الجميع يبتهج، والكل بـ “حذر”، فعلى الطرف الإيراني وموالاة إيران، يتخوّفون من أن تكون إيران قد أُرغمت على إعادة علاقاتها بالمملكة العربية السعودية، استباقاً لضربة عسكرية أمريكية واحتواء لها، ما يعني الاشتغال الإيراني على كسب هدنة مع محيطها و “يبتهجون”، والمتطلعون إلى شرق أوسط خال من التهديدات الإيرانية يتخوّفون من أن تكون المملكة قد ذهبت إلى هذه المصالحة مع إيران كرد فعل على السياسات الأمريكية أزاء دول الخليج، وهي سياسات فاترة وباردة ولا تطمئن و “يبتهجون”.
غير أن المصالحة الإيرانية السعودية لم تغيّر من حقائق لاتغيّرها سفارة هنا مقابل سفارة هناك، فالمملكة ماتزال على بوابة الناتو، وإيران ماتزال تدار بالحرس الثوري وسطوة المرشد، والمتغير لن يكون مرئياً إلاّ مع لعبة “الزمن”.
الزمن الذي يعني:
ـ نحو أي حال سيكون حال اليمن؟
وأيّة تحولات سيشهدها لبنان بدءاً من مستجدات ما، ستطال رئاسته؟ وماحال العراق من بعد هذا وذاك، وأيّة تسويات ستواجهها سوريا وما حجم الدور الإيراني في التسويات المقبلة؟
وهل ثمة ما سيتغيرّر على صعيد ما أطلقت عليه إيران ولاياتها التابعة، ونعني هنا تلك الدول العربية التي سطى عليها الإيرانيون وباتت تحت قبضتهم.
مالم يتغير، ولا رهان على أن يتغير هو النظام الإيراني، فهذا النظام لابد وأنه من فصيلة الأنظمة التي لاتتغير سوى باجتثاثها، والحركة الشعبية الإيرانية التي انطلقت عبر التظاهرات النسائية وإن تم اجهاضها فلا رهان على استئصالها، وهاهي السلطات الإيرانية تلجأ ما بعد مرحلة إطلاق الرصاص على الصبايا المتظاهرات إلى مرحلة تسميم بنات المدارس في عمليات ربما لم يشهد لها العالم مثيلاً، ما يعني أن إيران لم تتبدل.
مانسأله، هو ما تتساءل عنه صحافة المملكة وربما أبرزها ماتساءلت عنه صحيفة الشرق الأوسط، فهذا عبد الرحمن الراشد، ووفق الراشد فإن دخول الصينِ لأول مرة في تاريخ الترتيبات الأمنية الكبرى في المنطقة قد يفتح الباب لإنهاء “الحالة الإقليمية الإيرانية”، التي بدأت في مطلع الثمانينات وتوسعت بعد اضطرابات ربيع 2011.
الراشد يعتبرها خطوة “مهمة”، بل “خطوة كبيرة ومهمة”، ويضيف “لا بدَّ من القول إنَّ أسلوبَ إدارة ولي العهد السعودي الأزمة مع إيران في خمس سنوات، بما في ذلك في مراحلها الخطيرة، هو الذي أوصلنا إلى نتيجة واقعية مقنعة للإيرانيين بأنَّ خيارَهم هو التصالحُ وليس التهديد والفوضى. ونحن متفائلون بأن تقودَ وتكمل السعودية المصالحة، إقليمياً ودولياً، لكن من المبكر استقراء الوضع أبعد من هذا الاتفاق”.
الرجل يتفاءل، ولكن بـ “كلّ الحذر” فالملفات الأخرى مترابطة ومتفجرة؛ أهمها مشروع إيران النووي لأغراض عسكرية، وهيمنة طهران على أربع عواصم عربية.
الامتحان الكبير هو اليمن. لطهرانَ دورٌ كبير في إدارة التمرد الحوثي، ولو تمكَّن الجانبان، برعاية الصين، من تهيئة الوضع لحل سلمي نهائي يوقف الحربَ، ويرمّم الشرعية، لكان ذلك وحدَه كافياً لإعلان نجاح اتفاق بكين. اليمن قضية تهمُّ العالمَ، حربها تهدّد ممرَ التجارة الدولية البحري، وتستوطن أرضَها تنظيماتٌ إرهابية، وتهدّد الحرب أمنَ السعودية. وفوق هذا، اليمن مأساة إنسانية مستمرة منذ احتلال صنعاء، وإسقاط الشرعية. إن نجحَ الطرفان في إحلال السلام باليمن، هذا سيعني وجودَ فرصة ثمينة لنسج نظام أمني إقليمي جديد، يُسهمُ في إنهاء أزمات العراق، ولبنان.
لا يمكن أن نتجاهلَ العوامل الأخرى المحيطة، مستفيدة أو متضررة. واشنطن أعلنت في اليوم نفسه عن إفراجها عن نصف مليار دولار “مستحقات” مالية إيرانية على العراق، ربما كانت خطوة مبرمجة سابقة للاتفاق، لكن للولايات المتحدة دورٌ مهمٌّ في هذا التطور الجديد.
ما يتبقى هو:
ـ انتظار الأيام، والمعلوم من المجهول هو:
ـ إذا ما صافحت “حرّاس الثورة” براحة يدك، فعليك أن تحذر من أن يأخذوا ذراعك كله.
والأيام لابد وتكشف.