مرصد مينا
أعلنت الداخلية البريطانية موافقتها على تسليم مؤسس ويكيليكس، جوليان أسانج للولايات المتحدة الأمريكية، وكشفت وزيرة الداخلية بريتي باتيل عن القرار، الذي أدى إلى الانتقادات من موقع ويكيليكس، ومنظمات حقوقية.
ولايزال امام أسانج 14 يوما، للطعن في قرار باتيل، أمام المحكمة، فيما قالت الداخلية البريطانية، إن المحاكم وجدت أن عملية التسليم، “لا تنتهك حقوق الإنسان” وإن أسانج في الولايات المتحدة “سيتلقى معاملة مناسبة”.
وكانت المحكمة البريطانية قد أصدرت حكمها قبل نحو 3 أشهر، في قضية أسانج، قالت فيه، إنها لم تجد أي مصدر للقلق، في الضمانات الأمريكية، المقدمة لبريطانيا، بخصوص معاملة أسانج بعد تسليمه.
من هو جوليان أسانج؟
يعد جوليان أسانج في نظر أنصاره أحد الباحثين المناضلين بقوة من أجل الوصول للحقيقة. لكنه في نظر منتقديه شخص يبحث عن الشهرة عرّض حياة كثيرين للخطر من خلال نشره كمّا هائلا من المعلومات الحساسة.
ويُوصف أسانج من قبل من عملوا معه على أنه شخص متحمس للغاية وفائق الذكاء، ويتمتع بقدرة استثنائية على فك شيفرات برامج الكمبيوتر.
في عام 2006، أسس أسانج موقع ويكيليكس، الذي يهتم بنشر الوثائق والصور، والذي تصدر عناوين الصحف في أنحاء العالم في أبريل/ نيسان عام 2010 حينما نشر لقطات تظهر جنودا أمريكيين يقتلون بالرصاص 18 مدنيا من مروحية في العراق، لكن في وقت لاحق من العام نفسه اعتقلته بريطانيا بعد أن أصدرت السويد مذكرة اعتقال دولية بحقه بسبب اتهامه بالاعتداء الجنسي.
وتقول السلطات السويدية إنها تريد استجواب أسانج بشأن اتهامه باغتصاب امرأة والتحرش بأخرى وممارسة الجنس معها عنوة في أغسطس/ آب من هذا العام حين كان في زيارة إلى ستوكهولم لإلقاء محاضرة. ويقول أسانج إن ممارسته الجنس مع المرأتين كانت بإرادة كل منهما، وفق بي بي سي.
لجوء سياسي
قضى أسانج الشهور التالية في معركة قضائية لرفض تسليمه للسويد وهو قيد الإقامة الجبرية في بلدة ريفية صغيرة في إنجلترا. وأقرت محكمة جزئية تسليم أسانج في فبراير/ شباط عام 2011، وهو ما أيدته لاحقا المحكمة العليا، وفي 14 يونيو/ حزيران عام 2012، رفضت المحكمة العليا طلبه لإعادة النظر في الطعن المقدم في القضية.
وبعد مرور أيام قليلة، لجأ أسانج إلى سفارة الإكوادور بلندن، حيث مكث هناك بعد أن منحته هذه الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية حق اللجوء السياسي في 16 أغسطس/ آب عام 2012.
ويخشى أسانج أن تسلمه السويد إلى الولايات المتحدة وأن يُحاكم هناك بسبب نشره معلومات أمريكية سرية، وكانت الحكومة البريطانية قد قالت إنها لن تسمح له بخروج آمن إلى الإكوادور إذ أنها ملزمة من الناحية القانونية بتسليمه إلى السويد. وأكدت وزارة الخارجية السويدية أن السبب الوحيد في رغبتها تسلم أسانج هو إمكانية التحقيق بشكل مناسب في الاتهامات الموجهة ضده.
وأسقط الإدعاء السويدي التحقيق في اتهامات الاعتداء الجنسي بحق أسانج في 13 أغسطس/ آب عام 2015 بعد انقضاء الفترة المحددة للتحقيق وتوجيه الاتهام. لكن أسانج لا يزال يواجه اتهاما آخر أكثر خطورة يتعلق بالاغتصاب.
ضوء غير موات
أبدى جوليان أسانج تحفظا إزاء التحدث عن خلفيته، لكن الاهتمام الإعلامي منذ ظهور ويكيليكس ألقى بعض الضوء على تأثير هذا الرجل.
ولد جوليان أسانج في عام 1971 في تاونسفيل بولاية كوينزلاند، شمالي أستراليا، وعاش طفولته في ترحال مع والديه اللذين كانا يديران مسرحا جوالا. ورزق بطفل وهو في ربيعه الثامن عشر، وسرعان ما خاض معارك قضائية بشأن حق الحضانة.
وفر له تطور الانترنت فرصة لاستخدام تفوقه في مجال الرياضيات، لكن ذلك بدوره تسبب له في مصاعب.
ففي عام 1995، واجه مع صديق له اتهامات بارتكاب عشرات من أعمال القرصنة الإلكترونية، ودفع أسانج كفالة قدرت بعدة آلاف من الدولارات الأسترالية كي يظل خارج السجن وبشرط عدم تكرار فعلته، ثم أمضى بعد ذلك ثلاثة أعوام يعمل مع الأكاديمية سويليت دريفوس التي كانت تجري أبحاثا تتعلق بالجانب التخريبي الناشئ من الإنترنت، وأعد معها كتاب “العالم السفلي” Underground الذي بات من الأكثر مبيعا بين المؤلفات المتعلقة بالكمبيوتر.
ووصفت دريفوس أسانج بأنه “باحث ماهر جدا” كان لديه “شغف بمفهوم الأخلاق ومفاهيم العدالة، وماذا يجب على الحكومات فعله وعدم فعله”، وأعقب ذلك دورة للرياضيات والفيزياء التحق بها في جامعة ملبورن، حيث بات عضوا بارزا في قسم الرياضيات، وابتكر مسألة رياضية دقيقة صنفها المعاصرون على أنها ممتازة.
دشن أسانج موقع ويكيليكس في عام 2006، مع مجموعة من أصحاب أفكار مماثلة لأفكاره، مبتكرا ما يُطلق عليه “علبة رسائل ميتة” على الإنترنت، لمن يريد أن ينشر تسريبات.
وقال أسانج لبي بي سي في عام 2011 “بهدف إبقاء مصادرنا في أمان، كان علينا أن نوزع الأصول، ونشفر كل شيء، ننقل الاتصالات السلكية واللاسلكية وكذلك الأفراد حول العالم لتفعيل قوانين الحماية في دول تشريعاتها القضائية مختلفة”.
وأضاف “لقد أصبحنا بارعين في ذلك، ولم نخسر يوما قضية أو مصدرا، لكن لا يمكننا أن نتوقع أن يفهم الجميع الجهود الاستثنائية التي نبذلها”.
أسانج تبنى نمط حياة أشبه بالبدو الرحالة ليدير ويكيليكس من مواقع مؤقتة ومتغيرة، وبحسب مراسل مجلة “نيويوركر” رافي كتشادوريان، يمكن لأسانج أن يمضي أياما عدة بلا طعام، مُركزا على العمل بدون النوم لساعات كافية.
ويضيف “إنه يخلق هذا الجو من حوله، بحيث يجعل القريبين منه يرغبون في الاعتناء به حتى يستمر في العطاء. ربما لهذا علاقة بالكاريزما (الجاذبية) التي يتمتع بها”، وقال دانيال شميت، أحد الشركاء المؤسسين، إن أسانج “واحد من قلة يهتمون حقا بالإصلاح الإيجابي في العالم، إلى حد يجعلك ترغب بفعل أمر جذري قد يوقعك في خطأ، فقط من أجل فعل شيء يؤمنون به”.
ويكيليكس نشرت وثائق من بلدان مختلفة، لكنها لم تشغل عناوين الصحف إلا عندما نشرت شريط فيديو لمروحية أمريكية تطلق النار على مدنيين في العراق في أبريل/ نيسان عام 2007. وتسببت اللقطات التي نقلتها وسائل الإعلام بصدمة واسعة في العالم.
ودخل أسانج إلى دائرة الضوء حينما دافع عن شريط الفيديو إضافة إلى نشر وثائق عسكرية أمريكية سرية عن حربي العراق وأفغانستان في يوليو/ حزيران وأكتوبر/ تشرين الأول عام 2010.
واستمر الموقع في نشر كميات جديدة من الوثائق من بينها خمسة ملايين رسالة بريد إلكتروني سرية من شركة الاستخبارات “ستراتفور”، ومقرها الولايات المتحدة. لكن الموقع وجد نفسه يناضل من أجل البقاء في عام 2010 عندما بدأ عدد من المؤسسات المالية الأمريكية بحجب التبرعات عنه.
معركة قضائية مريرة
بذلت السويد جهودا كبيرة لاستجواب أسانج بشأن الاتهامات الموجهة ضده بالاعتداء الجنسي، وقال أسانج إن هناك دوافع سياسية تقف وراء هذه الاتهامات، وإنها جزء من حملة تشويه ضده وضد موقعه الذي يهتم بالكشف عن الأسرار، ثم تقدم أسانج بشكوى إلى لجنة ليفسون البريطانية التي تنظر في المعايير الصحفية، وقال إنه واجه “تغطية إعلامية غير دقيقة وسلبية على نطاق واسع”.
ويخوض أسانج معركة قضائية مريرة منذ اعتقاله في لندن في ديسمبر/ كانون الأول عام 2010. وأمضى ثماني ليال في السجن قبل إطلاق سراحه ووضع تحت الإقامة الجبرية دون توجيه تهمة له.
وحصل أسانج على الحق في تقديم التماس بصورة مباشرة إلى المحكمة العليا في المملكة المتحدة، في إطار معركته ضد طلب تسليمه، لكن قضاة المحكمة رفضوا الطعن الذي تقدم به.
ولجأ أسانج إلى رئيس الإكوادور السابق رافائيل كوريا للمساعدة، إذ كان الاثنان قد أعربا في السابق عن آراء متشابهة بشأن الحرية. وخلال مقابلة مع برنامج تلفزيوني على قناة روسيا اليوم، أشاد كوريا مرارا بويكيليكس ونشاطها، ومن حين لآخر، تخللت إقامة أسانج في سفارة الإكوادور تصريحات صحفية ومقابلات.
وفي سبتمبر/ أيلول 2014 شكا أسانج إلى الأمم المتحدة أنه “محتجز تعسفيا” لأنه لا يمكنه المغادرة دون أن يعتقل، وأصدرت اللجنة الأممية قرارا لصالح أسانج في فبراير/ شباط عام 2016، وقالت إنه “اعتقل تعسفيا”، وأن له الحق في التحرك بحرية وفي الحصول على تعويض بسبب “حرمانه من الحرية”.
وهذا القرار ليس ملزما من الناحية القانونية لبريطانيا. وقد قالت وزارة الخارجية البريطانية إن هذا القرار “لن يغير شيئا”.