تحت عنوان “انتصار بشار الأسد الفارغ” نشر موقع “فورين أفيرز” مقالاً للكاتبة “لينا خطيب”، شككت خلاله بمسألة تحسن الظروف في سوريا لصالح النظام، معتبرةً أن تفاصيل المشكلة تعكس أن “بشار الأسد” ونظامه أصبحا في أسوء حالاتهما، وأكثرها ضعفاً.
وأشارت الكاتبة في مقالها، أن السؤال الجوهري في سوريا، اليوم وبعد تسعة أعوام من الحرب، يدور حول قدرة النظام السوري على توطيد دعائم حكمه قبل إنهاء الحرب التي تجتاح البلاد، وليس بقاءه أو رحيله، مضيفةً: “دخل الأسد الحرب على أمل استعادة المناطق، التي كانت تحت سيطرته قبل عام 2011 لكن ما حققه من أهداف حتى الآن تبدو متواضعة، وهذا لا يجعل من أولويات الأسد أقل خطورة بل ربما العكس”.
واعتبرت “خطيب” أن “بشار الأسد” يسعى جاهداً وبكل القوة المتاحة، لاستعادة كامل الأراضي السورية، بهدف الظهور أمام العالم بأنه الأقدر والأكثر استطاعة على التحكم في سير الأمور في البلاد، بشكل يمكنه من إعادة طرح نفسه وإنتاجها على الساحة الدولية، وتطبيع العلاقة مع نظامه، مؤكدةً أن أولويات النظام حالياً، ستتجه نحو الحفاظ على ما وصفته بـ “شبكة الرعاية” التي تحولت لشريان حياة له طوال الحرب الأهلية، بدلاً من المسارعة للوفاء باحتياجات شعبه.
كما تطرقت الكاتبة خلال المقال، إلى أفضل السيناريوهات التي قد يطمح لها “الأسد”، لافتةً إلى أن الأخير حتى وإن تمكن من استعادة كامل الأراضي السورية وأعاد تقديم نفسه على الساحة الدولية، فإن انتصاره سيكون مجرد رقصة حرب فارغة، كونه سيعتلي رأس نظام يقود دولة فارغة بمؤسسات ضعيفة يستفيد منها المتربحون المستغلون والخانعة للقوى الخارجية.
ولفتت “خطيب في المقال، إلى أن نظام “بشار الأسد”، تمكن من استعادة العديد من المناطق السورية التي كانت خارج سيطرته، خلال الأعوام الماضية، مستفيداً من سلسلة متغيرات وتطورات إقليمية ودولية، من بينها سحب القوات الامريكية من شمال سوريا، والتدخل التركي، الذي فتح أمام محادثات بين الفصائل الكردية المسلحة والنظام، سمحت للأخير بالإنتشار في المناطق الكردية.
إلى جانب ذلك، اعتبرت الكاتبة أنه في حال ولو استطاع النظام تأمين المناطق المتنازع عليها، فسيكون قادراً على الادعاء بأنه استعاد السيطرة على سوريا وبالتالي سيبدأ بالعمل على تطبيع العلاقات مع العالم الخارجي، الأمر الذي يفتح الطريق أمام رفع العقوبات بشكل يؤدي لفتح الباب أمام تدفق الإستثمارات لبدء عمليات إعادة الإعمار.
وبشتى السيناريوهات، أشارت الكاتبة إلى أن أياً كانت نهاية الحرب في سوريا، فإن “بشار الأسد” بشخصه، لن يكون أبداً لاعباً أو شريكاً، وإنما مجرد وكيل للداعم الروسي، الذي سيتحول من وجهة نظرها، إلى أهم لاعب خارجي في البلاد، في حين ستعمل إيران؛ الحليف الثاني للنظام، على تأكيد تأثيرها في منطقة الشرق الأوسط، منوهةً إلى أن سوريا بدأت فعلياً، بمنح كل من إيران وروسيا مميزات اقتصادية وأمنية، مثل العقود الحكومية في قطاع النفط والسيطرة على القواعد البحرية مقابل الحصول على المساعدة في النزاع.
كما أشار المقال إلى أن روسيا وسعت خلال القترة الماضية من تواجدها ونفوذها في سوريا، كما ضغطت لمنح العقود التجارية إلى الشركات الروسية ووضع الموالين لها في المناصب العسكرية البارزة، لافتةً إلى أن موسكو استفادت من أن الولايات المتحدة لا تتعامل مع الوجود الروسي في سوريا كتهديد مباشر لمصالحها، ولهذا لا توجد قيود للحد من قدرة روسيا فرض نفسها على نظام الأسد.
ووفقاً للكاتبة، فإن القوى الخارجية لا تعد الطرف الوحيد، الذي يدين له الأسد بانتصاره، بل هناك قوى داخلية انتعشت أثناء الحرب، لافتةً إلى أن النظام اعتمد على قوى من غير الدول ولاعبين مساعدين، من حملة السلاح أو المدنيين من أجل التحايل على العقوبات الدولية في مجال العقود التجارية والمساعدة في الجهود الحربية والقيام بمهام الدولة مثل توفير الخدمات في المناطق التي لا يتوفر فيها للنظام القدرات أو لا يستطيع الوصول إليها.
وأضافت الكاتبة: “أثرى اللاعبون أنفسهم من النزاع المستمر وكبرت طموحاتهم وسلطتهم، بطريقة تغيرت فيها الأدوار وأصبح النظام تابعاً لهم بدلا من اعتمادهم عليه”، مشيرة إلى أن المتنفذين هم السلطات الفعلية التي تقوم بدور مؤسسات الدولة ولكنها تقوم بالإبتزاز، وان المتربحون من النظام اخترقوا أجهزة الأمن التابعة لـ “لأسد” وعلى كل المستويات، وتحولت بعض الميليشيات التي دعمت النظام في النزاع إلى جيوش مستقلة عنه وتمارس طموحاتها الإقتصادية ومصالحها السلطوية.
كما أشارت “خطيب” إلى أن تلك الميليشيات وفي بعض الأحيان تحولت إلى جيش من العصابات تقوم بتخويف المدنيين في المناطق الموالية للنظام، موضحةً: “نتيجة لهذا لم تكن الدولة قادرة على توفير المتطلبات المعيشية لمناطقها أو الأخذ على يد هذه الميليشيات، ولا يستطيع النظام إرضاء هذه الجماعات من خزينة الدولة ولا حرمانها لأن بقاءه يعتمد على دعمها، ولهذا السبب يرغب الأسد وبيأس رفع العقوبات وعودة الإعمار ليتخلص من شبكات الرعاية والمتربحين”.
وطالب المقال، بضرورة أن يشمل أي عقد إعمار في سوريا توزيعاً عادلا للمال وللشعب السوري بدلاً من ذهابه لشبكات المتربحين، مشيرة إلى أن نظام الأسد توجه خلال الأعوام الماضية لمعاقبة المواطنين الذين اعتبرهم غير موالين بما فيه الكفاية، وقام بحرمانهم من الخدمة والأمن والحقوق، مذكرة بالقانون رقم 10، الصادر في عام 2008، والذي يجرد السكان من أملاكهم إلا في حالة قدموا إثبات الملكية إلى السلطات المحلية وشخصياً.
كما ذَّكر المقال بأن النظام فرض القانون في البلدات التي استعادها من الفصائل المعارضة، معتبرةً أن أي شخص من تلك المناطق، سيجد نفسه عرضة للتحقيق والسجن لو حاول تقديم إثبات الملكية بنفسه، معتبرة أن النظام يسعى من خلال إسكات المعارضة واستعادة المناطق لخلق انطباع عودة سوريا إلى وضع ما قبل 2011، لكن نظامه بني على وهم الدولة وما تبقى لديه من سلطة هي في يد أسياد اللعبة، على حد وصفها.
وختمت الكاتبة مقالها: “بهذه المثابة يجب على الدول الغربية التوقف عن التطبيع مع سوريا لأن الأسد هو الخيار الوحيد الموجود، وعليها فهم سوريا من القاع للقمة بحيث يكون لديها أوراق نفوذ لدعم الشعب السوري والتأكد أن المال المستثمر في البلاد لن يذهب إلى النظام أو شبكات التربح المرتبطة به، وفي النهاية فالأسد يجلس على عرش مكون من ألف قطعة غير متوازنة”.