الضربة من الداخل: هل تخلع إيران مخالبها… برغبة منها؟

نبيل الملحم

لم تكن الضربة الإسرائيلية الأخيرة في عمق إيران مجرد فعل عسكري، بل بدت أقرب إلى رسالة داخلية بعثتها لطهران، تفيد بأن الضربة كانت بتنسيق كامل باختراقات أمنية قام بها من يجلس تحت عمامة المرشد، ليطرح السؤال:

ـ هل يقف جناح داخل النظام الإيراني شريكًا في إعادة هندسة المشهد؟
من يراقب الاختراقات الأمنية داخل بنية الحكم الإيراني، يدرك أن الصراع بين الأجنحة المتصارعة لم يعد يحتمل التسويات التقليدية، ومع تصاعد الضغوط الاقتصادية والعقوبات، واستحقاقات التفاوض النووي، بات نزع المخالب، هو الفعل الضروري في نظر بعض التيارات داخل النظام، كشرط مسبق لنزع الهيمنة.

الضربة الإسرائيلية، على ما يبدو، جاءت لتخدم هذا الغرض، وبصورة قد تبدو متناقضة، فإن إسرائيل، من حيث تقصد أو لاتقصد، فقد وجهت ضربة في خدمة التيار البراغماتي داخل النظام، وهو التيار الذي يرى أن إقصاء الحرس الثوري المتشدد، هو مفتاح التهدئة في بلاد ينهشها الضجيج والفوضى.

ولفهم اللحظة الإيرانية بدقة، لا بد من التوقف عند الخريطة الداخلية المعقدة للحكم، فالراديكاليون من الحرس القومي وسواه، يمسكون بمفاصل القوة الاقتصادية والعسكرية، ويرون في ديمومة الاشتباك مع الغرب والإقليم مصدراً للشرعية، هؤلاء يرفضون التنازل النووي، ويفضلون تصدير الأزمات، وهناك الإصلاحيون والتيار المعتدل، وهؤلاء يدفعون نحو التفاوض والانفتاح، ويدركون أن بلدهم لم تعد تتحمل تكاليف العزلة، وبالنتيجة فتقليم أظافر الحرس الثوري، بات لزوم مايلزم، فيما الفريق الثالث، ونعني المحافظون التقليديون (مجلس صيانة الدستور)، فيتشبثون بالهوية الثورية كغطاء ديني، لكنهم يخشون الانهيار الداخلي أكثر من فقدان النفوذ الخارجي.

وسط هذه القوى، يأتي موت مهسا أميني، وانفجار احتجاجات النساء، والانهيار الاقتصادي، كوقود لصراع حاسم يدور في صمت.

وتأتي الضربة الإسرائيلية لتقول شيئًا أكبر من “نحن نرد”.
جاءت الضربة لتقول:
ـ نحن نرسم.

وكان نتنياهو قالها بوضوح: “نحن نغيّر الشرق الأوسط… ونرسم ملامحه”.

وفي قلب هذا التغيير، يبدو أن إيران لم تعد قادرة على فرض إيقاعها عبر وكلائها، من العراق إلى لبنان، ومن اليمن إلى سوريا، فالتراجعات ملموسة، والعجز ظاهر، والدعم الشعبي يتآكل، وبينما تنشغل الأجنحة الإيرانية بالصراع على من يرث المرشد، ومن يفاوض واشنطن، ومن يُقصى من المشهد… تتقدم إسرائيل بخطى واثقة، وتتحول من “فاعل أمني” إلى “مهندس جيوسياسي للمشهد الإقليمي”.

في ضوء هذا كله، يمكن القول إن إيران تدخل مرحلة إعادة تعريف ذاتها، لا فقط في سياستها الخارجية، بل في بنيتها الداخلية أيضًا.
فـ :
ـ الضربة الإسرائيلية كانت اختبارًا لوحدة النظام.
ـ الرد الإيراني على هزال نتائجه، أو غيابه، سيكون مرآة لميزان القوى داخل الحكم.

المفاوضات النووية (هذا إذا استئنفت) فستستأنف من نقطة مختلفة: لا قوة تعلو على الداخل، ولا صفقة ممكنة دون ترتيب البيت.

نحن أمام مشهد غير مسبوق:
ضربة خارجية بغطاء داخلي، وصراع بين أجنحة لم يعد يُدار بالبيانات، بل بصواريخ فائقة الدقة.

والشرق الأوسط الذي يُرسم الآن، لا يشبه أي مرحلة سابقة. إنه زمن “الضربات التوافقية”… حيث العدو والحليف قد يلتقيان في نقطة تقاطع واحدة:
إعادة تعريف كل شيء… من موقع القوة هذه المرة، لا بل من تحت الأنقاض.

Exit mobile version