مرصد مينا – هيئة التحرير
دخلت العلاقات المصرية التركية مرحلة جديدة، بعد أن شهدت حالة من التقارب للتهدئة والتطبيع خلال الفترة الماضية، اذ رفضت أنقرة البيان الصادر عن مصر وقبرص واليونان، عقب قمة ثلاثية استضافتها العاصمة أثينا، أكد خلالها الأطراف الثلاثة، أنهم يتشاركون وجهات النظر بخصوص إدانة انتهاكات تركيا في منطقة “شرق المتوسط”.
وزارة الخارجية التركية هاجمت مصر، ردًا على مشاركتها في القمة الثلاثية، وذلك بعد شهور من محاولات أنقرة التقرب من القاهرة عبر إرسال واستقبال وفود دبلوماسية إلى العاصمتين، بينما حَمَلَ متابعون النظام الحاكم برئاسة “رجب طيب أردوغان” مسؤولية ما صدر من مصر واختيارها للجانبين القبرصي واليوناني.
القمة الثلاثة ونقطة الصفر..
وكان رئيس وزراء اليونان “كيرياكوس ميتسوتاكيس”، قال خلال مؤتمر صحفي أعقب قمة ثلاثية بين مصر واليونان وقبرص، إن “الأطراف الثلاثة تتشارك وجهات النظر بخصوص إدانة انتهاكات تركيا في منطقة شرق المتوسط”، مؤكداً أن “مصر تستطيع أن تكون مصدرًا للطاقة في البحر المتوسط، ولديها القدرة على لعب دور محوري بشأن ملف أمن الطاقة بأوروبا”.
كما زعمت وزارة الخارجية التركية أن “اللقاء تعبير جديد عن السياسات العدائية للثنائي اليونان وقبرص، تجاه تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية”، لافتة إلى أن “إدراج مصر في هذا البيان، هو مؤشر على أن الإدارة المصرية لم تدرك بعد العنوان الحقيقي، حيث يمكنها التعاون في شرق البحر المتوسط”.
وعلق الصحفي التركي “إسماعيل سايماز”، عبر “تويتر” على البيان قائلاً: “هذه نتيجة كونكم طرفًا في الصراع على السلطة في مصر”، في إشارة ضمنية منه إلى أن مشاركة مصر في البيان مع قبرص واليونان هو نتيجة لتدخل تركيا في شؤون مصر الداخلية.
كما اعتبر الصحفي التركي “تشاغلار تكين”، أن “سياسات حزب العدالة والتنمية دفعت مصر التي احترمتنا طوال تاريخ الجمهورية إلى تعزيز التعاون مع اليونان، ولم يعد بإمكان أنقرة اتخاذ خطوة تجاه شرق المتوسط أو التنقيب عن الغاز الطبيعي”.
وحسب بيان الرئاسة المصرية، تم خلال القمة التباحث حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفى مقدمتها ملف الاستقرار بمنطقة شرق المتوسط، بما يتطلبه تحقيقه من ضرورة احترام وحدة وسيادة دول المنطقة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فضلاً عن مراعاة مقتضيات الأمن البحري لكل دولة كونه جزءاً من الأمن الإقليمي.
يشار إلى أن مصر وتركيا أنهت قبل أسابيع مباحثات ثنائية بالعاصمة أنقرة، وأكدتا رغبتهما في اتخاذ مزيد من الخطوات الإضافية لإحراز تقدم في القضايا العالقة وعودة العلاقات الدبلوماسية، وهي الثانية بعد زيارة وفد تركي للقاهرة في مايو/أيار الماضي، اذ رجحّ رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إمكانية استئناف العلاقات خلال العام الجاري؛ إلا أنه ربط ذلك بحلّ قضايا عالقة على رأسها الملف الليبي.
وأوقفت أنقرة قبل أشهر، بث برامج معادية للقاهرة كانت تعمل على أراضيها بناء على طلب الأخيرة، وذلك بعد تصريحات للرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” قال فيها إن البلدين أجريا اتصالات “استخباراتية ودبلوماسية واقتصادية”، مضيفا أنه يأمل في علاقات “قوية” بين تركيا ومصر.
بيرقدار والمغامرة التركية..
في المقابل، رجح متابعون تفضيل مصر للجانب اليوناني والقبرصي على حساب تركيا لعدم إيفاء الحكومة التركية بالعديد من الوعود التي قطعتها لمصر، بالإضافة إلى الصفقة المحتملة التي تبيع بموجبها أنقرة طائرات مسيّرة إلى “أديس أبابا” التي تجمعها بالقاهرة حالة من التوتر بسبب تشييد وملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل.
ويرى الصحفي التركي الشهير “فيهم تاشتكين”، أن “تركيا ستغامر بعلاقتها الخارجية مع مصر، إذا صدَّرت طائرات مسيرة إلى أثيوبيا لاستخدامها في حربها في إقليم تيجراي، وبالتزامن مع أزمة سد النهضة، هناك احتمال كبير أن تبوء مفاوضات التطبيع مع القاهرة بالفشل”، لافتاً إلى أن “الكثير من المقربين لأردوغان حذروه من خطورة التورط في أزمة سد النهضة”.
مصادر أمنية مصرية أكدت لوكالة “رويترز” في وقت سابق، أن “القاهرة طلبت من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية مساعدتها في تجميد أي اتفاق تركي بخصوص تصدير طائرات مسيرة لأثيوبيا”، موضحاً أن “مسألة صفقة المسيرات التركية إلى إثيوبيا سيتعين طرحها وتوضيحها في المحادثات بين مصر وتركيا”.
وأشار الصحفي التركي “تاشتكين” إلى أنه “بعيدًا عن التوتر المحتمل بين القاهرة وأنقرة، فإن استخدام الطائرات بدون طيار التركية في منطقة تيجراي قد يودي بعلاقات تركيا الخارجية إلى مستوى أكثر جدلًا، مع الأخذ في الاعتبار أن بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية أبونا ماتياس يصف ما يحدث في تيجراي بأنه الإبادة الجماعية”.
يذكر أن مسؤول تركي كشف أن “إثيوبيا والمغرب طلبتا شراء طائرات من دون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 2” في اتفاقيات يمكن أن تشمل أيضًا ضمانات قطع الغيار والتدريب”، مؤكداً أن “إثيوبيا تخطط للحصول عليها لكن وضع هذا الأمر أقل وضوحاً، ولم تذكر المصادر عدد الطائرات المسيرة في الصفقات ولم تقدم تفاصيل مالية”.
وارتفعت صادرات الدفاع والطيران التركية إلى إثيوبيا إلى 51 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 من 203 آلاف دولار في الفترة نفسها من العام الماضي. وأبلغت الوكالة عن قفزة في أغسطس وسبتمبر دون تحديد أرقام.
ورقة ضغط..
إلى جانب ذلك، يشير متابعون أن صفقة المسيرات لن تؤثر في موازين القوى وفي الرغبة المصرية التركية لتحسين العلاقات، ولكن مدلولها السياسي يبقى أكثر أهمية، وربما تأتي في سياق محاولة كل طرف تجميع أوراق الضغط على الطرف الآخر لتحسين موقفه التفاوضي، موضحين أن “العلاقات المصرية التركية لم ترق بعد إلى مرحلة التعاون أو التحالف سواء التكتيكي أو الاستراتيجي، وهي علاقة تنافسية بالأساس”.
ولفت الملحق التجاري السابق بالسفارة التركية في القاهرة “لأيدن سيزر”، إلى أنه “يصعب على أنقرة ممارسة أي ضغط على القاهرة إذا رأت أن محادثات الطائرات بدون طيار مع أديس أبابا هي ورقة ضغط، لأن أنقرة تفتقر إلى القدرة على الخروج باستراتيجية تضغط بها على القاهرة”.
“سيزر” أكد لوسائل الاعلام أن “موقف الجانب التركي في محادثات التطبيع ضعيف، والمصريون لا يحاولون انتزاع التنازلات، ويستمعون في الغالب إلى الجانب التركي ويريدون رؤية الخطوات التي ستتخذها أنقرة”، مشيراً إلى “العملية لا تزال بعيدة عن التعيين المتبادل للسفراء”.
وتتعلق مخاوف مصر أيضًا بتوقيت التقارب التركي مع إثيوبيا، والذي بدأ بعد الخلاف الحاد بين أنقرة والقاهرة بشأن الإطاحة بالإخوان المسلمين في العام 2013، إذ شهدت العملية عروضًا تركية لمشاركة خبرات بناء السدود والري مع إثيوبيا وتحذيرات مصرية من مغبة تورط تركيا وإسرائيل في مشروع سد النهضة.
أما فيما يتعلق بالجانب الإثيوبي، يرى المتابعون أن “أديس أبابا تحاول استغلال جمود العلاقات المصرية التركية لمصلحتها، وهو ما يقلق مصر، وتركيا لن تخسر حليفا كبيرا مثل إثيوبيا، ولا سيما أن دور أديس أبابا مهم في توازنات دول حوض النيل.
يشار إلى أن الخلاف بين مصر وتركيا برز منذ 2013 بعد إسقاط حكم الإخوان، وتقديم أنقرة دعما ماليا ولوجسيتا للتنظيم الذي تورط في تنفيذ عمليات إرهابية استهدفت مؤسسات مصرية، إلا أنه في الآونة الأخيرة، أشار كبار المسؤولين الأتراك إلى تحسن العلاقات مع مصر، في تحول عن نهجهم النقدي الحاد السابق تجاه حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.