المفتي.. حين يفتي

مفتي سوريا، احمد بدر حسون، يدعو السوريين المهاجرين أو اللاجئين أو النازحين للعودة إلى سوريا.. يدعوهم للعودة مصحوبة بالتوبة.

التوبة من ماذا؟
توبة مَن تهدّم منزله بالقصف؟
توبة مَن فقد ولده في السجون والأقبية؟
توبة من هدرت لقمة خبزه؟

هكذا يدعو السوريين للعودة، باعتبار من رحل، رحل عن بلاد (خانها)، وليس على سلطاتها سوى قبول توبته.

يقول ذلك، وبالأمس تشردت آلاف العائلات من ويلات القصف، ويقول ذلك في الوقت الذي اشتدت فيه قبضة الأجهزة البوليسية، حتى بات السوري.. مطلق سوري إما معتقل، أو مشروع معتقل، وإما مغيّب أو مشروع مغيّب، بمن في ذلك السوري الموالي للنظام، فقبضة الأجهزة البوليسية تضغط على الكل ودون استثناء أحد، حتى بات السوري مطارد في فراشه وحقله ورصيفه، محكوم بالعصابة.. عصابة المال الوسخ، والسلاح الوسخ، والعائلة الوسخة.

مفتي سوريا، يحرص على اتهام السوري الفار من الموت بالإرهاب، أو مناصرة الإرهاب، أو القبول بالإرهاب، متسوّلاً رضى الأجهزة البوليسية التي لم يكن سماحة المفتي سوى الجزء الإديولوجي منها، وجرّافتها العقائدية، ويحكي فيما يحكيه عن إعادة الإعمار في البلد داعيًا الرساميل السورية المهاجرة للعودة إلى البلد لتشارك في إعادة إعماره، ومؤكدًا أن تحت الطاولة شركات تعمل في مشاريع إعادة الإعمار، وعلى الرساميل السورية العودة إلى سوريا للمنافسة.

كلام لايستدعي التأمل بقدر ما يستدعي الاستخفاف والغثيان، والكل يعلم أنه ما من أمان لرأسمال في سوريا، سوى الأمان الواهم لرساميل العصابة والعائلة، والتي تمتد من الأخوال إلى الأعمام، إلى المحاسيب الذين يعملون حرّاسأ للرساميل تلك، بما يستدعي من السوري الهرب بما ادّخر من بلاد تسطو على مدّخرات أرملة عجوز كما تسطو على منشأة صناعية.

إعادة الإعمار؟!
حسنًا وأي إعمار؟
المتابعون للحرب السورية يعرفون بالتمام والكمال، أن جزءًا كبيرًا من أهداف تلك الحرب قد تركّز على تهديم مناطق شاسعة من المدن السورية، كما من الأرياف والضواحي، وفي هذا الجزء لم يكن الهدف (تطهير الأرض من المسلحين) وفق الخطاب الرسمي للسلطة، فثمة مناطق كانت خالية تماًما من المسلحين ولكنها لم تخل من البراميل المتفجرة، في استهدافات لتهديم تلك المناطق ومن ثم الاستيلاء عليها لهدف يمتد إلى ما بعد الحرب، حيث المساحات الشاسعة من أجل إطلاق المدينة الجديدة:
ـ مدينة الكازينو، والفندق، والمبغى.

وكل ذلك بعد إخلائها من ساكنيها

هي سياسة ابتدأت منذ سبعينات القرن الفائت ونعني بها سياسة استملاكات الاراضي وتمليكها لا للصالح العام أو لأسباب الأمن القومي كما جاء في خطاب السلطة، فمنطقة كفرسوسة، تلك المنطقة الشاسعة التي امتدت يد الاستملاك اليها، تحوّلت بين ليلة وضحاها إلى منطقة سكنية هي الأعلى ثمنًا في كل دمشق وما يحيط بها، ولحساب مجموعة الفساد التي تنتج من العائلة أو تشتغل عند العائلة، والقي بملاكها الى العراء، وكل من يعرف تلك السياسات التي اتبعتها حكومة الفساد يعرف باليقين أنه ما من مالك في سوريا إلاّ ويعيش تحت رهبة الاستملاك والمصادرة، وهاهم الصناعيون السورين الذين فروا من بلدهم يبنون صناعة رائدة في بلاد اللجوء، بعد أن ضاقت بلادهم بهم.

السيد مفتي الجمهورية، يفتي بعودة السوريين الى بلدهم، فأي ضمانة يمكن للسيد المفتي أن يقدمها؟
ـ ضمانة البقاء على قيد الحياة؟
ـ ضمانة إغلاق المعتقلات وزنازن الموت.
ـ ضمانة وقف تعديات العصابات التي أنتجتها السلطة العصابة، حتى باتت السلطة واحدة من العصابات بفارق أنها أكثر رعاية وتمركزًا؟

مفتي يفتي .. وعصابة تقتل وتسرق.. وبلادًا تدمّر ليعاد إعمارها لتدمر ثانية ومع كل دمار متعهد إعادة إعمار.
هو الفساد حين يتحالف:

ـ فساد المؤسسة الدينية، مع فساد المؤسسة الأمنية، مع فساد الرساميل الوسخة التي تحكي بالنظافة وقد حوّلت البلاد إلى مزبلة في جغرافيا هذا العالم التعيس.

مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

Exit mobile version