fbpx
أخر الأخبار

الكنيسة الأرثذوكسية والحرب في أوكرانيا

مرصد مينا

تؤدي الكنيسة الأرثوذكسية دورا بارزا في دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ يقود المطران ستيفان كلاين، الذي يترأس الكاتدرائية، قسم التعاون مع الجيش في الكنيسة، وكان قبل تقلده المهام الدينية، ضابطا في سلاح الدفاع الصاروخي.

الكنيسة الأرثوذكسية تلعب الدور الذي يلعبه الدين في الحياة السياسية الروسية، وبوتين الذي يقدم نفسه  باعتباره مسيحيا متدينا، بينما يرتدي صليبا يعود إلى العهد الشيوعي الذي يقول البعض إنه كان معاديا للدين.

البطريرك كيريل، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بحسب مجلة “إيكونوميست” أعلن صراحة دعمه غزو أوكرانيا، ويرى أن روسيا ليست الطرف المعتدي بل الأوكرانيون الذين “يرتكبون إبادة جماعية” ضد المتحدثين بالروسية في دونباس، شرقي أوكرانيا، حيث تقع منطقتان انفصاليتان تدعمهما موسكو.

وقارن كيريل بين “خطية” الغرب الليبرالي في مقابل القيم الروسية المحافظة، وصوَّر المناطق الانفصالية في أوكرانيا على أنها ضحايا لتجاوزات الغرب، وادعى أن الحرب في دونباس نشبت جزئيا لأن سكان دونباس لا يريدون أن تُفرض عليهم مواكب الفخر للمثليين.

وتعرضت الكنيسة الروسية لعقود من القمع في ظل الشيوعية، لكن الصلة بين الإيمان والهوية الوطنية لم تنقطع.

استطلاع للرأي، أجري في العام 2015، صنف 71 بالمئة من الروس أنفسهم على أنهم أرثوذكس و57 بالمئة قالوا إن اتباع العقيدة جزء مهم من هويتهم الوطنية.

وهذا الأمر بحسب “الحرة” خلق أداة دعاية قوية يمكن من خلالها للنظام تعزيز رؤية واحدة للقيم الروسية على خلاف المجتمعات الليبرالية الغربية، وربما كان هذا هو سبب دعم بوتين لعودة ظهور الكنيسة الأرثوذوكسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وفق المجلة.

يرتدي بوتين صليبا أعطته له والدته عندما عمدته سرا وهو رضيع، واختار منذ فترة طويلة أن يقدم نفسه على أنه مسيحي أرثوذكسي متدين، وهو يروج للقيم الدينية المحافظة باعتبارها عقيدة أساسية للقومية، وفي العام 2007، وصف التسلح النووي والأرثوذكسية بأنهما ركيزتان أساسيتان للمجتمع الروسي، يضمنان الأمن الخارجي والصحة الأخلاقية للبلاد، لكن الكنيسة في الواقع، تحت قيادة بوتين كانت أداة للأمن الداخلي، ووسيلة لتعزيز الهوية الروسية المتوافقة مع أهدافه.

وفي عهد بوتين، أصدرت روسيا قوانين تقيد حقوق الجماعات الدينية المنافسة، واستردت القطع الأثرية الدينية التي بيعت في ظل الحكم الشيوعي، وبنت آلاف الكنائس، وكل هذا ساعد قادة الكنيسة في التأثير على قطاعات كبيرة من السكان.

يشار أنه في عام 2007، اجتمعت الكنيسة مع العديد من الأبرشيات الروسية خارج البلاد، وتمكنوا من رأب الصدع الذي دام 80 عاما. هذا أيضا عزز هذا من قوتها كأداة للسياسة الخارجية في الشتات أيضا.

دعم الكنيسة لغزو أوكرانيا يفيد الكرملين، من ناحية تأكيد الكنيسة على “الروابط التاريخية” بين أوكرانيا وروسيا، وهو ما يردده بوتين.

تاريخيا كانت كييف، عاصمة أوكرانيا، مقرا للأرثوذكسية عندما وصلت إلى مملكة “كييفان روس” في القرن العاشر الميلادي، وهي مملكة امتدت إلى بيلاروسيا وأوكرانيا وغرب روسيا. وأشرفت موسكو على الكنيسة الأرثوذكسية الشرعية الوحيدة في أوكرانيا حتى عام 2019، عندما تم الإعلان عن الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية الجديدة. وهذا الاستقلال لم يقبل به البطريرك كيريل أبدا بينما اعتبره قادة موسكو تهديدا للدولة الروسية.

وقبل أيام، قال كيريل إن روسيا وأوكرانيا شعب واحد و”ينتمون إلى جرن معمودية كييف واحد” وادعى أنهما “يشتركان في مصير تاريخي مشترك”، ووصف البطريرك خصوم روسيا في أوكرانيا بأنهم “قوى الشر”، وتساعد هذه الحجة في تبرير مزاعم روسيا أنها تحرر جارتها. لكن الكنيسة الأرثوذكسية حديثة العهد في أوكرانيا رفضت هذه المزاعم، وحتى بعض الكهنة في أوكرانيا، من الموالين لموسكو، انشقوا عن هذا الصف.

كانت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية هي المهيمنة في أوكرانيا على مدى 300 عام تقريبا، تشمل الحقبة السوفييتية حين تم حظر الدين رسميا وكان أصحاب العقيدة يمارسون شعائرهم سرا. وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، انقسمت الطائفة الأرثوذكسية في أوكرانيا إلى ثلاثة فروع: فرع موال لبطريركية موسكو، وآخر تابع للبطريركية الجديدة في كييف وكنيسة أوكرانية أرثوذكسية مستقلة أصغر، لكن هذا تغير بعد أن استولت روسيا على شبه جزيرة القرم وضمتها من أوكرانيا عام 2014، ثم دعمت الانفصاليين في شرق أوكرانيا.

فبعد أربع سنوات من ضم شبه جزيرة القرم، اعترفت بطريركية القسطنطينية المسكونية، ومقرها إسطنبول، باستقلالية كييف دينيا، مما أتاح إنشاء كنيسة أوكرانية موحدة، ووافقت البطريركية، التي تمثل نحو 300 مليون مسيحي أرثوذكسي في شتى أنحاء العالم، بحسب الحرة، على طلب أوكرانيا، في احتفال أقيم في كاتدرائية سان جورج في اسطنبول، حضره الرئيس الاوكراني آنذاك، بترو بوروشينكو. وشبه بوروشينكو هذا التحرك بالاستفتاء الذي أجرته أوكرانيا من أجل الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي في 1991.

لكن الخطوة أثارت غضب موسكو وشبهتها بالانشقاق العظيم الذي حدث عام 1054 وأدى إلى انقسام المسيحية الغربية والشرقية، ودفعت بوتين إلى التحذير من احتمال أن تؤدي الخطوة إلى إراقة الدماء، ورغم أن الكنيسة الروسية خسرت العديد من أعضائها لصالح الكنيسة الأوكرانية الموحدة الجديدة لكنها ظلت ثاني أكبر طائفة في البلاد.

لكن كهنة، مثل إيوف أولشانسكي، الكاهن في دير القيامة الأرثوذكسي الجديد في مدينة لفيف بغرب أوكرانيا، باتوا يطالبون الآن بالانفصال،

 في هذا السياق يقول أولشانسكي بحسب رويترز:  “كل صلواتنا الآن ترفع من أجل إعادة إحلال السلام في أوكرانيا وانتصار جيشنا”، ويضيف: “الرئيس الروسي هو قايين اليوم” في إشارة إلى قايين، الابن الأول لآدم وحواء، المتهم في الكتاب المقدس بقتل أخيه هابيل. ويضيف: “السبيل الوحيد لكنيستنا هو الاستقلال”. ويساعد دير أولشانسكي أيضا القوات المسلحة الأوكرانية على جمع وإرسال الإمدادات مثل منتجات النظافة وأكياس النوم.

وأولشانسكي ليس الوحيد الذي دعا إلى الانفصال عن بطريركية موسكو، فقد دعت مجموعة أخرى من الكهنة، من منطقة لفيف، إلى عقد اجتماع وطني للكنيسة لإعلان استقلالها رسميا عن موسكو.

وفي أبرشية لفيف، لم يعد اسم كيريل يذكر في القداديس، ونشر عدد من الكهنة من مختلف أنحاء أوكرانيا شريط فيديو يدعو إلى الانفصال التام عن الكنيسة الروسية. وفي داخل روسيا، وقع أكثر من 280 كاهنا أرثوذكسيا على خطاب مفتوح يدين الغزو، لكن من المستبعد أن تغير هذه المعارضة موقف قادة الكنيسة في موسكو، والبطريرك كيريل بدأ في تصوير الصراع على أنه حرب مقدسة تتجاوز السياسة، وقال “لقد دخلنا في صراع ليس له أهمية مادية، بل ميتافيزيقية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى