مرصد مينا – هيئة التحرير
مع تصاعد الجدال حول استمرار الاعدامات في إيران، والتي كان آخرها إعدام المصارع الإيراني “نويد أفكاري”، وما رافق ذلك من ترجيحات صدور أحكام جديدة بالإعدام ضد معارضين وناشطين، دفع محللو مرصد مينا، إلى التساؤل عن أسباب قلق النظام الإيراني من المظاهرات الحالية وما يميزها عن سابقاتها خلال العقود الماضية، بالإضافة إلى طرح إشارات استفهام حول قدرة النظام على تحقيق عملية انتقال سلس للسلطة من المرشد الحالي إلى وريثه المحتمل وشكل الجمهورية الإيرانية بعد حكم “خامنئي”.
وتعيش إيران منذ العام 2018، على صفيح مظاهرات ساخن، احتجاجاً على سياسات النظام الإيراني داخلياً وخارجياً، وما عكسته تلك السياسات من كوارث على المستوى الاقتصادي والمعيشي والحقوقي.
آخر حكام ثورة خميني..
على الرغم من ما يعكسه المشهد الإيراني من حالة انسجام وتوافق على الخطوط الأساسية للنظام القائم، إلا أن الباحث في الشؤون الإيرانية، “سجاد عبد المحسن” يؤكد لمرصد مينا أن وفاة المرشد الحالي، قد تكون بداية النهاية للنظام الذي بدأه “علي خميني” عام 1979، موضحاً: “مشكلة النظام اليوم لا تتوقف عند حد الغليان الشعبي أو الانتفاضة الشعبية، بقدر ارتباطها بمخاوف من أن تستغل بعض الأطراف النافذة، تلك الاحتجاجات للانقلاب على السلطة الحالية، خاصة وأن الشعب لديه قبول بأي بديل عن حكم العمائم”.
إلى جانب ذلك، يشير المحلل “عبد المحسن” إلى أن زعماء النظام يعلمون تماماً أن المظاهرات لن تتمكن من إسقاطهم، مهما كانت كبيرة، إلا في حالة واحدة، إذا فتحت تلك المظاهرات شهية العسكر بشكلٍ خاص للسلطة، الأمر الذي يهدد بشكل فعلي سلطات رجال الدين في البلاد، مشيراً إلى أن “العلاقة بين أركان قيادة الحرس الثوري بشكل خاص والمرجعية الدينية لا تسير بشكل جيد، لاسيما خلال الآونة الأخيرة”.
وكانت تقارير صحافية أمريكية قد أشارت في وقت سابق، إلى تعاظم دور الحرس الثوري في إدارة تفاصيل دقيقة في البلاد على حساب رجال الدين، مقارنةً بالسنوات العشرين الأولى من حكم ثورة “خميني”.
في السياق ذاته، يرجح “عبد المحسن” وجود خوف فعلي لدى المنظومة الدينية في إيران من إمكانية تكرار سيناريو عام 1979، في إيران، ولكن بصورة مقلوبة، حيث من الممكن أن يستغل العسكر حالة الاضطرابات والنقمة الشعبية، لفرض سلطتهم والإطاحة بالثورة الإسلامية، كما أطاحت هي بنظام الشاه، مبيناً أن كل الإجراءات، التي تتخذها السلطات القضائية تهدف لمنع وجود مبررات للعسكر لتنفيذ أي انقلاب حتى وإن كان أبيض على سلطة رجال الدين.
مخاوف من الوريث..
تعليقاً على مخاوف طبقة رجال الدين الإيرانيين على مستقبلهم، يوضح الباحث في الحركات الدينية، “أمير النجيفي” أن “خامنئي” يشكل اليوم نقطة توازن في النظام الإيراني، بين الطبقتين المتصارعتين، المتمثلة برجال الدين والعسكر، على اعتبار أنه يحوز على إجماع الجهتين، إلا أن المشكلة الحقيقية ستكمن في هوية من سيرثه، لافتاً إلى أن وريث المرشد قد يأتي بانقلاب أبيض من قبل العسكر، حتى وإن كان يرتدي عمامة، على حد قوله.
وسبق لمصادر خاصة بمرصد مينا، أن كشفت قبيل اغتيال قائد فيلق القدس، “قاسم سليماني”، أن الأخير كان أحد المرشحين لخلافة “خامنئي”، وأنه كان يمثل منافس محتمل لكل من رئيس السلطة القضائية المتشدد، “إبراهيم رئيس”، المدعوم من التيار الديني، وحفيد المرشد السابق، “حسن خميني”.
صراع الحلفاء ..
على خطى معظم الأنظمة الدكتاتورية في العالم، قد تواجه إيران خطر صراع الحلفاء على السلطة، وفقاً “للنجيفي”، كاشفاً عن وجود غضب لدى قيادات المؤسسة العسكرية الإيرانية من سطوة رجال الدين على المجتمع، إلى جانب وجود نقاط خلافية كبيرة بين الجانبين فيما يتعلق بالسياسة الداخلية تحديداً، خاصة في فترة انتشار وباء كورونا، التي شهدت حرب كسر عظم بينهما انتهت لصالح العسكر، بإغلاق العتبات المقدسة.
يشار إلى أن طبقة رجال الدين كانت تعارض إجراءات إغلاق المزارات الدينية على خلفية انتشار الوباء، إلا أن القيادات العسكرية تمكنت في نهاية المطاف من فرض إرادتها على الدولة والمجتمع الإيراني.
إلى جانب ذلك، تؤكد الخبيرة في الشأن الإيراني، “فاطمة الزهراء عزيزي” أن معادلة الجمع بين التفكير العسكري والأيدولوجيا الدينية في ذات النظام أمر شبه مستحيل، حتى وإن كانت إحداها تمخضت عن الآخر، مشيرةً إلى أن العسكر في إيران بدأوا بشكل فعلي يطورون سطوتهم ويعمقوها على جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وكانت الفترة الماضية قد شهدت تصاعد الأصوات المحافظة والقيادية في النظام الرافضة لإجراءات الحرس الثوري والتبدلات التي يشهدها النظام، بينها الرئيس السابق، “محمود أحمدي نجاد”، المعروف بقربه الشديد من المرشد.
كما تشير “عزيزي” إلى أن الحرس الثوري استفاد خلال ما بعد العام 2010، والثورة الخضراء التي انطلقت عام 2009، من امتيازات إضافية منحها له المرشد “خامنئي”، معتبرةً أن خروج مئات الآلاف في الثورة الخضراء ضد حكم النظام القائم، أوصل “خميني” إلى قناعة عدم قدرة رجال الدين والأيديولوجيا الدينية على ضبط الشارع والتأثير عليه، ما دفعه للاعتماد على قوة العسكر، الذين يبدو أن شهيتهم باتت مفتوحة أكثر على السلطة بعد أن جربوها.
في السياق ذاته، ترجح “عزيزي” أن وفاة “خامنئي” ستثير حالة بلبلة شعبية في البلاد وخروج مظاهرات عارمة، على اعتبار أن المعارضة والتيارات الشعبية ستجد بها مناسبة للتعبير عن رفضها للحكم، وهو ما قد تستغله القيادة العسكرية للإطاحة بالعمائم، على حد وصفها.