العراق يدخل صراع حكومة الأغلبية الوطنية وحكومة التوافق

مرصد مينا – العراق

دخل المشهد السياسي مرحلة جديدة بعد أن صادقت المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات ورفضت قبول الطعون ومطالب إلغاء الانتخابات، وانتقل الحديث إلى مرحلة تشكيل الحكومة، فبينما يصر مقتدى الصدر، الفائز بالانتخابات على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، إذا تمكن من تحقيق الكتلة الاكبر داخل البرلمان خلال الجلسة الأولى، فيما يرفض حلفاء إيران ذلك ويصرون على تشكيل حكومة توافقية.

رئيس الكتلة الصدرية أعاد تأكيد التزامه بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” بعد الانتهاء من اجتماعه بوفد الإطار التنسيقي برئاسة هادي العامري وحضور قيادات أخرى ممن يصرون على حكومة توافقية..

وفي إطار التحركات السياسية التي باتت تتخذ طابعا تفاوضيا على شكل الحكومة الجديدة، التقى مقتدى الصدر في مقر إقامته بالنجف، الأربعاء 29 ديسمبر/ كانون الأول، وفدا من الإطار التنسيقي (يضم غالبية القوى الشيعية المعترضة على نتائج الانتخابات) برئاسة هادي العامري رئيس تحالف الفتح وعضوية رئيس تحالف العقد الوطني فالح الفياض والأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.

اللافت كان غياب رئيس تحالف دولة القانون نوري المالكي الذي يُعد القيادي الأبرز في الإطار التنسيقي، وتحالف قوى الدولة الوطنية برئاسة عمار الحكيم وحيدر العبادي وهو التحالف الأقرب إلى توجهات الكتلة الصدرية والأكثر بعدا عن التأثير الإيراني.

يشار أنه بعد ثلاث جلسات عقدتها المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية لفض النزاعات الدستورية، ردت المحكمة جميع الطعون التي تقدم بها تحالف الفتح إلى جانب قوى شيعية أخرى، مثل ائتلاف دولة القانون وحركة عصائب أهل الحق وغيرها من القوى السياسية التي تمتلك أجنحة عسكرية خارج سلطة الدولة.

وأعلنت المحكمة الاتحادية في 27 ديسمبر 2021 مصادقتها الرسمية على النتائج بعد 78 يوما من إجراء الانتخابات التشريعية في دورتها الخامسة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول.

وبعد يوم من إعلان المحكمة الاتحادية المصادقة على نتائج الانتخابات، توجه رئيس الكتلة الصدرية بالشكر إلى المحكمة ومفوضية الانتخابات والممثلة الخاصة للأمم المتحدة جينين بلاسخارت لمساهمتهم في إنجاح الانتخابات، ودعا إلى ضرورة الحفاظ على الأمن والسلام في العراق والإسراع في تشكيل “حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية”، في إشارة واضحة إلى رفض ما كانت تشهده الدورات الانتخابية السابقة من تدخلات الولايات المتحدة وإيران.

ووفقاً للآليات المعتمدة في المادة 54 من الدستور يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد خلال خمسة عشر يوماً من المصادقة على نتائج الانتخابات العامة، أي قبل أو بحلول 10 يناير/ كانون الثاني 2022، على أن ينتخب في جلسته الأولى رئيسا للمجلس بالأغلبية المطلقة (النصف زائد واحد، أي 165 صوتا)، ورئيسا للجمهورية وفق المادة 70 من الدستور بأغلبية ثلثي الأعضاء أو بأعلى الأصوات بين المرشحين في حال فشلوا في الحصول على أغلبية الثلثين.

رئيس الجمهورية المُنتخب يكللف حسب المادة 76 من الدستور “مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال 15 يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية”، على أن يقدّم “رئيس الوزراء المكلف، تسمية أعضاء وزارته، خلال مدةٍ أقصاها 30 يوماً من تاريخ التكليف”، وعرض “أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة”.

بعد رد المحكمة الاتحادية كافة الطعون وإعلان مصادقتها على نتائج الانتخابات رسميا، استسلمت قوى الإطار التنسيقي للأمر الواقع وأعلنت تأييدها لقرار المحكمة، فيما دعت أنصارها إلى فض اعتصامهم أمام بوابات المنطقة الخضراء في سياق سياسة جديدة ستركز على اقتناص فرص المشاركة بالحكومة الجديدة بالتوافق مع الكتلة الصدرية.

وأعلنت معظم قوى الإطار التنسيقي احترامها لقرار المحكمة الاتحادية وقبولها به مع إبداء تحفظات على مجمل العملية الانتخابية التي شابها “التزوير والتلاعب”، والتشكيك باستقلالية المحكمة وقراراتها واتهامها بالخضوع لتوجيهات جهات خارجية.

ويُعتقد أن موقف قوى الإطار التنسيقي كان استجابة لرغبة إيرانية في عدم التصعيد مع الكتلة الصدرية والحكومة الاتحادية في الوقت الذي تكمل فيه القوات الأجنبية انسحابها من العراق، وهي رغبة إيرانية في المقام الأول، وضرورة الحفاظ على وحدة وقوة البيت الشيعي وتماسكه في مرحلة ما بعد الانسحاب بالتوافق على تشكيل حكومة لا تستثني أحدا من الكيانات الشيعية الفائزة في الانتخابات.

وليس من المؤكد أن يستجيب رئيس الكتلة الصدرية مقتدى الصدر لرغبات إيران بالتنازل عن خيار حكومة الأغلبية الوطنية والذهاب إلى تشكيل “حكومة تشاركية” لإدارة البلاد لمواجهة تهديدات محتملة من التنظيمات المتطرفة، مثل تنظيم داعش، بعد الانسحاب الأمريكي في استذكار لاحتمالات تكرار الحالة الأفغانية في العراق.

لكن خبراء في الانتخابات العراقية يعتقدون أن الكتلة الصدرية لا تملك ما يكفي من التحالفات للإعلان عن الكتلة النيابية الأكثر عددا وتسمية مرشحها لرئاسة الحكومة الجديدة الذي سيكون عليه الحصول على الأغلبية المطلقة، أي النصف زائد واحد من مجموع أعضاء مجلس النواب (165 صوتا)، وهو أمر مستبعد دون عقد تحالفات مع قوى الإطار التنسيقي أو مع القوى السنية أو الكردية.

الكتلة الصدرية تواجه تحدي احتمالات نجاح قوى الإطار التنسيقي في حشد عدد من المقاعد أكبر من عدد مقاعدها، بما يؤهل قوى الإطار لإعلان الكتلة النيابية الأكثر عددا، وهو احتمال وارد وفق تصريحات لقيادات في الإطار تتحدث عن تفاهمات جانبية وتحالفات غير معلنة رسميا مع عدد من الكتل الصغيرة والمستقلين ستفضي إلى حشد ما يزيد عن 90 مقعدا، وهو ما قد لا تنجح الكتلة الصدرية في تخطيه.

وشهدت الساعات والأيام التي تلت مصادقة المحكمة الاتحادية تغيّرا واضحا في خطاب قوى الإطار التنسيقي مسجلا غياب خيارات التهديد باللجوء إلى السلاح وفرض الأمر الواقع إلى خطاب أكثر مرونة في محاولة منه للمشاركة بتشكيل الحكومة الجديدة وعدم استبعاده منها بعد تمسك الكتلة الصدرية بخيار حكومة الأغلبية الوطنية.

القوى الشيعية المتنافسة، الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي، قد تجد نفسها أمام طريق مسدود يرغمها على تبني خيار يبدو أكثر قبولا ويلبي رغبات عموم القوى السياسية الشيعية والكردية والسنية خارج الكتلة الصدرية، وهو خيار حكومة “أغلبية موسعة” سبق أن طرحها عمار الحكيم كسبيل للخروج من الأزمة السياسية وضمان تشكيل الحكومة بأغلبية تُنحي جانبا التجاذبات السياسية التي تحول دون الإسراع بتشكيل الحكومة المقبلة.

وترى القوى العراقية إن تشكيل حكومة جديدة من شأنه أن يبدد مخاوف الكثير من القوى السياسية والاجتماعية من مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق في ظل زيادة واضحة في نشاطات تنظيم داعش، وكذلك التهديدات المحتملة للمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران التي فقدت شرعية وجودها بإكمال الانسحاب الأمريكي.

وترفض تلك المجموعات تسليم أسلحتها تحت أي ذريعة كانت، وهو ما قد يثير حالة من انعدام الأمن والاستقرار في حال لجأت الحكومة الجديدة إلى تنفيذ تعهدات رئيس الكتلة الصدرية بحصر السلاح بيد الدولة، وإعادة إدماج مقاتلي الحشد الشعبي في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية بعد تطهيره من العناصر غير المنضبطة.

Exit mobile version