مرصد مينا – هيئة التحرير
صدر مؤخرا، التقرير النهائي لدائرة المحاسبات التونسية (محكمة مختصة في جرائم الفساد والجرائم الانتخابية)، ليكشف جرائم انتخابية ارتكبتها حركة النهضة الممثلة في البرلمان بـ 54 نائبا وحليفها حزب قلب تونس الممثل بـ 30 نائبا، وذلك عبر تعاقدهما مع أطراف اجنبية وشركات دعاية سياسية قصد الضغط وكسب التأييد، سواء بصفة مباشرة أو عبر اسداء خدمات لفائدته، وهو ما يتعارض مع القانون التونسي.
القروي والغنوشي متورطان
وقد استندت دائرة المحاسبات في أعمالها الرقابية، على عدة قرائن توفرت من خلال وثائق تحصلت عليها وقامت بفحصها، من ذلك إبرام عقد تأييد مع شركة ضغط أجنبية “Mason and Dickens ” بتاريخ 19 أوت 2019 بقيمة حوالي 2.85 مليون دينار لفائدة المترشح نبيل القروي، ولتنفيذ بنود هذا العقد تم خلاص جزء من قيمته بمبلغ 712.6 ألف دينار، وفق ما أثبتته أعمال التقصي.
ومكّن فحص الحسابات المودعة لدى محكمة المحاسبات، والتقاطعات التي قامت بها بالاعتماد على البيانات والمعطيات المتوفرة لديها، من الوقوف خاصة على عدم التصريح بموارد، وعدم بيان مصادر بعض التمويلات، وعدم احترام إجراءات قبض الموارد، وفق ماجاء في التقرير.
وأوضح التقرير أن المترشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي، شارك في عدد من أنشطة جمعية “خليل تونس ” التي روج لها عبر برنامج تلفزي بقناة “نسمة” الخاصة. وجاء في التقرير ايضا أنه من شأن مشاركة مترشح للانتخابات الرئاسية في إنجاز الأعمال الخيرية أن يخفي حملة انتخابية سابقة لأوانها لفائدة المترشح المذكور، وهو ما يخالف أحكام الفصل 18 من قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمتعلق بضبط قواعد تمويل الحملة الانتخابية وإجراءاته وطرقه.
وأضاف التقرير، أنه تم الوقوف على تمويلات أجنبية مجهولة المصدر تم تحويلها إلى جمعية “خليل تونس “التي شارك في أنشطتها المترشح نبيل القروي، عن طريق منصة “”Eurogiro وذلك في غياب أي تنصيصات تتعلق بهوية المانح، بما يخالف أحكام الفصل 99 من القانون الأساسي عدد 26 المؤرخ في 7 أوت 2015 والمتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال.
كما أن المرشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي أبرم عقداً مع مؤسسة أجنبية بقيمة 2.85 مليون دينار، وتم التأكد من تحويل 427.5 ألف دينار منها إلى حساب بالخارج غير مصرح به لدى البنك المركزي لزوجته، تم الإنفاق منه على الحملة الانتخابية.
كما كشفت القاضية فضيلة القرقوري رئيسة دائرة المحاسبات أن حركة النهضة قامت بإبرام عقود مع شركة للدعاية والضغط بدأ العمل بها منذ سنة 2014، وإبرام عقد تكميلي إلى غاية ديسمبر 2019، وتم دفع مبلغ قيمته أكثر من 187 ألف دولار ككلفة خدمات تم تنفيذها. وأوضحت القرقوري أن هذا التعاقد يمس بكل مبادئ الحملة، وخاصة تكافؤ الفرص، وأن هذه العقود هدفها الدعاية وكسب التأييد، مبينةً أنه وبالنظر إلى ما يشوب هذه العقود من شبهات حول تمويل أجنبي، فقد عهد إلى الهيئات القضائية بمحكمة المحاسبات استكمال التحقيق في هذه الوقائع، وترتيب الآثار القانونية المتعلقة بها إلى جانب الشبهات في التمويلات الأجنبية على مستوى تأدية النفقات.
زلزال سياسي
وشكل التقرير، زلزالا سياسيا أثبت مدى إجرام الإخوان وحلفائهم وأساليبهم الملتوية في كسب الأصوات وشراء الذمم.
ويرجح أن تكون هناك تبعات لهذا التقرير في الأسابيع القادمة، تصل إلى إمكانية إسقاط مقاعد حركة النهضة وحزب قلب تونس بالبرلمان، وقد تمتد إلى حل المؤسسة التشريعية في حال تنفيذ القانون. حيث أعلنت مجموعة من الأحزاب والشخصيات الوطنية، اعتزامها تقديم قضية عدلية في الأيام المقبلة، لتتبّع كلّ من سيكشف عنه البحث وتسليط عقوبات صارمة حسب ما يقرّه القانون الانتخابي التّونسي وإنارة الرأي العام بكلّ المعطيات الإضافية.
وجاء في البيان المشترك الذي أصدرته هذه الأحزاب والشخصيات، أنّ الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019، لم تستند إلى شرعيّة الاختيار الشّعبي الحرّ بقدر ما استندت إلى سلطة المال الفاسد والتمويل الأجنبي وتدخّل مؤسسات ولوبيات خارجية ومؤسسات الأخبار الزائفة والتزييف. واعتبرت أن هذه الفضيحة الانتخابية تعد انتهاكاً للسيادة الوطنية، وتهديداً للأمن القومي لتونس، علاوة على ما فيها من تزييف لإرادة الشعب وتعفين للديموقراطية في تونس على محدوديتها وهشاشتها.
وبينت أن التدخل الخارجي والتمويل والدعم الإعلامي والمالي اللامحدود الذي تحصلت عليه أحزاب وشخصيات بعينها من شبكات ولوبيات خارجية، غايته تحقيق أهداف إستراتيجية لدول ولوبيات وأجهزة مخابرات في تونس من خلال تصعيد هذه الجماعات والأحزاب والشخصيات التي أوصلت البلاد إلى الإفلاس وستؤدي قريباً إلى الوصاية الأجنبية بحسب ذات البيان.
ودعت ذات الأحزاب والشخصيات الوطنية، الموقعة على البيان، إلى التحرك بجدية إزاء هذه “الفضيحة والجريمة”، واتخاذ ما يلزم من القرارات السياسية والإجراءات القضائية والعملية.
وحمل البيان توقيع كل من حركة “تونس إلى الأمام” و”حزب العمال” و”الحزب الوطني الديموقراطي الاشتراكي” و”حزب القطب” و”التيار الشعبي” و”اتحاد القوى الشبابية” و”حزب حركة البعث” و”الاتحاد العام لطلبة تونس” و”اللجنة الوطنية لمناضلي اليسار”، ومجموعة من المستقلين.
إمكانية سحب المقاعد في البرلمان
وقد تفاعل الرأي العام التونسي مع تقرير دائرة المحاسبات داعياً إلى ضرورة إعطاء التقرير أهمية كبرى والوقوف عند هذه التجاوزات ومحاسبة مرتكبيها.
حيث اعتبر أستاذ القانون الدستوري والرئيس السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات شفيق صرصار، أن ما تضمنه تقرير محكمة المحاسبات المتعلق بتمويل الحملة الانتخابية يطرح من جديد مسألة الإفلات من العقاب خاصة مع وجود عدة دعاوى سابقة تقدمت إلى النيابة العمومية تتعلق بتجاوزات كبرى وإلى اليوم لا نتيجة لها، وفق قوله.
وأكّد أن القانون الانتخابي الحالي ينص على سحب المقاعد في البرلمان في حالة ثبوت التمويل الاجنبي لأي حزب، مشيراً إلى أن العقوبات يمكن أن تكون عقوبات تجاه الأحزاب المتورطة وفق المرسوم 87 المنظم للأحزاب، والذي يمنع التمويل الأجنبي، أو كذلك تتبع وتحميل المسؤولية الجزائية لمن يتحمل مسؤولية أي جريمة.
ودعا أستاذ القانون الدستوري المشرع إلى ضرورة إصلاح المنظومة الانتخابية قبل أي موعد انتخابي مقبل، خاصةً فيما يتعلق بمراقبة تمويل الحملة لضمان الشفافية واستعادة الثقة في الانتخابات وتنفيذ العقوبات في حالة وجود تجاوزات.
فتح تحقيق
من جهته، افاد المتحدث باسم المحكمة الإبتدائية بتونس، محسن الدالي، ان تعليق عضوية بعض النواب في البرلمان “أمر وارد”، على خلفية تقرير محكمة المحاسبات الأخير حول انتخابات 2019.
واعتبر الدالي، أن هذا القرار يمكن اتخاذه من قبل الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات ودائرة المحاسبات. ولفت إلى أن النيابة العامة فتحت تحقيقات تتعلق بمسألة “اللوبيينغ والتدخل الأجنبي، وقد تم سماع هذه الأحزاب.
من جانبها، أكدت منى كريم أستاذة القانون الدستوري بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، أن العقوبات التي تدين الجرائم الانتخابية تصل إلى سجن المسؤول الأول عن الحزب خمسة سنوات سجنا، كما أنها تقضي بإسقاط القائمة وحرمانها من التواجد داخل البرلمان.
وقال كريم إن المحكمة ستنظر في الوثائق التي ستعرضها الأحزاب المذكورة، ومن ثمة ستصدر أحكامها التي قد تصل ـ في حال الإدانة ـ إلى إيقاف عمل تلك الأحزاب داخل البرلمان.
ويرى مراقبون أن تقرير دائرة المحاسبات ينبئ بسقوط رؤوس سياسية مرتبطة بحركة النهضة، وعلى رأسها زعيمها راشد الغنوشي، باعتباره المسؤول القانوني الأول عن الحزب.