الضربة الأميركية على إيران: هل تمهد لحل دبلوماسي أم تفتح باب المواجهة؟

مرصد مينا

مع ساعات الفجر الأولى من يوم الأحد، شهدت منطقة الشرق الأوسط تصعيداً جديداً بعد أن نفذت الولايات المتحدة ضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت نووية إيرانية، كان أبرزها منشأة “فوردو” الواقعة تحت الأرض، والتي تعد من أهم المواقع النووية الإيرانية المحصنة.

هذه الخطوة شكلت نقطة تحول في مسار التوتر بين واشنطن وطهران، ما أثار تساؤلات عديدة حول مدى تأثير هذه الضربة على المشهد السياسي والأمني في المنطقة، وهل ستكون بداية لانفراج دبلوماسي أم مدخل لمواجهة مفتوحة لا يمكن التنبؤ بنتائجها.

تقييم الضربة وأبعادها

وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذه الضربة بأنها “وقائية” وضرورية لمنع إيران من التقدم في برنامجها النووي، لكنه أضاف أنه لا يسعى إلى تغيير النظام الإيراني نفسه.

في المقابل، اختلفت التقديرات حول حجم الأضرار التي لحقت بالمواقع المستهدفة، حيث يرى بعض المحللين أن هذه الضربة قد تكون بداية لتسوية دبلوماسية في حال رضخت إيران لشروط واشنطن، بينما يرى آخرون أنها قد تفتح الباب لصراع طويل ومفتوح.

أشار المحلل السياسي عماد الدين أديب في هذا السياق إلى أن فعالية الضربة وقوتها سيكون لها الدور الحاسم في تحديد مسار الأحداث المستقبلية، مؤكداً أن الرد الإيراني سيعتمد بشكل أساسي على مدى الضرر الفعلي الذي أصاب المنشآت النووية.

رسائل واشنطن لطهران وحجم التصعيد الإيراني

ذكرت مصادر أميركية أن الإدارة الأميركية أبلغت طهران عبر قنوات دبلوماسية بأن هذه الضربات استهدفت فقط مشاريع التخصيب النووي وليس النظام الإيراني ككل، محاولة بذلك احتواء ردود الفعل ومنع التصعيد المفتوح.

ومع ذلك، لم تخفِ السلطات الإيرانية غضبها، حيث نقل التلفزيون الرسمي الإيراني تصريحات تقول بأن “كل مواطن أو عسكري أميركي في المنطقة أصبح هدفاً مشروعاً”، ما يعكس تصعيداً لفظياً واضحاً يعكس حدة التوتر.

يقول المسؤول السابق في إدارة ريغان، جيفري لورد في تصريحات صحافية، إن “هذه الضربة جاءت بعد استنفاد كل الوسائل الدبلوماسية، وهدفت إلى منع إيران من امتلاك سلاح نووي قد يهدد الاستقرار في الشرق الأوسط والعالم”.

أضاف أن “الرسالة الأميركية واضحة بأن الاستهداف موجه فقط لمشروع التخصيب النووي وليس للنظام الإيراني ككل”، متوقعاً أن يكون الرد الإيراني محدوداً لتفادي توسع نطاق الصراع.

استعدادات إسرائيل ورفع حالة التأهب

من جهتها، فإن إسرائيل كانت على علم مسبق بالضربة الأميركية وشاركت في التنسيق مع واشنطن عبر المجلس الأمني المصغر، الذي راقب العملية لحظة بلحظة.

وأعلنت السلطات الإسرائيلية فجر الأحد عن اتخاذ إجراءات احترازية شملت تعطيل المدارس والمرافق غير الحيوية، ورفع مستوى التأهب الأمني تحسباً لهجمات انتقامية محتملة من إيران أو من حلفائها مثل جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان.

الحسابات الاستراتيجية بين الرسائل والمخاطر

يرى مراقبون أن الضربة الأميركية تحمل رسائل استراتيجية تتجاوز الملف النووي الإيراني، إذ تهدف واشنطن إلى إعادة صياغة ميزان الردع في الشرق الأوسط بشكل عام، لكنها في الوقت نفسه تحذر من مغبة الانجرار إلى صراع إقليمي طويل.

ورغم تصاعد الخطاب الرسمي في طهران، تؤكد السلطات الإيرانية أن المواقع المستهدفة كانت “خالية من أي مواد مشعة”، وهو ما قد يشير إلى محاولة تقليل تأثير الضربة.

في بغداد، أفادت تقارير إعلامية بأن القواعد العسكرية الأميركية والسفارة في العاصمة العراقية في حالة تأهب قصوى، وسط حالة من الغموض حول ردود الفعل المحتملة من الفصائل المسلحة الموالية لإيران، التي قد تختار الرد الفوري أو التريث لتجنب مواجهة شاملة.

بوادر تفاوض وفرص دبلوماسية محتملة

على الرغم من تصاعد التوتر، لم تُغلق أبواب التفاوض بالكامل. قال الكاتب والباحث السياسي محمد كلش إن إيران تميل عادة إلى إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، لكن تستخدم التفاوض كوسيلة للمناورة السياسية في الوقت نفسه.

أضاف أن الأوروبيين قد يستأنفون جهود الوساطة، رغم أن مسار المفاوضات السابق، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، لم يحقق نتائج حاسمة.

ويظل المشهد مفتوحاً على كافة الاحتمالات: من انطلاق جولة تفاوضية جديدة بشروط أميركية أكثر صرامة، إلى انزلاق المنطقة نحو مواجهة إقليمية مفتوحة تغذيها حسابات خاطئة وردود فعل متسرعة.

بينما تسعى واشنطن إلى فرض قواعد اشتباك جديدة مع إيران دون الانجرار إلى حرب شاملة، تلوح طهران بخيارات متعددة للرد، لكنها في الوقت ذاته تحاول الحفاظ على جسور التواصل.

وفي ظل ترقب دقيق في العواصم الإقليمية والدولية، يبرز الحاجة إلى دبلوماسية فائقة الدقة لتجنب تداعيات أمنية واقتصادية قد تهدد استقرار الشرق الأوسط بشكل واسع.

تبقى الساعات والأيام المقبلة هي الفيصل في تحديد ما إذا كانت الضربة الأميركية تمثل بداية انفراجة دبلوماسية أو شرارة تصعيد يصعب السيطرة عليه.

Exit mobile version