الكل مأزوم، والأزمات التي لاتبتلع، تُصدّر، وليس من معبر لتصديرها يساوي “الحرب”.. الحرب، والاستثمار في الخراب، تلك قاعدة قديمة قدم الدول التي تشهد أزمات مستعصية.
الحال في إسرائيل اليوم، يتجاوز “خلافات عقارية”، إنه يتصل بعمق الهوية:
ـ هل ستكون إسرائيل دولة دينية، أم دولة ديمقراطية؟
ـ هل ستكون بانتظار “الماشيح المخلّص”، أم ان خلاصها لن يكون سوى بالتعايش في، ومع، منطقة ممتلئة بأسباب الانفجار والحرائق؟
هذا على المستوى البعيد ، البعيد، وعلى المستوى القريب، هل سيشكل بنيامين نتنياهو وزارته، أم سيفشل في تشكيلها ويخرج من الحياة السياسية محملاً بتهم الفساد.
سيقابل ذلك، تنظيم حماس، والسؤال المرافق:
ـ من من الفلسطينيين بانتظار “حماس” لتفك قيوده، وهو التنظيم الديني الغارق بالقيود، والمنتِج للقيود، وهو من نتاج القيود كذلك؟
ـ إذا لم تتحرك حماس بصواريخها، ما الذي يتبقى لها من فلسطين والفلسطينيون، وما الذي يتبقى لها من تحالفات حماس باستثمارها، وعلى ضفتي أنقرة / طهران؟
دوّامة متعاقبة، لن تتوقف وعلى طرفيها:
ـ كيباه يهودي، يقابله عمامة إسلامية.
وسعار يمتد ما بين الطرفين الذين يتساويان في الخيال، ولا يتساويان في القوة، والنتيجة، دمار يحل بالسكان، ويتحول فيه الفلسطينيون إلى كبش محرقة، بين تيارات فاشية متصارعة، ليس بنيامين نتنياهو برئ منها ومن رعايتها تمامًا كما اسماعيل هنيه وقد سكن في عمقها.
اليوم، التيارات الدينية اليهودية في إسرائيل، تقضم الديمقراطية الإسرائيلية، وليس مستبعدًا أبدًا، أن تتحول تل أبيب، إلى ما يشبه جارتها دمشق، لتكون بلد الفرد، الحاكم، المنزّه، الزعيم، القائد، وتكون هذه الصفات ملصقة بـ “إلى الأبد”.
لم لا، و30% من يهود إسرائيل متفرغون لقراءة التوراة.. التوراة فحسب، وقد حرّموا على أبنائهم وبناتهم، حتى “ممارسة الجنس” إذا لم يقتصر على هدف “التكاثر”؟
ولم لا، وتنظيم حماس، لم ير من الدنيا سوى الطريق إلى الآخرة التي تعني “الانتحار” الفردي والجماعي، والذي يعفي قيادتها من الانتحار بطبيعة الحال؟
ولم لا، والكل في سجن الجغرافية، الأول، ونعني الاسرائيليون، ليس أمامهم سوى البحر، والتكنولوجيا، والغزاويون المحاصرين بالرمال والبحر، والجهاد الإسلامي وحماس، وليس أمامهم سوى الخطابات المعادة المتآكلة؟
ولم لا، حين يبدو التعايش مستحيلاً، والدولة مجرد:
ـ ثكنة.
ثكنة طاردة لكل حق، سوى :
ـ التهجير، أو نية التهجير، أو اديولوجيا التهجيرّ؟
الدينيون الذين قتلوا اسحاق رابين من اليهود، لمجرد أن فكّر بالسلام مع الفلسطينيين، هم أنفسهم الدينيون الإسلاميون الذين قتلوا ياسر عرفات لمجرد أنه فكر بالسلام مع الاسرائيليين (أقله اغتالوه معنويًا ماقبل قتله جسديًا).
دينيون هنا، ودينيون هناك، وكلاهما “ضد الدنيا”، والدولة تعني:
ـ الدنيا.
ومن يرفض الدنيا لابد ويرفض الدولة، وهكذا تبدو “دولة إسرائيل” وكأنما، مهددة بزوالها، مادامت أرضها محكومة لخرافة السماء، وثمة من يوقد من الطرف الآخر النيران في سماء “الدولة الفلسطينية” التي لن تكون، مادامت محكومة للعمامة.
لادولتان، تلك هي الحقيقة.
لا دولتان تلتقيان في مكان واحد، وعلى حساب دماء الناس.
لحساب الحرب وحدها وهي الاستثمار الذي لم يتوقف ولن يتوقف، ويذهب إلى ما هو أوسع من جغرافية فلسطين / إسرائيل.
هو يمتد بعيدًا، أقله أن إيران على الخط.
تلك هي الصورة الواسعة، فإذا ما دخلنا بالتفاصيل، فالتفاصيل لن تكون إلاّ في خدمة الصورة الواسعة، تفاصيل تبدأ من احتمال أن يكون نتنياهو قد وقف في نهاية الطريق”، وأن إسرائيل “عالقة في مأزق سياسي”، اختصاره هو:
ـ عجزه عن تشكيل وزارة.
لكن رغم ذلك، “لا يوجد أحد في الطيف السياسي الإسرائيلي المجزأ يحظى بالدعم القوي الذي يحظى به نتنياهو”.
أقصى ما تنظر إسرائيل اليه الآن هو حكومة أقلية غير عملية توصف بأنها حكومة وحدة، تبدو أشبه بإدارة تصريف أعمال بدون أجندة حقيقية، والتي يمكن أن تمكن حتى من عودة نتنياهو.
ـ عودة ضعيفة، أقل من أن تحظى بشرعية تمثيلية.
يقابل نتنياهو، يائير لابيد، الذي “يقترح حكومة تمتد من اليسار إلى أقصى اليمين، ليتم التصويت عليها بأغلبية بسيطة من أعضاء الكنيست البالغ عددهم 120 عضوا، ولكن فقط إذا امتنع حزب إسلامي يدعمه عرب إسرائيل”.
إلا أنه إذا ما نجح لابيد في تأليف حكومة، فمن المحتمل أن تكون “هذه حكومة ضعيفة غير قادرة على تمرير أي شيء”.
ـ هي أزمة ولابد من تصريفها.. أين ستصرف إن لم تكن في الحرب أو العنف والوقوف على حافة الحرب؟
مراسلة للاندبندنت، تروي حكاية.. عوان الحكاية:
ـ القدس على حافة الهاوية منذ أسابيع. إليكم السبب.
تقول الكاتبة “يمكن القول أن هذه الجولة الأخيرة من العنف قد تأججت بقرار من السلطات الإسرائيلية، خلال شهر رمضان، بتطويق بوابة العامود التاريخية المؤدية إلى المدينة القديمة، حيث تحب العائلات الفلسطينية تقليديا التجمع أثناء الإفطار. وكان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير لكثير من الشباب”.
وتضيف “الغضب تفاقم مرة أخرى مع احتمال إخلاء أربع عائلات فلسطينية قسريا من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، على أرض يطالب بها المستوطنون اليهود”.
وتعتبر الكاتبة أن “القرار المثير للجدل قد يرقى إلى جرائم حرب وفقا للأمم المتحدة، لكن وزارة الخارجية الإسرائيلية رفضت الأمر باعتباره ‘نزاعا عقاريا’ خاصا”.
وتشير الكاتبة إلى أن “إسرائيل تقول إنه من أجل إخماد المزيد من الاضطرابات، فإنها تحتاج إلى تعزيز وجود قوات الشرطة في البلدة القديمة، لا سيما في الحرم الشريف أو جبل الهيكل، الذي يعتبر أقدس موقع في اليهودية، وثالث أقدس الأماكن في الإسلام وكان جوهر الصراع المستمر منذ عقود”.
إلا أن “الفوضى في القدس والصراع مع الفلسطينيين”، بحسب الكاتبة، “قد يجعلان من الصعب على يائير لابيد تشكيل ائتلاف لا سيما إذا كان بحاجة إلى الاعتماد على تحالف مع الأحزاب العربية في البرلمان”.
“لكن آخرين يجادلون بأن السبب هو أن نتنياهو، الذي عادة ما يكون معاديا للمخاطر عندما يتعلق الأمر بقضايا أمنية فعلية، مشتت للغاية بسبب زواله السياسي الوشيك لدرجة أنه غائب وهذا هو سبب اشتعال القدس”بحسب الكاتبة.
سنصدّق مراسلة اندبندنت، فـ “طرفي الصراع في إسرائيل مأزوم”.
والحال كذلك لابد من تصدير الأزمة.
القاطرة جاهزة.. المتشددون الدينيون على كل الطرفين جاهزون لجرّ العربة:
ـ عربة الحرب.
الخاسر سيبقى الناس.
كل الناس ممن يحلمون بسلام يوقف دوامة العنف التي لم تتوقف على نصر نهائي لأي من المتحاربين.
لم تنصر سوى الموت.