أحاديث بيروت لاتنتهي، سواء مع غروب “الكورنيش” أو في عتمة ليل العاصمة، أما الحديث المركزي فهو يشمل “كلن يعني كلن”، بما يعني “لاحديث مركزي”، بما فيه التوقعات االمتصلة بسعد الحريري شخصًا وتيارًا، فعلى مستوى الشخص تدور الأسئلة:
ـ هل سيعود الرجل إلى بيروت، وإن عاد فهل سيعود للحياة السياسية؟ وإن كان ثمة عودة للحياة السياسية فهل ثمة عودة للمشاركة في الحياة البرلمانية؟ وإن قرر المشاركة فهل في جعبته من المال ما يكفي لخوضها بعد الإفلاس الذي يتلوه إفلاسًا ومن بين إفلاسته إفلاس أوجيرو؟
وكلها أسئلة مرتبطة بشخص سعد الحريري مضافًا إليها أسئلة متصلة بالعائلة من مثل:
ـ هل سيرث بهاء الحريري تركة الحريرية السياسية؟ أم سيأتي أحمد ليضع يده عليها؟
وما من مستشار يجيب إجابة العارف، وما من مناصر يجيب إجابة العارف، وكذلك ما من خصم يجيب إجابة العارف، فكل الإجابات تبدأ بـ “قد”.
تلك أسئلة مرتبطة بـ “سعد”، وربما تقفز الأسئلة إلى ما بعد سعد:
ـ فـ إن انتهت الحريرية السياسية ما الذي يتبقى للسنّة في لبنان؟
ما الذي يتبقى لهم إن كان نجيب ميقاتي لم يؤسس للزعامة السنية بعد أن أسس لرجل الأعمال، وإن كان فؤاد مخزومي يماثل ميقاتي في هذا وإن يتباين معه في الدرجة وحدّة الموقف من “حزب الله”، أمما آل كرامي فالكل يراهم وهم “على رأس التلة” دون أن ينتظرون شيئًا أو يعدون بشيء.
سنّة بيروت قلقين من انتهاء وجودهم السياسي، أقله إذا ماكانت المرحلة الراهنة تعني انتهاء الحريرية السياسية قبل ولادة بديلها، والواضح من كل الغامض أن الحريرية في طريقها الى الانتهاء و”تسكير الدكان” فيما لو تنحّى سعد، أمّا الأسباب التي قد تدفع سعد الى إنهاء وجوده السياسي، فمتشعبة كالآتي:
– قرار السعودية بالتخلّي عن الحريري منذ اختطافه عام 2017، وهو قرار واضح المعالم.
– فشل التسوية الرئاسية وانزلاق لبنان الى الهاوية.
– فشل محاولة الحريري الأخيرة في إنتاج حكومة مستقلّة.
– مشكلة الخطاب السياسي، وتحت أي شعار يخوض الانتخابات، إذ هناك أزمة خيار وخطاب سياسي يعيشه “المستقبل”.
– كلّ القوى الموجودة على الأرض، ومنها “المستقبل”، لديها تشعبات محلية وإقليمية ودولية، ما يجعل “التيار” حذراً.
– كلّ الأحزاب اللبنانية الكبرى، ومنها “المستقبل”، هي عملياً أحزاب الشخص والقائد، ما عدا “حزب الله” لأنّه تنظيم عسكري، وبالتالي مصير “المستقبل” متعلّق بمصير سعد الحريري مبدئياً، إلّا إذا اختار المكتب السياسي والجمعية العمومية فرز قيادة جديدة للتيار، وهذا أمر غير مطروح حالياً.
– التعثر المالي للحريري، إذ إنّ العنصر المادي يكون تفصيلياً إذا كان هناك خطاب ورؤية سياسية تحتاج الى المال كتفصيل، لكن عندما تُفقد الرؤية السياسية والنضالية حينها يتضاعف شأن المال.
– معطيات تشير الى تغيير إقليمي كبير، وأنّ سنة 2022 ستشهد متغيّرات كُبرى بين العراق وسوريا ولبنان، وقد يكون الحريري ينتظر تبدّلات ما أيضاً، فالخطاب الذي سيطرحه يبنيه على هذا الأساس، إذ إنّ الخطاب مرتبط بالإقليم لأنّ المشكلة في لبنان إقليمية وليست محلية، والذي يمنع أي علاج هو “حزب الله” وإيران.
أمّا على صعيد الخلافات داخل التيار، فأحمد لا يعتبر نفسه بديلاً لسعد، وهو لا يدير الانتخابات حاليا. وفي حين تُطرح أسماء عدة للترشح الى الانتخابات وتسلّم مهمات في التيار”، لم يتبلّغ أي منها بعد أي قرار رسمي قاطع، وكلّ شيء متوقّف على عودة الحريري وقراره العام الكبير، والصيغة والآلية اللتين سيعلنهما، إمّا للاستمرار أو التصفية التامة، وهذا ما سيكشفه قابل الأيّام.
أيامم ليست طويلة، وبعدها قد نجد سنّة بيروت على قارعة النهر، وهناك على القارعة ثمة من ينتظر “الجثة”، وليس ثمة من تسعده “جثة السنّة” كما “حزب االله”.