
مرصد مينا
دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر صحافي مشترك مساء الأربعاء في باريس مع نظيره السوري أحمد الشرع، الولايات المتحدة إلى تسريع رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مشدداً على ضرورة بقاء القوات الأميركية في البلاد لمواصلة محاربة تنظيم “داعش”.
وقال ماكرون إن “من مصلحة الجميع، بما فيهم الأميركيون، دعم جهود رفع العقوبات عن الشعب السوري”، مؤكداً أن بلاده ستبدأ برفع العقوبات الأوروبية تدريجياً لدفع جهود إعادة الإعمار وتسهيل عودة اللاجئين.
كما طالب الشرع بضمان حماية جميع السوريين ومحاسبة المتورطين في أعمال العنف الطائفي.
وفي موقف لافت، ندد الرئيس الفرنسي بالغارات والتوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية، معتبراً أنها لن تضمن أمن إسرائيل على المدى الطويل، وقال: “لا يمكن تأمين دولة عبر انتهاك سيادة جارتها”.
من جهته، أكد الرئيس الشرع أن العقوبات الاقتصادية الأوروبية المفروضة على دمشق “فقدت مبررها” بعد سقوط نظام بشار الأسد، مشدداً في الوقت ذاته على أن “سلامة السوريين تأتي في مقدمة أولويات الحكومة الجديدة”.
وقال الشرع: “العقوبات فُرضت على النظام السابق بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين، لكن هذا النظام قد زال، وبزواله تنتفي أسباب استمرار تلك العقوبات. لا يوجد اليوم أي مبرر لبقائها، وهي تعرقل جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار”.
وأضاف: “نحن نضع سلامة المواطنين السوريين فوق كل اعتبار، وقد أبلغنا الرئيس ماكرون التزامنا بحماية جميع السوريين دون استثناء، والعمل على بناء دولة قانون ومؤسسات تمثل كافة مكونات المجتمع”.
كما أشار الرئيس السوري إلى أن بلاده تجري مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء بهدف تهدئة التوتر، مؤكداً أن العقوبات الأوروبية المفروضة لم تعد مبررة بعد سقوط نظام بشار الأسد، مشدداً على أن أولويته هي سلامة السوريين.
وكان الرئيس الفرنسي قد دعا في كلمته إلى ضرورة ضمان حماية شاملة لكل السوريين، مشيراً إلى أن رفع العقوبات يجب أن يرتبط بتقدم ملموس في ملفات العدالة والحقوق والحريات.
زيارة الشرع إلى باريس، وهي أول زيارة لعاصمة أوروبية منذ توليه الرئاسة، أثارت ردود فعل سياسية متباينة داخل فرنسا، حيث نددت قوى يمينية.
غير أن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو دافع عن الزيارة، معتبراً أن الانخراط مع السلطات السورية الانتقالية ضروري لمكافحة الإرهاب وضبط الهجرة.
وأجرى الشرع لقاءً رمزياً مع فريد المذهان، المعروف بـ”قيصر”، في خطوة تهدف إلى طمأنة الغرب بشأن نية دمشق بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات السابقة.
وتؤكد باريس أنها تتعامل مع دمشق بحذر، مع مطالبتها بنشر نتائج التحقيقات في الانتهاكات الطائفية وملاحقة المسؤولين عنها.
وترى فرنسا أن دعم الحكومة السورية الجديدة مشروط بقدرتها على بسط الأمن بشكل متوازن، وضبط العلاقة مع “قسد”، والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية، رغم إقرارها بصعوبة التأثير على تل أبيب دون تنسيق أميركي مباشر.
وكشفت مصادر مطلعة أن الشرع دخل لقاءه مع ماكرون وهو يحمل أجندة مغايرة لتلك التي أعدتها باريس. فقد ركز الجانب الفرنسي، وفق ما أفادت به مصادر من قصر الإليزيه، على قضايا تتعلق بإرساء دولة القانون، وتشكيل سلطة جامعة تمثل جميع مكونات الشعب السوري، وضمان الحريات وحماية الأقليات، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب، وضبط العلاقة مع “قسد”، وتأمين استقرار الحدود اللبنانية – السورية، ومعالجة ملف اللاجئين.
في المقابل، تمحورت أولويات الوفد السوري حول قضايا اقتصادية بحتة، أبرزها رفع العقوبات الغربية، وتحريك ملف إعادة الإعمار، إلى جانب التحديات الأمنية الداخلية، والتصعيد الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية.
ونقل عن دبلوماسي عربي قوله إن دمشق تراهن على دور فرنسي فاعل داخل الاتحاد الأوروبي لدفع باتجاه تخفيف العقوبات، خاصة بعد إلغاء القيود على قطاعي النقل والطاقة في فبراير الماضي.
إلا أن الاهتمام السوري يتركز حالياً على رفع العقوبات الأميركية ذات الطابع المالي، والتي تعيق وصول التمويل الخارجي والمساعدات الضرورية لإطلاق عملية إعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد الوطني المنهك.