كثيرًا ماردد الأتراك كلامًا من مثل “تركيا ـ أذربيجان شعب واحد في دولتين”، وهاهي تركيا تفتح جبهة جديدة في أذربيجان بعد جبهتيها في ليبيا والعراق ومن قبلهما جبهة في سوريا.
أحزاب تركية في موقع المعارضة، تختلف مع الرئيس رجب طيب إردوغان في أكثر من ملف في السياسة الخارجية، غير أنها تلتقي معه في الوقوف، من منطلق قومي، مع أذربيجان، لذا أصدرت الأحزاب الرئيسية في البرلمان بياناً مشتركاً يندّد بما وصفوه اعتداءً أرمينياً على أذربيجان. وانضم وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بالتعبير عن الدعم الكامل لأذربيجان، فيما وصف إردوغان تصرفات أرمينيا بأنها محاولة تتخطّى حجمها.
ـ إنها العصبية التركية التي تجمع المعارضة بالنظام.
أحزاب ونظام يلتقيان في مناخات ضبابية عن أهداف التصعيد المستجد وموقف أنقرة وموسكو منه:
– المتابعون للحرب الأذربيجانية ـ الأرمنية ومن بينهم الباحث الاكثر تعمّقًا في الشأن التركي محمد نور الدين يرون في بعض ما يتداول أن “هناك صراعاً بين أجنحة السلطة في أذربيجان، بحيث يسعى الرئيس إلهام علييف ونائبته التي هي زوجته، مهربان علييفا، للتخلص من الحرس القديم الذي كان يقف حجر عثرة أمام تحسين العلاقات مع الاتحاد الروسي”. من هنا، كانت إقالة وزير الخارجية ألدار ميميدياروف، وتعيين جيحون بايراموف بدلاً منه. وكانت مهربان قد زارت روسيا في الخريف الماضي في إطار تعزيز العلاقات مع موسكو، وقلّدها الرئيس فلاديمير بوتين «ميدالية الصداقة». وجاءت الاشتباكات الأخيرة فرصة للتخلص من بعض المعارضين في الداخل الأذري للرئيس علييف.”
وفي الإطار نفسه، فإن الكاتب تشيتينير تشيتين في صحيفة «خبر تورك» يكتب أن روسيا ترى أن مواجهة محاولات الولايات المتحدة عزل روسيا عن المنطقة في ليبيا وشرقي المتوسط والقوقاز لا يكفي فقط من خلال إقامة علاقات جيّدة مع أرمينيا، بل لا بد من إقامة علاقات جيدة مع باكو. من هنا، كان بيع روسيا لمنظومة صواريخ «أس – 300» إلى باكو محطة في مسار تطوير العلاقات بين الطرفين”.
• ما الجديد وما موقف أنقرة؟
الجديد هذه المرة الذي لفت انتباه المراقبين، ومنهم السفير التركي السابق في باكو أونال تشيفيك أوز، هو موقع الاشتباك في منطقة طوفوز الأذرية التي تقع على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان مباشرة وبعيدة جغرافياً عن منطقة قره باخ ولا صلة لها بالتالي بأزمة قره باخ. وهذا، برأي تشيفيك أوز، قد يفتح نقطة توتر جديدة بين تركيا وروسيا، والأفضل لتركيا، قبل أن تتفاقم الأمور، أن تحتوي الموقف بخطوات دبلوماسية. كذلك تقع طوفوز على مقربة من الحدود الجورجية. ومن مزاياها الاستراتيجية أن بقربها يمر خط أنابيب باكو – تبليسي – جيحان الشهير للنفط والغاز وخط السكة الحديد الرئيسي والأوتوستراد البري الواصلان بين باكو وتبليسي.
في التفاصيل فإن منطقة طوفوز ليست منطقة متنازعاً عليها بين أذربيجان وأرمينيا، بخلاف مناطق أخرى في قره باخ وخارجها، وهذا يعني أن التوتر الجديد يتجاوز بأهدافه ما سبق أن نظر إليه من عوامل تقليدية. الموقع الاستراتيجي لطوفوز دفع بالمحلل العسكري العقيد المتقاعد أونال أتاباي إلى القول إن من مصلحة روسيا توسيع جبهة الصراع ضد تركيا التي تضغط على روسيا في ليبيا وسوريا وشرقي المتوسط. واستجرار الضغط على تركيا بتحريك جبهة القوقاز مناسب نظراً إلى أن تركيا قد لا تستطيع تحمّل فتح عدة جبهات عسكرية دفعة واحدة، فتكون جبهة القوقاز ورقة مساومة بيد روسيا تجاه تركيا ومن ورائها الولايات المتحدة في الملف الليبي.
محمد نور الدين لايشك أن “روسيا في موقع الأقوى في الصراع في القوقاز نظراً إلى أن العلاقات بين باكو وأنقرة ليست مستقرة حيث تنظر أنقرة”، ويستند نور الدين في يقينه هذا على خلاصات للكاتب التركي مراد يتكين، الذي ينظر بحذر إلى التقارب الروسي – الأذري. لذا تكتفي تركيا اليوم بالقيام بطلعات جوية عسكرية على الحدود مع أرمينيا وتقديم مساعدات لوجستية واستشارية وعدم التوغل في ردود قد تفضي إلى جرها إلى حرب ليست مستعدة لها. كذلك، فإن تركيا ليست مرتاحة كثيراً للموقف الأذري ويتسم سلوكها بالتردد، نتيجة اعتقادها أن باكو تلعب لعبة مزدوجة: تتحدث مع أنقرة بالتركية، وتتحدث مع موسكو بالروسية، كما يلفت فهمي طاشتكين في صحيفة “غازيتيه دوار”.
– ومما قد تستهدفه روسيا من تحريك جبهة طوفوز هو الضغط على تركيا وعلى أذربيجان بشأن خط باكو جيحان المار قرب طوفوز وإمكانية تعطيله بذريعة العمليات العسكرية، وهو ما سيوجّه ضربة قاسية للتعاون الاقتصادي بين تركيا وأذربيجان وجورجيا، ومن ورائهم الولايات المتحدة، علماً بأن روسيا، كما أرمينيا، متضررة جداً من هذا الخط الذي يشكّل بديلاً لخطوط النفط والغاز الروسية ويهمّش أرمينيا ويحرمها من عائدات مالية والانفتاح على الخارج فيما لو كان الخط يمر في أراضيها. ويرى سفير تركيا السابق في باكو بين عامي 1996 و1998 فاروق لوغ أوغلو، أنه ليس من مصلحة روسيا استقرار القوقاز لتبقى أرمينيا وأذربيجان بحاجة إلى روسيا وتوسطاتها.
– ونظراً إلى العلاقة الجيدة بين فرنسا وأرمينيا، فإن فرنسا ليست بعيدة عن مثل هذه الضغوط على تركيا التي تتحدّى منذ أشهر فرنسا في شرقي المتوسط وفي ليبيا، وتتحدّى الغرب بتحويل «آيا صوفيا» إلى جامع.
حتى الآن، لا تبدو التطورات مقبلة على تصعيد، لكن إذا كان من رسائل محددة من هذا الطرف أو ذاك فقد وصلت. والأنظار الآن إلى مآلات الجبهات الأخرى، ولا سيما في ليبيا، وما إذا كانت رسائل طوفوز ستجد من يصغي إليها أو لا.