المياه العادمة تحرم الغزيين من متنفسهم الوحيد وتلوث شاطئ البحر

مدينة غزة – خاص يعتبر شاطئ بحر قطاع غزة المتنفس الوحيد لسكان القطاع في ظل الحصار الإسرائيلي المطبق منذ عام 2007، إلا أن ‏ذلك المتنفس لم يبقى كذلك جراء التهام المياه العادمة لشاطئ البحر، والذي يستقبل كميات كبيرة من تلك المياه بشكل ‏يومي جراء توقف محطات المعالجة عن العمل في كثير من الأوقات بفعل انقطاع التيار الكهربائي‎.‎ ويستقبل بحر قطاع غزة أكثر من 120 ألف متر مكعب من المياه العادمة يومياً، وهي ما تصرفه 11 محطة صرف ‏صحي منتشرة في المناطق الغربية لقطاع غزة، ويضطر القائمون على تلك المحطات إلى تصريف تلك المياه إلى البحر ‏دون معالجة منعاً لانتشار الأوبئة والروائح الكريهة التي تؤذي السكان القريبين من تلك المحطات‎.‎ مستويات تلوث غير مسبوقة وشهدت الأعوام الخمس الأخيرة حرمان غالبية الغزيين من السباحة في مياه البحر نتيجة تلوثها بمستويات متفاوتة، ‏وإصابة العديد من المستجمين الذين يصرون على النزول للبحر بأمراض جلدية ومعدية، وذلك على الرغم من ‏التحذيرات الصحية التي تطلقها وزارة الصحة الفلسطينية مع بداية كل صيف‎.‎ مدير مصلحة بلديات الساحل في قطاع غزة منذر شبلاق كشف لمرصد “مينا” أن العديد من المشاريع التطويرية التي تم ‏إنجازها خلال العام الماضي وبداية العام الجاري، يفترض أن تبدأ عملها للحد من تصريف المياه العادمة للبحر، وذلك ‏عبر زيادة كميات الكهرباء لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي وتحديداً غرب غزة ورفح‎.‎ وأوضح أن التمويل الذي قدمته العديد من الجهات المانحة يقوم على مسارين لمعالجة المياه العادمة، الأولى تتمثل في ‏زيادة كميات الكهرباء الممنوحة لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي، والمسار الآخر يتمثل في توفير خلايا شمسية ‏لإمداد بعض تلك المحطات بالكهرباء على مدار الساعة‎.‎ وبدأت مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة منذ عام 2006، بعد أن قصف إسرائيل محطة توليد الكهرباء ‏الوحيدة في وسط القطاع، وهو ما خفض جهدها إلى ما دون النصف في أفضل الأحوال، ناهيك عن رفض إسرائيل ‏للعديد من المبادرات والمشاريع الدولية لإعادة ترميم المحطة وخصوصاً خزانات الوقود الكبيرة التي دمرت أكثر من ‏مرة‎.‎ مشاريع للتطوير والمعالجة وأعلنت بلدية غزة بداية شهر أبريل الجاري، أن اللجنة القطرية للإعمار في قطاع غزة استجابة لمناشدة أطلقتها بهدف ‏دعم مشروع توفير طاقة كهربائية مستمرة لمحطات معالجة المياه العادمة غرب مدينة غزة، وتحديداً محطة الشيخ ‏عجلين الرئيسية‎.‎ من جانبه، توقع مدير عام سلطة جودة البيئة في قطاع غزة بهاء الأغا في اتصال مع مرصد “مينا” أن يشهد العام الجاري ‏تحسنا ًفي تراجع كمية التلوث الذي يعاني منه بحر قطاع غزة، وذلك في ظل الجهود الذي تبذل من أطراف مانحة عدة ‏بالتعاون مع الجهات المحلية لمعالجة مياه الصرف الصحي قبل توريدها للبحر‎.‎ وبين أن دورهم في جودة البيئة رقابي فقط، وقد حذروا في العام الماضي من أن 75 بالمائة من مياه شاطئ بحر قطاع ‏غزة والممتدة على مسافة 40 كيلو متر غير صالحة للسباحة والاستجمام، وطالبوا المواطنين بعدم النزول للبحر منعاً ‏لتعرض حياتهم وصحتهم للخطر، بفعل نسبة التلوث الكبيرة‎.‎ تضرر فئات أخرى تلوث مياه البحر وعزوف الكثيرين عن جعله وجهة للاستجمام في الصيف حرم آلاف الباعة المتجولين وأصحاب ‏البسطات من الكسب الذي كانوا يجمعونه كل عام قبل حدوث مشكلة التلوث، فالذين يأتون للبحر في الأعوام الأخيرة ‏عددهم قليل وبالكاد يجلسون بضع ساعات ويذهبون جراء الروائح الكريهة المنبعثة من مياه البحر الذي تلوثت بمياه ‏الصرف الصحي‎.‎ البائع نضال زقوت 25 عاماً، والذي يمتلك كشكاً لبيع المشروبات الباردة والساخنة على شاطئ بحر المحافظة الوسطى، ‏شرح لمرصد “مينا” حجم الخسائر التي تكبدها الباعة المتجولين أو أولئك الذين يمتلكون أكشاكاً على شاطئ البحر بفعل ‏عزوف المواطنين عن الذهاب للبحر بالقول: “أذهب للبحر لكي أجلس على كرسي أمام كشكي، وبالكاد أن يأتي اثنين أو ‏ثلاثة مستجمين في الساعة لشراء مشروب بارد أو ساخن”، مضيفاً: “العمل في هذه المهنة أصبح عبء أكثر منه مصدر ‏لجلب المال‎”.‎ وشدد على أن السنوات التي سبقت تلوث مياه البحر بهذه الكمية الكبيرة، كان الباعة المتجولين وأصحاب الأكشاك ‏والاستراحات على شاطئ البحر يعتبرون فصل الصيف من الأشهر الذهبية لكسب الرزق، وكانوا يقومون بإدخار جزء ‏من الأموال التي يجنوها إلى فصول أخرى من السنة والتي يضطرون فيها للجلوس في البيت كفصل الشتاء‎.‎ ازدهار تجارة الشاليهات الخاصة في المقابل أدى هروب المصطافين من شاطئ البحر إلى ازدهار تجارة الشاليهات الخاصة، والتي لا يستطيع استئجارها ‏سوى ميسوري الحال أو مرتفعي الدخل، فمتوسط حجز شاليه لـ 12 ساعة فقط تتراوح ما بين 350- 500 شيكل (100-‏‏140 دولار أمريكي‎).‎ المواطن يونس المصري 38 عاماً، من سكان مدينة غزة، أكد لمرصد “مينا” أنه لم ينزل لمياه البحر بهدف السباحة هو ‏أو أطفاله منذ 5 سنوات، وذلك جراء ارتفاع نسبة التلوث، وهو ما يدفعه لمشاركة إخوته في استئجار شاليه خاص مرتين ‏على الأقل في فصل الصيف من أجل الترفيه ومنح أطفاله فرصة السباحة‎.‎ وبين المواطن المصري أنه في ظل عدد الشاليهات القليلة مقارنة مع سكان قطاع غزة يضطر للقيام بمجموعة كبيرة من ‏الاتصالات على أصحاب تلك الشاليهات بهدف البحث عن شاليه في الوقت الذي يناسبه وذلك في ظل الضغط الكبير في ‏الحجوزات لتلك الشاليهات في فصل الصيف‎.‎ وحمل المصري المؤسسات الحكومية في قطاع غزة مسئولية مشكلة التلوث، واعتبر أن بقاء المشكلة لأكثر من خمس ‏سنوات دون إيجاد حلول لها يشير إلى حالة الاهمال تجاه معالجة تلك المشكلة، لا سيما وأن الكثير من المشاريع والمنح ‏الخارجية تصل غزة يمكنها تغطية التكاليف المالية لحل الجزء الأكبر من تلك المشكلة‎. ‎ هذا ويأمل الشارع الغزي أن تصدق التصريحات الإعلامية التي أطلقتها أكثر من جهة حكومية بقطاع غزة في أن يشهد ‏فصل الصيف الحالي انخفاضاً ملموساً في نسبة التلوث الذي يعاني منه بحر القطاع، وبالتالي عودتهم لمتنفسهم الوحيد ‏للاستجمام عليه. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

Exit mobile version