مرصد مينا – هيئة التحرير
مع دخول مجموعة من القيادات العسكرية التونسية السابقة على خط الأزمة السياسية الحاصلة في تونس، يطفو إلى السطح العديد من التساؤلات حول مصير الدولة المدنية في تونس ومدى إمكانية توجه البلاد إلى الشخصيات العسكرية لحلحلة الأزمات الحاصلة فيها، وحسم الخلافات.
يشار إلى أن مجموعة من الجنرالات المتقاعدين قد أصدروا بياناً حاد اللهجة خلال الأيام القليلة الماضية، شددوا فيه على ضرورة أن يحترم الساسة مصلحة البلاد ويعملوا على ترسيخ مبادئ الديمقراطية فيها، كما وجهوا خلاله اتهامات لرئيس الجمهوية “قيس سعيد” ولحركة النهضة الإسلامية بالتسبب بالأزمة السياسية في تونس.
من المدنية إلى العسكرية .. فإين الثورة؟
تحليلاً لمجمل الأزمة في تونس، يشير المحلل السياسي، “سعيد بلمبارك” إلى أن الأطراف السياسية في البلاد تتصلب في مواقفها وتدير الأزمة على مبدأ إما الربح الكامل أو الخسارة للجميع، ما يحد من إمكانية طرح الحلول الوسط، لافتاً إلى أنه من المستحيل استمرار البلاد على هذه الحال حتى موعد الانتخابات العامة القادمة.
كما يوضح “بلمبارك” إلى أن حالة الصراع السياسي وتحديداً بين رئيس الجمهورية “قيس سعيد” ورئيس البرلمان “راشد الغنوشي”، يهدد مكتسبات الثورة ومدنية الدولة، متهماً كافة الأطراف السياسية التونسية بالضلوع في مأساة البلاد وتعطل الحياة السياسية، بسبب بعدها عن النصوص الدستورية وتداخل السلطات والصلاحيات.
أما عن النتيجة التي قد تنتهي إليها الأمور في حال استمرار ما وصفه “بلمبارك” بـ “التعنت السياسي”، فتتجلى بدخول العسكر إلى المشهد واستخدام القوة لفرض حلول قد تقود إلى قيام جمهورية عسكرية جديدة في تونس، وتورط الجيش التونسي في الأزمة السياسية.
ويضيف “بلمبارك”: “كل الأطياف السياسية تحاول إعادة انتاج نظام بن علي وفرض السيطرة المطلقة على الحكم في تونس، فحركة النهضة تتمسك بحكمها المستمر منذ 10 سنوات وترفض فكرة تداول أو حتى تقاسم السلطة، فيما يسعى الرئيس إلى إثبات نفسه وصلاحياته ووجوده في الحكم، أما رئيس الحكومة فيقاتل للبقاء في منصبه بأي شكل كان، حتى وإن كان في ذلك عرقلة لكافة مجالات الحياة التونسية”، لافتاً إلى ان كل تلك الأطراف تتبنى فكرة إما الفوز أو أن يخسر الجميع بما فيها تونس والشعب التونسي.
في ذات السياق، يشدد “بلمبارك” على أن العسكر التونسيين لم يكن لديهم مطامع سابقة في السلطة، وكان ذلك بادياً من خلال موقف الجيش عقب الإطاحة بنظام “بن علي”، خاصةً وان قائد الجيش في ذلك الوقت لم يتسلم السلطة على الإطلاق وإنما تم تسليمها لسلطة انتقالية مدنية بشكل مباشر، معتبراً أن فشل السياسيين قد يحرك العسكر باتجاه حسم الأمور ووضع حدٍ لما يحدث من مهازل سياسية، على حد وصفه.
تزامناً مع حديث “بلمبارك”، تعتبر الباحثة في شؤون شمال إفريقيا، “سمير صالح” أن الشعب التونسي من الناحية العملية لم يشعر بأي تبدل على الرغم من مرور أكثر من 10 سنوات على الثورة، لافتةً إلى أن تونس لا تزال تعيش مرحلة انعدام الاستقرار السياسي وعدم ثبات المشهد، وهو ما يشجع أكثر على دخول العسكر إلى الواجهة السياسية ومسك زمام الأمور.
بوصلة المعضلة
بوصلة المعضلة السياسية في تونس، كما تسميها “صالح” تتجه بشكل كبير إلى تخوف بعض الحركات السياسية، وفي مقدمتها حركة النهضة، من فقدان سلطتها وحكمها، خاصةً وأنها ترى في الرئيس التونسي، خصماً لها ومهدداً لحكمها، لا سيما وأنه لم يظهر أي انفتاح عليها.
وتستمكل “صالح” شرحها للمعضلة التونسية: “حركة النهضة أدركت من خلال فشلها المتكرر بالفوز بالانتخابات الرئاسية، أن النظام القائم حالياً هو الوسيلة الوحيدة، التي تمكنها من الاستمرار في الحكم وأن أي تبديلات لا يهدد سلطتها فقط وإنما يهدد كيانها في ظل إمكانية تحريك قضايا الجهاز السري وملفات الاغتيالات السياسية والعلاقات السرية مع بعض الأطراف الدولية، لذا فإن شعورها بإمكانية أن يقود الرئيس تغييراتٍ في النظام القائم دفعها لشن حربٍ استباقية ضده واشغاله بأزمات سياسية”.
كما تلفت “صالح” إلى أن إقالة حكومة “إلياس الفخفاخ” والتعديلات الحكومية على حكومة “هشام المشيشي”، والتي أقصت وزراء محسوبين على “سعيد”، كانت جزءاً من تلك المعركة، محذرةً إلى أن ذلك قد يوصل البلاد إلى انهيار كامل للدولة المدنية، خاصةً في ظل سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
دعوات وتحذيرات من الوقوع في المحظور
البيان العسكري وما يحمله من مؤشرات ودلالات، ترى فيه “صالح” منبهاً قد يساهم في إيقاظ بعض الساسة التونسيين من خطورة استمرار الأزمة، لافتةً إلى أن الحل الوحيد لتجنب كافة السيناريوهات السيئة هو الدعوة لانتخابات عامة مبكرة وإجراء استفتاء على تعديل النظام الدستوري القائم وتغيير مواده بما يسمح بالمزيد من الفصل الواضح للسلطات بين الرئاسات الثلاثة.
يشار إلى ان عدة قوى سياسية تونسية سبق لها الدعوة إلى إلغاء النظام شبه البرلماني في البلاد والعودة إلى النظام الرئاسي، على اعتبار أن النظام القائم أثبت فشلاً ذريعاً في إدارة البلاد وأدخلها في صراع صلاحيات كبير خلال عقد من الزمان، وهو ما ترفضه حركة النهضة، مبديةً تمسكها بالنظام الحالي.
أما عن أولى ردود الأفعال السياسية الرسمية على بيان الجنرالات المتقاعدين، فتأتي من الأمين العام للحزب الجمهوري، “عصام الشابي”، الذي يرى أن الجنرالات المتقاعدين مطالبين بداية بالتخلي عن صفاتهم ورتبهم والمشاركة في الحياة السياسية كمواطنين لا كفيالق عسكرية، قبل الدخول في مضمار السياسية، معتبراً أن البيان الصادر عنهم يعني أن البلاد بدأت تقترب من المحظور واللعب بالنار، على حد وصفه.
كما يشير “الشابي” في منشور له على موقع فيسبوك، إلى أن الانقسامات بين العسكريين المتقاعدين لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة طبيعية لاستسهال الحديث عن الانقلابات والدعوة إلى إقحام المؤسسة العسكرية في حسم الخلافات ولتنازع الصلاحيات حول المؤسسة الأمنية، محذراً من ما وصفه بالتأويل الخاطئ للفصل 80 من الدستور التونسي.