بيع قطر لـ “الأوهام”، التقطه اللبنانيون، وباتوا على ثقة من حقائقه، فبعد ستة أشهر على وعود قطر بمساعدة لبنان مالياً، تبيّن أن الأمر زائف وكلام بكلام.
وفي تقرير نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية، وهي القريبة من إيران، الصديق الجديد لقطر، جاء بأن قطر تعهدت باستثمار 500 مليون دولار في سندات الخزينة بالعملة الأجنبية (يوروبوندز) ولم يظهر أي أثر لهذا المبلغ بعد، وتابعت الصحيفة:”قطر اشترت سندات يوروبوندز. قطر لم تشترِ السندات.
على وقع هذه المعزوفة عاشت الأسواق المالية ستة أشهر. فترة كاملة من ارتفاع الأسعار ونزولها. كلما لاحت هزّة ما في أفق أسعار السندات، استعادت الأسواق واحداً من الوعود القطرية لتعيد بناء الوهم”. وأضافت الصحيفة:” تراكم فوق هذه الوعود طبقات من التفاؤل والتصاريح، كان آخرها تصريح وزير المال علي حسن خليل لـ;laquo;رويترز;raquo;، مشيراً إلى أن ;laquoالكلام القطري عن شراء سندات لبنانية جدّي ويعبّر عن التزام الدوحة وعدَها لدعم الاستقرار المالي في لبنان;raquo
هو الوهم الذي يصدّقه اللبنانيون
يبحثون عن ;laquo;بصيص خبرية;raquo; للتمسّك بها في وجه المؤشرات السلبية المتسارعة، فما تبيّن، حتى أمس، أي بعد مرور ستة أشهر، أن قطر تبيع الكلام.
القصّة بدأت في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بيروت أواخر شهر كانون الثاني الماضي. يومها، أعلن نائب رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في تصريح نقلته ;laquo;وكالة الأنباء القطرية;raquo;، أن بلاده ستشتري سندات خزينة لبنانية بالعملات الأجنبية (يوروبوندز) بقيمة 500 مليون دولار.
وقال آل ثاني إن هذه الخطوة “جاءت بعد مساعٍ بذلها وزير الخارجية جبران باسيل مع أمير قطر في قمة بيروت”.
ردود الفعل في لبنان تحوّلت إلى سيل من تصريحات الشكر على ;laquoالمكرمات;raquo;، وعن سياسة النأي بالنفس التي استفاد منها لبنان في جذب دعم قطر، إلا أنه مضت ستة أشهر على هذه التصريحات من دون أن يظهر أي أثر للدعم الموعود.
بل على العكس، تسارعت وتيرة ظهور المؤشرات المالية السلبية عن نمو لبنان بمعدل 0.25% في 2018، وتوقعات بتقلص الاقتصاد بمعدل 1% في 2019، فضلاً عن تباطؤ التدفقات النقدية وارتفاع عجز ميزان المدفوعات إلى حدود قياسية في فترة قصيرة، بالإضافة إلى اتساع هوامش التذبذب في سوق السندات اللبنانية المتداولة في الأسواق الدولية.
بحسب مصادر مطلعة حسب الصحيفة ;laquo;لم تظهر أي إشارات من الجانب االقطري عن استعداده لتقديم الدعم المالي للبنان، لا في مجال الاستثمارات، ولا في مجال السياحة، إذ مرّ عيد الفطر ولم تترجم الكلام والوعود”.
قصة قطر معزّزة بمعطيات. يقول العاملون في السوق المالية، إنه لوحظ في شباط الماضي عمليات شراء سندات ;laquo;يوروبوندز;raquo; من قبل جهات قطرية بقيمة لا تتجاوز 60 مليون دولار.
العمليات جرت بين الجهات القطرية ومستثمرين أجانب. “بعد ذلك، لم تحصل أي عمليات، بل بدا كأن القطريين اكتفوا بهذا المبلغ الزهيد”.
ويعلق هؤلاء على التصريح الأخير المنقول بواسطة ;laquo;بلومبرغ;raquo; عن مسؤول قطري رسمي (مجهول الاسم) يؤكد فيه التزام قطر شراء سندات بقيمة 500 مليون دولار، بأنه “كلام لم نرَ ترجمة له في السوق، بل بات يثير الشكوك نظراً للتصريح المجهول المصدر ومرور كل هذا الوقت على التصريح”.
الصحيفة اتصلت أيضاً بعدد من المصرفيين الذين قالوا إنهم لم يبيعوا سندات ;laquo;يوروبوندز;raquo; لأيّ جهة قطرية أو جهة تعمل لحساب الحكومة القطرية، “بل لم تحصل أي عمليات تداول على سندات الـ;laquo;يوروبوندز;raquo; في السوق، كمّاً وعدداً، تشي بأن القطريين أو غيرهم اشتروا سندات ;laquo;يوروبوندز;raquo;، ما يعني أن تصريح المسؤول الرسمي القطري ليس سوى جعجعة بلا طَحْن”.
وما يعزّز هذا الاستنتاج، أن ;laquo;مصرف لبنان لم يبع أيضاً أي سندات ;laquo;يوروبوندز;raquo; للقطريين، أما المصارف فلا يمكنها أصلاً أن تبيع السندات التي تحملها في محافظها، لأن السعر الرائج اليوم لهذه السندات أدنى من قيمة السندات يوم اشترتها المصارف، وبالتالي إن بيع السندات من المصارف يرتّب عليها خسائر لا يمكنها تحمّلها في الظروف الحالية.
لكن ماذا لو اشترت قطر سندات من السوق الثانوية بالقيمة التي تحدثت عنها، أي من الأجانب؟ يجيب المطلعون بالآتي: يحمل الأجانب سندات يوروبوندز بقيمة تصل إلى 9 مليارات دولار، فيما يحمل مصرف لبنان والمصارف اللبنانية 21 مليار دولار، وبالتالي إن أي تداولات تجري خارج السوق اللبنانية لا تضخّ أي دولارات إضافية في لبنان.
استفادة لبنان من أي مبلغ مالي في سوق السندات، يجب أن يكون عبارة عن دولارات إضافية تأتي إلى لبنان، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا عبر الاكتتاب بسندات جديدة تصدرها وزارة المال، وهو أمر لم يحصل بعد، أو عبر شراء السندات من اللاعبين المحليين، أي من المصارف أو مصرف لبنان، وهو أيضاً أمر لم يحصل بعد.
مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.