مرصد مينا
في غضون شهرين فقط، فقدت منى إبراهيم اثنين من أطفالها بسبب الجوع في مخيم زمزم للاجئين في السودان، حيث تستمر الحرب الأهلية بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ ما يقرب من عامين.
رأت منى، الأم البالغة من العمر 40 عاماً، ابنتها رانيا تفارق الحياة في العاشرة من عمرها، ولحِقها شقيقها منتصر، الذي لم يكمل شهره الثامن، بسبب سوء التغذية الحاد.
الآن، تخشى منى على حياة ابنتها رشيدة، البالغة من العمر أربع سنوات، والتي تعاني من فقر حاد في الدم دون أي رعاية طبية.
تقول في تسجيل مصور أرسلته عبر تطبيق “واتساب” لوكالة الصحافة الفرنسية: “أنا خائفة جداً أن تضيع مني… نحن متروكون بلا طعام أو دواء أو أي شيء”.
مخيم زمزم… بؤرة المجاعة في السودان
أُعلنت حالة المجاعة رسمياً في مخيم زمزم، الذي يضم ما بين 500 ألف ومليون نازح، وفقاً لنظام تصنيف مدعوم من الأمم المتحدة.
لكن سرعان ما امتدت المجاعة إلى مخيمات أخرى وإلى بعض مناطق جبال النوبة في الجنوب، بينما تواصل الحكومة السودانية إنكار الأزمة، على الرغم من أن الملايين يعانون نقصاً حاداً في التغذية.
في وحدة “سلام 56″، وهي إحدى 48 وحدة مكتظة داخل المخيم، تعاني العائلات من نقص حاد في الطعام.
تحكي راوية علي، أم لخمسة أطفال: “هذا كل ما لدينا”، مشيرةً إلى طبق فول شحيح لا طعم له. وتضيف: “نحن نشرب من نفس الماء العكر الذي تشرب منه الحيوانات”، في إشارة إلى النقص الحاد في المياه النظيفة.
المساعدات الإنسانية شبه معدومة
منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تضاءلت إمدادات الغذاء بشكل خطير.
وبحسب ما يؤكده آدم محمود عبد الله، المنسق المشرف على وحدة “سلام 56″، لم يتلقَّ المخيم سوى أربع شحنات غذائية منذ بدء الحرب، كان آخرها في سبتمبر، ومنذ ذلك الحين “لم يصلنا شيء”.
هذا المشهد يعكس مدى المأساة التي يواجهها السودان، حيث قتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وهُجّر أكثر من 12 مليوناً، ما تسبب في “أكبر أزمة إنسانية في العالم حالياً”، بحسب لجنة الإغاثة الدولية (IRC).
الجوع يمتد إلى جميع أنحاء السودان
الأزمة لم تقتصر على مخيم زمزم، ففي جنوب كردفان، حيث كانت الأراضي الزراعية يوماً ما غنية بالمحاصيل، يضطر المزارعون إلى أكل البذور التي كان يفترض بهم زراعتها، بل إن البعض يلجأ إلى غلي أوراق الأشجار للبقاء على قيد الحياة.
وفي مدينة ديلينغ، أمام أحد آخر المطابخ الجماعية التي لا تزال تعمل، تمتد طوابير الانتظار بلا نهاية، حيث يقف رجال ونساء وأطفال يعانون سوء التغذية الحاد، بعضهم غير قادر حتى على الوقوف.
تقول الناشطة نازك كابالو: “بعضهم ينهار من شدة الجوع، بينما يتقيأ آخرون عندما يحصلون أخيراً على لقمة طعام”.
قرارات تدمي القلوب..
في القضارف، حيث لجأ أكثر من مليون نازح، تصل العائلات إلى المخيمات بحالة يائسة، بحثاً عن أي طعام.
تقول ماري لوبول، مديرة الشؤون الإنسانية في منظمة “أنقذوا الأطفال”: “رأيت أطفالاً هزيلين، أنوفهم تسيل، وعيونهم ملتهبة، في حين يضطر الأهالي إلى اتخاذ قرارات تدمي القلوب حول أيٍّ من أطفالهم سيُترك للموت”.
وفي جنوب الخرطوم، أبلغ عمال برنامج الأغذية العالمي عن مشاهد لأشخاص “أشبه بالهياكل العظمية”، يقتاتون على العدس وحبوب مغلية بالكاد تسد الرمق.
المجاعة تهدد أجيالاً قادمة
رغم المحاولات المحدودة لإيصال المساعدات، فإن الحرب المستمرة تجعل ذلك شبه مستحيل.
تقول لوبول: “لا يمكننا ببساطة تحميل الشاحنات بالمساعدات ونقلها إلى المناطق المتضررة. هناك حواجز، ورفض متكرر، وعمليات نهب من قبل الجماعات المسلحة، تحرم المحتاجين من الغذاء”.
وتحذر المنظمات الإنسانية من أن السودان يواجه كارثة قد تستمر تداعياتها لأجيال قادمة، مشيرة إلى أن “الأشخاص يموتون الآن، لكن العواقب ستظل قائمة لعقود”.
ومع حلول الليل في مخيم زمزم، تنظر منى إبراهيم إلى ابنتها التي تمددت على الأرض، منهكة وضعيفة. تهمس بقلق: “لا أعلم إلى أي مدى يمكننا أن نصبر”.