المحاصيل والأغذية التي تقودها الحكومة، قدر إجمالي إنتاج الحبوب في السودان بنحو 8.2 مليون طن ، بزيادة 57 في المائة عن انخفاض إنتاج عام 2017 و 30 في المائة عن متوسط السنوات الخمس السابقة، وتعيد منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” هذا الحصاد الوفير إلى الوفرة في الأمطار الموسمية وتوزعها الجيد في ذلك العام.
كما قدرت “الفاو” إجمالي إنتاج الحبوب لعام 2018 بحوالي 8.2 مليون طن، بزيادة 57 بالمائة عن انخفاض الإنتاج في عام 2017 بنحو 30 بالمائة عن المتوسط.
البنك الدولي يقدر نسبة العاملين في قطاع الزراعة السوداني عام 2018 بنحو 43.14% من إجمالي المشتغلين في الدولة، مقارنة بنحو 43.44%، 43.22% في عامي 2016، و2017 على التوالي.
وتقدر القيمة المضافة في القطاع الزراعي (بالأسعار الثابتة للدولار الأمريكي في عام 2010) بنحو 21.37 مليار دولار في عام 2017، مقارنة بـ 20.86 مليار دولار في العام 2016.
وفقاً لمسح القوى العاملة لعام 2011 الذي أجرته وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل في السودان، تُقدّر القوى العاملة بـ9,3 مليون فرد، مقارنةً بـ5,3 مليون في مسح عام 1990، بمعدل نمو سنوي بلغ 2,1% عام 2011. وقدّرت منظمة العمل الدولية نسبة البطالة عام 2009 بنحو 13%. وازدادت أعداد العاطلين عن العمل إلى 1,8 مليون عام 2011، بزيادة سنوية نسبتها 3,3%.
وتسببت الهجرة من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية بنقص في اليدّ العاملة غير البارعة في المناطق الريفية، وبخاصّة في المناطق الزراعية المروية مثل الجزيرة ومصانع قصب السكر. وفي الوقت نفسه، غيرت الهجرة إلى الخارج من قبل العمالة الماهرة والمهنيين هيكل القوى العاملة بدايةً في التسعينيات، ممّا أدّى إلى نقصٍ في العمالة الماهرة في البلاد بالكامل.
أدّى تدهور القطاع الزراعي وانتشار عدم الاستقرار والصراع العرقي إلى المزيد من البطالة في المناطق الريفية، فقد انخفضت القوى العاملة في القطاع الزراعي عام 2011 إلى 47% من 60% كما لوحظ في دراسة عام 1990، ممّا خفض حصة الزراعة بنسبة 7,2%.
الإنتاج الحيواني
تعتبر تربية الحيوانات جزءاً مهمّاً من الاقتصاد الوطني، فقد ارتفع الإنتاج خلال السنوات الأخيرة بسبب المعالجة البيطرية الأفضل، وسياسات التسليف الأكثر تحرراً، وارتفاع أسعار السوق.
وتتمّ تربية الماشية في جميع أنحاء السودان بصورة رئيسية من قِبل المجتمعات الرعوية والرعوية الزراعية، حيث تعتمد الفئة الأولى على الثروة الحيوانية، في حين تعمد الفئة الثانية على الثروة الحيوانية والزراعة.
وزارة الثروة الحيوانية في السودان قدرت في عام 2011 وجود 103 مليون رأس ماشية، منها 28,6 مليون من الأبقار، و39,2 مليون من الأغنام، و30,7 مليون من الماعز، و4,7 مليون من الإبل، بيد أن أكثر من 55% من هذه الحيوانات في دارفور وكردفان، ويتفاوت حجم القطعان من أقلّ من 50 رأس إلى بضعة آلاف للأسرة.
وتشير الإحصائيات الرسمية الى أن قطاع الثروة الحيوانية في السودان، يعيل حوالي 17% من السكان، فيما تلبّي المنتجات الحيوانية السودانية الطلب المحلي على اللحوم، بالإضافة إلى وجود فائض كبير للتصدير والذي يبلغ مجموعه حوالي 25% من إجمالي صادرات البلاد عام 2015.
طفرة نفطية لـ 12 عاماً
تم تحميل أول شحنة من النفط الخام السوداني على متن ناقلة “شل” في مرسى بشاير على البحر الأحمر عام 1999، ليعلن السودان بدء 12 عاماً من النموّ الاقتصادي غير المسبوق، وصل إنتاج النفط في السودان ذروته بما معدله 500,000 برميل في اليوم تقريباً عام 2007، قبل أن يتراجع بعض الشيء في الفترة ما بين 2008-2009.
انتاج السودان من النفط تراجع إلى حوالي 120,000 برميل في اليوم بعد استقلال جنوب السودان عام 2011، ممّا وضع حداً لسنوات “الازدهار”، ذلك أنّ حوالي 75% من النفط والإنتاج كان يأتي من حقول النفط فيما يُعرف اليوم بجمهورية جنوب السودان، بينما توجد 90% من خطوط الأنابيب ومنشآت التصدير في شمال السودان.
رسوم عبور النفط
اتفق السودان وجنوب السودان، بعد محادثاتٍ أديس أبابا في أيلول\ سبتمبر 2012، على أن يدفع الجنوب للسودان 9,50 دولار أمريكي للبرميل الواحد عن صادرات النفط، بالإضافة إلى رسوم قدرها 15 دولارًا أمريكيًا للبرميل الواحد استيفاءً لصفقة 3,028 مليار دولار التي يتمّ دفعها في ثلاث سنوات.
تم الاتفاق على هذا المبلغ من كلا الجانبين كجزءٍ من الترتيبات المالية الانتقالية للتعويض عن خسارة عائدات السودان بسبب انفصال جنوب السودان عام 2011. عندما تم التوصل إلى الاتفاق، كان سعر برميل النفط يزيد على 100 دولار للبرميل الواحد.
ومع اندلاع الحرب الأهلية في الجنوب عام 2013، انخفض الإنتاج من 240,000 برميل في اليوم إلى 140,000 برميل في اليوم، وانخفضت أسعار النفط إلى 29 دولاراً، وبالتالي تعذّر على الجنوب مواصلة إنتاج النفط والاحتفاظ فقط بـ4 دولارات عن البرميل الواحد.
ساهمت عائدات النفط بأهمّ التطورات و التغييرات في اقتصاد السودان على مدى العقدين الماضيين، حيث تم بناء آلاف الكيلومترات من الطرقات الجديدة، وأصبحت مرافق الأقمار الاصطناعية الحديثة والاتصالات الرقمية متوفرة في جميع أنحاء البلاد، كما تم بناء سدّ ضخم بالطاقة الكهرومائية على نهر النيل فضلاً عن محطات توليد الطاقة الحرارية، وارتفعت أرقام الاقتصاد الكلي للبلاد، بما في ذلك ارتفاع معدل نموّ الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض مستويات التضخم، كما تمّ استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السودان خلال تلك السنوات.
ومع ذلك، فقد كان لهذه الطفرة على مدى عقدٍ من الزمان تأثيرٌ سلبيٌّ على الزراعة، التي كانت مُهملة وتُركت لمزيدٍ من التدهور، ممّا أدّى إلى المزيد من الفقر والهجرة الجماعية إلى العاصمة، الخرطوم، وغيرها من المدن.
الصناعة
يعاني القطاع الصناعي كغيره من القطاعات الإنتاجية في السودان من مشكلات عديدة أدت في مجملها إلى تراجع الإنتاج في وقت توقفت فيه العديد من المنشآت الصناعية، وتتنوع أسباب هذا التوقف، فمنها ما يرجع لندرة الطاقة أو ارتفاع أسعارها خاصة الكهرباء أو بقية مدخلات الإنتاج، والنتيجة النهائية أن كثيراً من المصانع لم تعد عجلاتها تدور فباتت بلا إنتاج.
وزارة الصناعة والاستثمار في ولاية الخرطوم أعلنت في شهر آب\ أغسطس 2017 عن توقف 35% من المصانع بالولاية، وعزت أسباب توقفها لعدة أسباب اقتصادية متمثلة في عدم وجود تمويل لأصحاب المصانع ومشاكل التقانات وعدم توفر الإمداد الكهربائي وضعف البنية التحتية.
لكن مختصون في القطاع، رجحوا أن تكون الحكومة وراء تراجع القطاع لمشكلات تسببت فيها الحكومة نفسها، مشيرين لتزايد تكاليف الإنتاج وصعوبة استيراد الآليات الثقيلة وغلاء أسعارها بالإضافة للجمارك والرسوم المفروضة عليها، مما يرفع من تكلفة الإنتاج.
تقرير رسمي في النصف الثاني من عام 2018، رصد توقف 200 مصنع من جملة 250 مصنعاً بمنطقة الباقير الصناعية، أي توقف 80% من المصانع من جملة 250 مصنعًا، شملت مصانع، الحبوب الزيتية والأدوية الطبية والأسمنت والجلود ومصانع معدات زراعي.
كما شخص التقرير نقاط الضعف في الترابط بين القطاع الصناعي والمراكز البحثية والتدريبية، بجانب صغر حجم معظم المنشآت الصناعية بالمنطقة وضعف الترويج للمنتجات على المستوى المحلي والإقليمي، إضافة إلى عدم وجود معامل حديثة لضبط جودة ومعالجة المنتج.
وأشار التقرير إلى تخلف كثير من التقنيات المستخدمة في الإنتاج ، فضلاً عما يواجهه قطاع التصنيع من مشكلات أبرزها تذبذب الإمداد الكهربائي للتصنيع، إضافة لتعدد تحصيل الرسوم والجبايات بالإضافة إلى تقاطع القوانين وتداخلها ما بين الحكومة الاتحادية والولائية تجاه المناطق الصناعية، فيما اتهم التقرير الجهات الرسمية المختصة بالقطاع الصناعي بالإهمال وعدم حمايتها للمنتج المصنع محلياً.
وفقا لتقديرات البنك الدولي، فقد شكل العاملون في القطاع الصناعي للسودان في الفترة بين 2015 و2018 نحو 15% من إجمالي المشتغلين.
الإسمنت
زادت طفرة البناء خلال العقدين الماضيين الطلب على الاسمنت في السودان بشكلٍ كبير، ممّا جعله واحداً من أهمّ الصناعات غير الزراعية. يوجد في السودان سبعة مصانع للإسمنت، حيث استثمرت العديد من الشركات الصينية والسعودية والتركية أكثر من 2 مليار دولار في صناعة الإسمنت السودانية خلال السنوات القليلة الماضية. تبلغ الطاقة الإنتاجية للإسمنت 15 مليون طن سنوياً، ولكن بلغ الإنتاج الفعلي 3,5 مليون طن فقط عام 2014. ويعتبر انقطاع التيار الكهربائي العامل الرئيسي لخفض الإنتاج.
التجارة والقطاع المصرفي
عام 2013، صدّر السودان 3,92 مليار دولار أمريكي على شكل سلع، واستورد 7,83 مليار دولار، ممّا أدّى إلى ميزان تجاري عاجز بقيمة 3,91 مليار دولار.
وشكل النفط الخام أهم الصادرات الرئيسية في السودان خلال العام، بمبلغ قدره 2,43 مليار دولار، فيما جاءت الأغنام والماعز ثانيا بـ 423 مليون دولار، والبذور الزيتية ما عدا السمسم ثالثا بـ 377 مليون دولار، أما الذهب فجاء رابع صادرات السودان بـ 73,3 مليون دولار.
قائمة الواردات تصدرها كل من القمح بتكلفة بلغت 683 مليون دولار)، فيما جاء السكر الخام ثانيا 464 مليون دولار، والأدوية 260 مليون دولار، والسيارات 196 مليون دولار، والإطارات المطاطية (144 مليون دولار.
القطاع المصرفي
يوجد في السودان 34 بنكًا عاملًا، 16 منها مملوكة بالكامل أو في معظمها من قبل المساهمين من القطاع الخاصّ، وسبعة بنوك تجارية مملوكة للدولة، وأربعة بنوك أخرى مملوكة للدولة لتوفير التمويل لقطاعات معينة من الاقتصاد، واثنين من البنوك الاستثمارية.
تلتزم معظم البنوك في السودان بمبادئ الصيرفة الإسلامية، وتوفّر منتجات مالية يتمّ هيكلتها لتتوافق مع الشريعة الإسلامية.
عملياً، على الرغم من أّنّ هذه البنوك تدّعي عدم فرض فائدة على القروض وتمويل التجارة، إلّا أنّ الرسوم الإدارية وغيرها من الرسوم التي تفرضها البنوك الإسلامية، دائماً أعلى بكثير من معدل الفائدة السائد في البنوك العادية، كما تستثمر معظم البنوك التجارية في السودان بشكلٍ أساسي في التمويل المحلي وبشكلٍ جزئيّ في تمويل التجارة الخارجية، مع محدودية الموارد المخصصة لتمويل الزراعة والصناعة.
فرضت العقوبات الدولية ضدّ السودان قيوداً شديدة على البنوك أعاقت وصولها إلى التجارة المصرفية والمالية الدولية، لكن يمكن لبعض المصارف السودانية تحويل وتلقي الأموال من الخارج عبر البنوك الوسيطة فقط في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة، ممّا جعل البلاد عرضةً للضغوطات المالية والسياسية.
الفساد
يحدث الفساد على نطاق واسع في السودان، ولهذا اعتبر أحد أكثر الدول فساداً في العالم، وفقاً لمؤشر مُدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية في 2011، كان ترتيب السودان 177 من أصل 183 دولة من حيث الفساد.
وترى مجموعات المراقبة الدولية أن السودان أحد أكثر الدول فساداً في العالم، حيث احتل المرتبة 165 من أصل 167، وذلك وفقاً لمؤشر مدركات الفساد لعام 2015.
وحسبما تقول مصادر حقوقية محلية، “يطلب الموظفون الحكوميون الرشاوى مقابل الخدمات التي تحقّ للأفراد والشركات بالقانون، كما غالباً ما ينخرط المسؤولون الحكوميون بالممارسات المتعلقة بالفساد”.
فضلاً عن ذلك، لا يتمّ التحقيق مع المسؤولين الذين يُشتبه بضلوعهم في قضايا الفساد، ولكن طلب المراقب العام للحسابات بمحاكمة أعضاءٍ من الحكومة بتهمة اختلاس الأموال العامّة.
حتى أنّ تُهَم الفساد طالت نائب المدير السابق لبنك السودان والوزير المالي “بدر الدين محمد”.
غنى بالثروات وجهود مبعثرة
بالرغم من تنوع ثروات السودان إلا أنه ما زال يعاني السودان آثار أزماته الاقتصادية المتراكمة منذ عقود، والآن وبعد مرور أكثر من عامين على تنحيه البشير وتغير الأوضاع السياسية التي كانت سائدة منذ ما يقارب ثلاثة عقود من تواجده بقائمة الإرهاب وافتقاده للحصانة، ما زالت المعاناة اليومية للمواطن، كم لا يزال السودان يحتل الترتيب الأعلى في قائمة أسوأ الاقتصادات في العالم بتحقيقه معدل تضخم غير مسبوق.
يرى الخبير الاقتصادي السوداني الدكتور “هيثم منور”، أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وقانون الحصانة هي خطوات إيجابية، وكان يفترض أن تنعكس تلك الأمور إيجابا على صورة التحويلات المصرفية واندماج القطاع المصرفي مع المصارف العالمية، ليأتي بعد ذلك مطالبة السودان للدول الدائنة بإعفائه من الديون جزئيا أو كليا والحصول على قروض وجدولة ديون البنك الدولي على السودان.
لكن رغم كل ما سبق لم نر أي انعكاس لها على أرض الواقع بتحسن الجنيه أو حياة المواطن، حسبما يقول “منور” الذي يؤكد أن ذلك ناتج عن اعتبارات كثيرة، منها أن الدولة الآن تتجه نحو تحرير سعر الصرف أو تعويم الجنيه السوداني، وهذه خطوة انتحارية ولا ينبغي أن تقدم عليها الدولة إلا إذا توفر لها احتياطي نقدي لا يقل عن 4-5 مليار دولار، وهذا غير متاح الآن لأن المجتمع الدولي لم يف بالتزاماته.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد “منور” أن صندوق النقد والبنك الدولي لم يقوما بضخ مبالغ مقدرة في الاقتصاد، الأمر الذي سيجعل من تحرير سعر الصرف عبء ثقيل على الاقتصاد وحياة المواطن نظرا للزيادات الكبيرة التي سوف تصاحب تلك الخطوة على مستوى معظم السلع والخدمات.
يشار الى أن معدل التضخم وفقا للمعلومات الرسمية بلغ 250 في المئة حتى شهر تشرين الثاني\ نوفمبر الماضي، فيما يتوقع خبراء أن يصل إلى 400 في المئة في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويمكن أن يصل خلال الصيف المقبل إلى 400 في المئة، حيث يذهب السودان إلى أسوأ مؤشرات الاقتصاد في العالم بسبب التراجع المستمر لقيمة العملة الوطنية، وغياب الرؤية والمعالجة الاقتصادية الصحيحة.
أما الحقوقية والباحثة “منال عمر”، فترجع الانهيار الاقتصادي المستمر منذ عقود إلى عدة أسباب منها، الأزمة السياسية والتي أدت إلى فشل كل الحكومات على مدى 63 عاما، بجانب توهان العقل السياسي السوداني، وانتهاج سياسة تحرير الاقتصاد، بالإضافة إلى التضخم والذي لم تتم معالجته في البداية، مما أدى إلى فجوة كبيرة في ميزان المدفوعات.
ولا تخفي “عمر” عدم تفاؤلها بتحسن الأوضاع الاقتصادية في السودان خلال فترة لا تقل عن 7 سنوات، مشيرة الى أن المصروفات الحكومية والعسكرية كانت وما زالت فوق القانون وفوق ميزان المدفوعات، وفي ظل انعدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك وغياب الخدمة المدنية، وإهمال الحكومة للمؤسسات والمصالح وغياب الضمير، وتغليب المصالح الذاتية والحزبية.
كما ترى “عمر” أن السلطة الانتقالية التي تشكلت في آب\ أغسطس الماضي، بعد اتفاق تقاسم السلطة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى المعارضة، ورثت تركة ثقيلة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتي كانت الشرارة التي أشعلت احتجاجات شعبية ضد “نظام البشير”، وان هذه السلطة غير قادرة في الوقت الحالي على تجاوز العقبات والنهوض بالاقتصاد حتى في ظل الدعم الدولي.
ما علاقة نظام البشير
اليوم، تعول الحكومة السودانية على جذب مدخرات السودانيين العاملين بالخارج والتي تقدر بحوالي 6 مليارات دولار سنويا، لتشكل احتياطيا نقدي في البنك المركزي يساهم في استقرار قيمة العملة الوطنية.
لكن مصادر مطلعة تكشف أنه وعلى الرغم من رفع السودان من قائمة الإرهاب إلا أن مشكلة تحويل الأموال مازالت موجودة، بحيث لا يستطيع مغترب نقل أموال من حسابه خارج السودان إلى حساب محلي بداخله.
وفي تصريحات سابقة لمرصد “مينا”، علل الخبير الاقتصادي السوداني “خلدون عبد العظيم”، فشل عمليات التحويل من بنوك خارج السودان، إلى أن الأنظمة المتطورة تعمل على طريقة الـ”IBAN”، وهي طريقة لم تصل إلى السودان، لافتا إلى أن هناك مشاكل في أرقام الحسابات وبيانات المستخدمين من مستفيدين ومرسلين يصعب على النظام المالي في السودان حلّها بسبب تقنياته القديمة، مشدداً على أن النظام المصرفي في البلاد ليس جاهزاً حتى اليوم لمثل هذه العمليات.
كما أكد “عبد العظيم” حينها، أن النظام المصرفي في السودان لم يخرج حتى اليوم من مؤسسة نظام الرئيس السابق “عمر البشير”، مرجحا وجود عمليات تعطيل من قبل شخصيات تعمل بالمصرف المركزي، كاشفا أن لجنة إزالة التمكين فصلت خلال الأسابيع الماضية، أكثر من 100 موظف من للعاملين بالبنك المركزي وأفرعه المختلفة، لانهم لم يحصلوا على وظائفهم بسبب الكفاءة وإنما لأنهم كانوا مقربين من “نظام البشير”.
الجدير بالذكر أن وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” كان أعلن قرار واشنطن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب دخل حيز التنفيذ منتصف شهر تشرين الثاني\ نوفمبر الماضي، بعد تصنيفا استمر منذ 1993 وشكّل ضغطا على الاقتصاد السوداني وأدى لكبح المساعدات المالية.