المتطوعون المرتزقة: دعوني أموت خارج بلادي

بداية الحرب الروسية الأوكرانية، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى تشكيل الفيلق العسكري الأجنبي الداعم لبلاده في آخر فبراير /شباط الماضي بعد أيام قليلة من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

مع الدعوة إياها تدفقت الطلبات على سفارات أوكرانيا، ومن بين “ماتدفق”، طلبات متطوعين من بلدان أفريقية، مثل أوغندا وبوروندي حيث لاتوجد سفارات لاوكرانيا، وهؤلاء قد أصيبوا بحيرة في كيفية االتقدم بطلباتهم، فيما عثر المتطوعون في جنوب أفريقيا  على ضالتهم وبذلك تلقت السفارة الاوكرانية أعدادا كبيرة من طلبات الانضمام إلى القوات الأجنبية التي تدافع عن أوكرانيا.

السؤال، الذي رافق حملات التطوع إياها أختصر بـ :

ـ ماهو الدافع.

هذا السؤال كان قد اشتغل على الإجابة عنه صحفيان من الاندبندنت البريطانية، وعبرهما تم طرحه على المتطوعين الافارقة الذين أبدوا رغبتهم في الانضمام إلى الفيلق الأجنبي الذي يقاتل لصالح اوكرانيا.

لقد كشف التحقيق الصحفي عن أن هناك دافعا أساسيا وراء قتال الأفارقة في صفوف الفيلق الأجنبي الداعم لأوكرانيا وهو ما وصفته الصحيفة بأنه دعم ومساعدة أوكرانيا؛ بينما ساق آخرون ضمن التحقيق دوافع مختلفة، أبرزها الهجرة إلى أوروبا.

ـ كيف سيكون ذلك؟

تسمح كييف بدخول الأجانب الذين يبدون استعدادا للقتال ضد القوات الروسية بدون تأشيرة إلى أراضيها، وهي فرصة نادرة أمام الأفارقة الراغبين بالوصول إلى أوروبا، الذين غالبا ما تُصنف جوازات سفرهم بأنها الأضعف بين دول العالم.

في العادة يهاجر الكثير من الأفارقة، الذين ليس لديهم جوازات سفر، إلى أوروبا عبر قنوات غير شرعية. ويخوض هؤلاء رحلات طويلة محفوفة بالمخاطر برا وبحرا علاوة على ما كانوا يتعرضون له من مخاطر من بينها العنف، والتمييز، والاحتجاز خلال ذلك الطريق الطويل.

وكان من بين المتطوعين من أفريقيا، المتقدمين للانضمام إلى الفيلق الأجنبي الداعم لأوكرانيا، الذين أجرت معهم الإندبندنت مقابلات؛ عامل البناء السنغالي ألسان فاي الذي أكد أنه بمجرد أن شاهد الأنباء عن الغزو الروسي لأوكرانيا، شعر برغبة قوية في أن يفعل شيء لتقديم المساعدة.

وقال فاي، البالغ من العمر 45 سنة ويقيم في مدينة صغيرة بالقرب من العاصمة السنغالية: “لا أستطيع أن أدعم الظلم، ولا أحب أن أرى الناس يعانون”.

وبدأ الرجل بالفعل التواصل مع السفارة الأوكرانية في داكار عبر الهاتف وأخبر المسؤولين هناك برغبته في الانضمام إلى القتال في صفوف الفيلق الأجنبي. وبالفعل وجهته السفارة إلى طريقة التقدم عبر الإنترنت، لكن الحكومة السنغالية طالبت بوقف تجنيد مواطنيها في ذلك الوقت بعد أن وصل عدد المتقدمين للتطوع للقتال من أجل كييف إلى 35 سنغالي بحلول أول مارس/ آذار الماضي.

وبينما أكد فاي أنه لا يريد “استغلال الحرب” لتحقيق مصلحة شخصية، اتضح من كلامه أن جزء من رغبته في الانضمام إلى الفيلق الأجنبي في أوكرانيا كان بدافع من إمكانية البحث عن عمل هناك بعد انتهاء الحرب.

وروى أيضا عن تجربته في 2005 عندما ألقت السلطات القبض عليه أثناء محاولته الهرب في قارب صيد إلى إسبانيا. وقال إن صديق له كان يدين له بالمال عرض عليه خوض تلك التجربة وأنه سوف يسدد له تكلفة الرحلة. لكن فاي اعتقل مع صديقين آخرين بعد أن صعدوا على متن القارب.

وقال ستيفن كروزد، رئيس قسم الحوكمة والدبلوماسية في معهد دراسات الشؤون الدولية في جنوب أفريقيا، لمحققي الصحيفة “إذا فكرنا قليلا، سوف نجد أن أغلب المتطوعين من الشباب وذوي اللياقة العالية الذين يرون أن المشاركة في الحرب في أوكرانيا تذكرة خروج من أفريقيا وطريقة لدخول أوروبا ومن ثم الإقامة هناك”.

وقال إبراهيم نايي، زميل مركز الديمقراطية والتنمية، الذي يمثل جماعة للدفاع عن حقوق الإنسان، في ليبيريا إن أغلب هؤلاء (الأفارقة الذين يريدون الانضمام إلى القتال في صفوف أوكرانيا) “حاولوا السفر إلى أوروبا في وقت سابق عبر طرق غير شرعية”.

المتطوعون للقتال في أية حرب لها مالها من استخدامات السلاح واختبارات السلاح والخنادق الممتلئة بالجثث، ليست كفيلة بردع الراغبين بالهجرة من بلدانهم إلى الالتحق فيها، وهنا تكون مقايضة الهجرة بالموت، واحتمالات النجاة القليلة، وربما ما  يقع على الافارقة، ينطبق على أي من المتطوعين سواء جاؤوا من الشرق الأوسط أو من دول الهامش الأخرة في هذا العالم، ليكون هؤلاء وقود في حروب إن نجوا منها سيطالون بعض الحياة في دوائر الهجرة ومخيماتها.

ما يعني أن ماقاله فاي، من العاصمة السنغالية: “لا أستطيع أن أدعم الظلم، ولا أحب أن أرى الناس يعانون”، هو كلام مرسل، كلام في الهواء، كلام هو غير الكلام الحقيقي الذي يضمره والذي يعني باختصار:

ـ دعوني أموت خارج بلادي.

Exit mobile version