لطالما تندر العرب قديمًا في نوادرهم وقصصهم بمن دهمه الحزن أو فاجئه ظرف وتوتر؛ فقدموا دليلا على قوة النائبة والمصيبة وشدتها، أنها جعلت من رأس صاحبها أبيضًا.. بل إن القرآن الكريم جعل من أهوال يوم القيامة أنه يومٌ يجعل الولدان شيباً، للدلالة على شدة وعظمة هذا اليوم.
ويبدو أن وصف اللغة العربية لهجوم الشيب المفاجئ ليس من باب الكناية أو التندر أو التعبير المجازي فقط عن شدة وهول الموقف.. بل يتعداه إلى حقيقة فعليّة تجعل صاحبها يشيب ويقلب لون شعره بعد أن يصاحبه توتر شديد وحزن مفاجئ بدرجة قوية.
فقد أكّد العلماء، في اكتشاف جيد، وفقا لرويترز والعربية، وجود علاقة سببية، بين نوع من الشّيب الذي يضرب الشَّعر، والتوتر وأنواع الهموم، عند الشخص الذي وخَطه الشيب، كما كانت العرب تقول.
وابتدأت “رويترز” في تقريرها عن الموضوع، بقصة ماري أنطوانيت التي شاب شَعرها، تماماً، قبل أن يتم إعدامها بالمقصلة، سنة 1793 للميلاد، على أنها كانت من القصص والأساطير الشعبية، وفق ما ذكرت الوكالة، لكنها كانت المثال على ظاهرة الشيب المرتبط بالتوتّر، على الرغم من أن العلماء لم يكونوا قد اكتشفوا ذلك بعد، حيث بقيت الآلية التي تسبب الشيب عند التعرض للشدائد، مجهولة.
لكن الأيام الماضية، شهدت الكشف عن تلك الآلية المجهولة. حيث وبحسب الاكتشاف المذكور، فإن الجسم يستخدم آلية عند مواجهة الخطر، اختصرت بجملة “لا مناص من القتال” بمعنى المواجهة المفروضة التي لا مهرب منها، واكتشف الباحثون البيولوجيون، من خلال دراسة أجريت على الفئران، كيف يترك التوتر أثره على الخلايا الجذعية في بصيلات الشَّعر، وهي المسؤولة عن صناعة الخلايا الصبغية التي تمنح الشعر لونه، وأيا كان هذا اللون، أسود أو أحمر أو أشقر.
ووجد العلماء الذين قاموا بالتجربة، أن الجهاز العصبي، يلعب دورا أساسياً في العملية التي تفضي إلى نوع من الشيب بسبب التوتر، عبر رد الفعل الذي يقوم به عند مواجهة الأخطار، فيتم إفراز مادة كيمياوية تترك أثراً دامغاً في الخلايا الصبغية المسؤولة أصلا، عن منح الشعر لونه، لتنتهي العملية، بعدم قدرة الخلايا الجذعية على تجديد الصبغة.
ورغم بكاء العرب على الشباب وحزنها على مغادرته، ووصفها أنواع من المصائب بأنها تشيب لها الرؤوس، لكن ذلك لم يمنعهم التغني بالمشيب وما يرافقه من وقار وحكمة وزيادة تجربة في الحياة وخبرة بأنواعها، فهو – أي المشيب – مما يمدح ويعتبر علامة من علامات امتلاك الخبرة والحكمة والوقار، بحسب ما جاء في منقولات شعرية عربية عديدة، من مثل قول القائل:
لا يرُعْكِ المشيبُ يا ابنة عبد الله فالشيب حليةٌ ووقارُ
لا يرُعْكِ المشيبُ يا ابنة عبد الله فالشيب حليةٌ ووقارُ
إنما تحسن الرياضُ إذا ما ضحكت في خلالها الأنوارُ.