بعد أن اكتشفوا “شياطين النار”.. أنا نادم ياسيدي

ترافقت حرائق الغابات في الساحل السوري منتصف العام، بحرائق على امتداد جبال لبنان، كما في مناطق متعددة من إسرائيل.

يومها، ذهبت كل القراءات أقله في لبنان وإسرائيل، إلى إحالة الحرائق للانحباس الحراري، وبعضها حكى عن أخطاء بشرية، ليس وراءها غرف سوداء، ولا صناديق سوداء، ولا مؤامرة كونية،  فالانحباس الحراري لاتقرره مجموعة من البشر الملثمين.

اليوم، يخرج الإعلام السوري بالتبشير أنه قبض على مضرمي النيران، اكثر من ذلك على تمثيل الجريمة، وسيل الاعترافات، وبطبيعة الحال، لابد من مؤامرة ومتآمر على محور الصمود.

درج السوريون على استخدام:

ـ أنا نادم ياسيدي.

وأنا نادم هذه، كانت تتكرر عبر برنامج تلفزيوني اسبوعي، يقدمه مذيع “الشرطة في خدمة الشعب”، وهو المذيع  نفسه الذي يغطي أخبار الاحتفالات الدينية، ليظهر صباحًا برداء رجل الأمن، ومساء بجلباب الداعية المتزهد الفقيه.

اليوم، وحسب التلفزيون الرسمي،  يقبض على مامجموعه حفنة من مضرمي النيران الذين تسللوا خلسة الى الغابات، وبأيديهم (غالونات) البنزين، ليلقوا بالبنزين على الأشجار، فتكون الحرائق، ويكون بعدها زيارات متكررة للسيد الرئيس بتغطية من التلفزيون الرسمي (ما من تلفزيون غير رسمي في سوريا)، ليؤكد لمشاهديه (غالبًا ليس له من يشاهده)، بأن (السلطات الأمنية) قبضت على العصابات مضيفة “وسط موجة كبيرة من المطالبات الشعبية بإعدام منفذي الحرائق الذين تم القبض عليهم من قبل السلطات السورية وأثبتت التحقيقات تورطهم في افتعال الحرائق بتمويل خارجي”.

الأسئلة التي تحمل روح النكتة، وقد باتت النكات ملعبًا حيويًا للسوريين، أقله أن التراجيديات الكبرى لابد وتترافق من ملهاة كبرى، تركزت حول:

ـ ومن أين أتت العصابات بالنزين؟

ثم يستطردون بالضحك، مذكرين الامتدادات الهائلة للسيارات المنتظرة دورها للحصول على البنزين، حتى ثمة من بات من السائقين، يجلب معه لحافه، وربما طاولت النرد بانتظار أن تفرج المحطات عن خمس ليترات من البنزين.

هذا عن الجماهير (المحتشدة)، المطالبة بإنزال أقسى االعقوبة على المجرمين.

أما عن الناس الذين مازالوا يتساءلون، فثمة أسئلة قد يباغتونك فيها:

ـ من أجرى التحقيقات بالحرائق؟

وما مدى نزاهة التحقيقات في بلد مثل سوريا، وسلطاتها الأمنية تعتقل “رواد” الأنثى، لتشابه اسمها مع “رواد” الذكر؟

وكيف بوسع سلطات كهذه، رسم جرائم لبشر مستهدفين من زوايا أخرى، وتحميلهم جرائم لم يقوموا بها، فيصطادون عصفورين بحجر واحد:

ـ اعدام الخصوم، والتلويح للرأي العام بالبيان التالي:” تمكنت الجهات الأمنية في سوريا والجهات المختصة من تنفيذ عملية تحقيق وتحري احترافية انتهت بإلقاء القبض على منفذي الحرائق السورية في الغابات والحراج التي التهمت مساحات واسعة ودمرت أعدادا كبيرة من الأشجار والغطاء النباتي السوري وسببت خسائر كبيرة للمواطنين”.

ولنتصور بعد هذا (الاحترافي) ، دهاليز القضاء السوري الذي ينتمي الى القضاء والقدر”، ولم يسبق أن حقق معجزة أرضية واحدة بقضاء نزيه.. قضاء فيه مرافعات، ومحامون، واثبات شهود، والتوقف عن اصدار اي قرار يحمل في طياته الشك، فما بالكم بحكم الاعدام؟

لسنا محققين، ولسنا خبراء جنايات ولا جنح ولا حتى خبراء مخالفات سير، لكن التجربة علمتنا أن نكون خبراء في دوافع هكذا نظام بقضائه وأجهزته الأمنية، ومذيعيه التلفزيونيين وحتى بعارضات أزيائه اللواتي اكتشفن متأخرات التمييز ما بين (الاندر) الرجالي، و(الأندر) النسائي، فأصبحن عارضات أزياء.

Exit mobile version