نجحت الولايات المتحدة في ترسيم الحدود البحرية اللبنانية ـ الإسرائيلية، بل نجح آموس هوكستين في انجاز ما تأجل إنجازه، والرجل أمريكي ـ إسرائيلي، ونتيجة ذلك، ستحصد إسرائيل المنافع الفورية من هذا الترسيم، حيث يمكنها الآن أن تبدأ بسرعة في استغلال احتياطيات الطاقة الموجودة في حقل غاز “كاريش” أما لبنان فأمامه وقت طويل للتنقيب والاستخراج، ومن ثم التسويق إذا ماعثر على الثروة الموعودة.
ما سيتجاوز الغاز، في ترسيم الحدود البحرية وكان دافعها الغاز، أن لبنان رسميًا اعترف بإسرائيل، ليس لبنان ميشال عون، نبيه بري، نجيب ميقاتي، بل لبنان حسن نصر الله وحزبه، وكان نصر الله قد تجاوز في خطابه لغته المعهودة بوصف إسرائيل بـ “الكيان” و “العدو”، ونطقها بالإسم “إسرائيل”، وعلى الرغم من الاتهامات بأن إسرائيل قبلت كل شروط لبنان ووافقت عليها على عجل، فإن الحقيقة هي أن لبنان بدأ هذه الجولة من المفاوضات بسقف منخفض:
ـ أولاً، تخلى الرئيس عون تماماً عن أي مناقشة للخط 29 على أنه الحدود البحرية، معتقداً أن إسرائيل والولايات المتحدة لن تقبلان المفاوضة حوله.
ـ قدم الحزب ضمانات أمنية لإسرائيل، بأنه لن يستهدف حقل “كاريش”. وقد سعى إلى تحويل مفهوم الاتفاق وتصويره على أنه انتصار لكنه فشل في ترجمة ذلك إلى مكاسب سياسية محلية، حتى أن الكثير من اللبنانيين يعتبرون الاتفاق حتى اللحظة هو اتفاق بين حزب الله وإسرائيل وهو كذلك في الواقع وقد وافق عليها سطراً بسطر.
حزب الله” لم يعترف بوجود إسرائيل فحسب، ولكنه أصبح يتشارك أيضاً في مصلحة اقتصادية معها ويضطر إلى الحفاظ على الاستقرار عبر الحدود بينما ينتظر تحقيق أرباح الاتفاق.
بعد هذا ما الذي تبقّى من خطاب “حزب الله”؟
ولاشيء، وكان على الدوام قد تجاهل الضربات الإسرائيلية ضد أفراده العسكريين ومستودعات ومصانع الأسلحة الخاصة به في سوريا، ورداً على اتفاق الحدود البحرية، قال زعيم حزب الله “ليس لدينا أي مشكلة في الاتفاقية مع إسرائيل” ولم يقل “فلسطين المحتلة” أو “دولة العدو” بل قال “إسرائيل”. وبالنسبة للكثير من اللبنانيين، يشير ذلك إلى تحول كبير في خطاب التنظيم واستراتيجيته. فلم يأتِ أي من مسؤولي “حزب الله” على ذكر كلمة “إسرائيل” من قبل، ولم يتساهل أي منهم مع الآخرين الذين تجرأوا على التلفظ بها.
هنا سيأتي السؤال اللاحق:
بعد تخلي حزب الله عن خطابه، ماهو مبرر تمسكه بسلاحه؟
هذا سؤال يتردد على ألسنة اللبنانيين، مايعني أن مهنة هذا السلاح قد باتت محصورة في الداخل، مايعني محصورة بالسيطرة على القرار السياسي في لبنان، وعلى كل خيارات اللبناانيين الذين باتوا تحت منجلين، اولهما سلاح حزب الله وثانيهما فساد الطغم الحاكمة، أما عن الغاز فإذا ما اكتشف فعلاً، فقد يتحوّل من نعمة إلى نقمة، سيكون هذا إذا لم يخط لبنان نحو الاصلاحات.
بدون الإصلاحات، ستستخدم الطبقة السياسية الفاسدة في لبنان عائدات الطاقة للحفاظ على مصالحها ومواقفه والإصلاحات لن تكون إلاّ باستقلال القضاء، واستعادة المال المنهوب ومحاسبة ناهبيه.
ـ كيف سيكون هذا والدولة دولتان:
واحدة للبنان، وثانية احزب الله؟