وقع الزلزال، ولكن السؤال الأهم:
ـ ماذا بعد الزلزال؟
حين دُمِرت أوروبا في الحرب العالمية الثانية ومن بعد دمارها توقفت الحرب، أتى مشروع “مارشال” لإعادة إعمار أوروبا، وبصيغة دولية صريحة توافق عليها قادة أوروبا، المنتصرون منهم والمهزومون، وكانت النتائج أن أعيد إعمار أوروبا، وتحديداً أُعيد إعمار برلين التي قسّمت بين الطرفين المنتصرين في الحرب وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وبالنتيجة، كان لـ”برلين” صيغة المدينة الواقعة تحت الوصاية الدولية، ولكن من سيعيد إعمار سوريا اليوم، وقد جاء الزلزال ليدمّر مالم تدمّره حرب السنوات العشر، وحالها يقول:
ـ بلاد موزعة ما بين سلطتين، كل منهما سلطة أمر واقع، في طرفها الأول سلطة الأسد ومحازبيه، وفي طرفها الثاني سلطة المعارضات الموزعة على ميليشيات وعصابات مسلّحة؟
من سيكون بوسعه إعادة الإعمار إن بقيت صيغة الدولة غائبة هنا، وقلقة هناك؟
بمعنى آخر، من سيعيد إعمار “اللادولة”؟
ثمة واحد من خيارين، أوّلهما تأكيد تقسيم البلاد، بما يجعل لكل سلطة من السلطات المتنازعة دولتها، ومن بعدها لكل منهما تدبير رأسه، ففي الشمال الغربي لسوريا دولة برعاية تركية، أو ربما دولة في طريقها للتحوّل إلى إقليم تركي، وستكون مسؤولية إعمارها مسؤولية الدولة التركية أيّ سيكون حاكمها المقبل.
ودولة دمشق بامتدادها إلى الساحل، ولابد وتكون تحت وصاية ما، روسيّة أو إيرانية، وعلى الأغلب ستكون تحت الوصاية الإيرانية ما بعد انشغال روسيا بأوكرانيا، والاحتلال الإيراني لأجزاء واسعة من سوريا سنجدها أقلّه في ريف دمشق وقد استولى الحرس الثوري على القرى التي هدّمتها الحرب، لتتحول هذه القرى إلى مستوطنات إيرانية في المقبل من الزمن.
والحال كذلك، ستكون الوصاية:
ـ وصاية تركية على مناطق الشمال الغربي.
ووصاية إيرانية على الأراضي الخاصعة شكلياً لبشار الأسد.
النتيجة، وصاية وتقسيم، ما يعني لعنتين معاً.
هل من خيار آخر؟
خيار واحد متبقي، هو الاشتغال على وضع البلاد برمتها تحت الوصاية الدولية، ولن تكون إذا بقيت قبضة النظام مضمومة على البلاد، فأمر كهذا يتطلب التوافق على صيغة لتطبيق القرارات الدولية المتصلة بالنظام والتي تعني رحيله، ومن بعدها تكون الوصاية أقلّه لتلافي التقسيم والبحث عن “مشروع مارشال” جديد يعيد إعمار بلد سيستعصي إعادة إعماره وهو موزع ما بين قوتين:
ـ سلطة أمر واقع.
ـ معارضات وميليشيات ناخت على الأرض بوصفها “أمر واقع”.