مرصد مينا – هيئة التحرير
يبدو أن الخلافات الحادة التي برزت بين قوى الكفاح المسلح والمجلس الانتقالي، والتي كانت سبباً في إطالة عمر المفاوضات في طريقها للحل الذي سيؤدي إلى السلام في السودان، إذ أكد الناطق الرسمي للحكومة الانتقالية، وزير الثقافة والإعلام، فيصل محمد صالح، أن ورقة الموقف التفاوضي للحكومة، وافقت على طلب حركات الكفاح المسلح بتمديد الفترة الانتقالية لأربع سنوات بدلاً عن 39 شهراً، لكن شرط اعتبار فترة الحكومة الحالية جزءاً من السنوات الأربع، كما وافقت على تعديل المادة (20) من الوثيقة الدستورية لاستثناء قيادات الحركات من شرط عدم ممارسة العمل السياسي بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
واقترحت ورقة الحكومة، تمثيل الحركات المسلحة بمقعدين في المجلس السيادي، وأربعة وزراء في الحكومة، واعتبرت مقترحات الحكومة قريبة من التي قدمتها الحركات. بينما ما يزال النقاش دائراً لصياغة رؤية الجانب الحكومي لتشكيل المجلس الشريعي.
وقال «فيصل» أن هذا ما تقترحه الحكومة حتى الآن، وهو خاضع للتفاوض، مشيراً إلى أنه إلى الآن لم يتم تأكيد عدد الوزراء المغادرين من الحكومة الانتقالية كما لم تحدد أسماء بعينها. وعاد فيصل وأكد مرةً أخرى أن التعديل الوزاري كان مرتبطاً بالتوقيع النهائي على اتفاق السلام، لكن وبحسب وعد رئيس الوزراء في كلمته قبل يومين، وسيتم إجراء تعديل في ظرف أسبوعين.
الترتيبات الأمنية
تتمثل الاختلاف في رؤي الحكومة الانتقالية السودانية، وحركات المعارضة المسلحة، بشأن القضايا العالقة بملف الترتيبات الأمنية، في سنوات دمج الجيوش وإعادة انتشارها إلى جانب هيكلة القوات الأمنية.
أما القضايا العالقة، تتمثل في: مطالبة مسار دارفور، بأن يستثني الأشخاص الذين يشغلون المواقع الدستورية في مجلسيّ السيادة والوزراء والولايات؛ أو حكام الأقاليم من عضوية حركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام من المادة (20) من الوثيقة الدستورية، إلى جانب تمديد الفترة الانتقالية لتصبح أربع سنوات تبدأ عند التوقيع النهائي لاتفاق السلام الشامل.
وكانت الحكومة الانتقالية بالسودان، قد دخلت منذ توليها السلطة في مفاوضات مع الحركات المسلحة التي ظلت تقاتل الحكومة لسنوات في أكثر من محور جنوباً وغرباً. إذ جاءت خطوة الحكومة الانتقالية استجابة لمطلب السلام الذي كان من بين مطالب الحراك الشعبي الذي عرفته البلاد لأشهر عدة، وانتهى بعزل الرئيس عمر البشير (1989-2019) الذي حملت تلك الحركات السلاح في وجه حكوماته المتعاقبة.
وعقب جولات من المفاوضات والتحضيرات، بدأت جولة مباحثات جديدة بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في جوبا، عاصمة جنوب السودان، في 10 ديسمبر الفارط. وليس من السهل وضع الحركات المسلحة في إطار ثابت، فقد ظلت الصفة الملازمة لها منذ عشرات السنين هي الانقسامات المتزايدة، ما يجعل خريطتها في تغير شبه مستمر.
الإقصاء مرفوض
بحسب مراقبين، فإن كثرة أعداد الحركات المسلحة، وانشطارها يعود بالأساس إلى السياسة التي انتهجها النظام السابق تجاه هذه الحركات باجتذاب بعض العناصر القيادية فيها، والتفاوض معها دون التركيز أو حصر الأمر فيمن يقودون تلك الحركات. ويضاف إلى ذلك غياب الرؤية السياسية لهذه الحركات، وانعدام الكاريزما السياسية لدى قيادات الحركات أيضا، وربما هذا كان من بين مبررات النظام لعدم الجلوس مع من على رأس تلك الحركات فقط.
ويرى مراقبون، أن حركات الكفاح المسلحة السودانية، هم وقود الثورة التي أطاحت بحكومة الإنقاذ. وأن أهلهم وذويهم مشردين في معسكرات النزوح واللجوء داخل وخارج السودان، لذلك لهم الحق والأولوية بالمشاركة في الحكومة الانتقالية، وأيّة حكومة أخرى لضمان حقوقهم وحقوق أهلهم وأسر الشهداء. وأن أيّة جهة أو حزب او جماعات أو غيرهم في السودان يرفضون مشاركة حركات الكفاح المسلحة السودانية في الحكومة الانتقالية، فعليه أن يعلم أن حركات الكفاح المسلحة السودانية ليست أداة يستخدمها البعض للوصول إلى السلطة، كما اعتبروا أن الإقصاء مرفوض تماماً.
المشاركة المتوازنة
ويعتقد هؤلاء أن أيّة محاولة لإبعاد حركات الكفاح المسلحة السودانية، من المشاركة في الحكومة الانتقالية يعني عرقلة لعملية السلام في السودان الذي ينتظره الشعب السوداني بفارق الصبر. في المقابل فإنه على حركات الكفاح المسلحة السودانية ممثلة في الجبهة الثورية السودانية وخارجها، توحيد رؤيتهم ومطالبهم للوصول الي سلام شامل، ولإدارة الدولة في الفترة الانتقالية- وبعد الفترة الانتقالية- كبقية المشاركين في الحكومة الانتقالية الذين يديرون شؤون البلاد اليوم.
وكان عضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد حسن التعايشي، قد صرح لوكالة الأنباء السودانية، أن جلسات التفاوض، تناولت ما تبقى من القضايا القومية بالتركيز على تقسيم السلطة، بعد أن تسلمت الحكومة مقترح حركات الكفاح المسلح حولها وقامت بالرد عليه، مؤكداً أن المشاركة في السلطة قائمة على مبدأ الاستحقاق السياسي، وأن جزء من مشاكل الحرب والسلام بالسودان، هو المشاركة المتوازنة في اتخاذ القرار الذي يعتبر مبدأأساسي وشرط ضروري لتنفيذ اتفاق السلام، لافتا إلى أن مشاركة أطراف عملية السلام في القرار أثناء الفترة الانتقالية، هو أحد الضمانات الأساسية في تنفيذ اتفاق السلام.
تسريع التفاوض
وتنص المادة (20) في الوثيقة الدستورية الحاكمة، (والتي سيتم تعديلها) على عدم مشاركة أيّ شخص تقلّد منصباً في مؤسسات السلطة الانتقالية من الترشح في الانتخابات المقبلة.
وبعد أن تم الاتفاق حول النقاط الخلافية، سيشرع الطرفان فوراً في تسريع التفاوض حول ملف الترتيبات الأمنية للاتفاق حول دمج الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، ومقاتلي الحركات المسلحة في جيش واحد وطني، كما أن بعض الوزارات سيجري تفكيكها لمشاركة منتسبيّ الحركات المسلحة في الحكومة التنفيذية.
ويضم وفد «الجبهة الثورية»، الذي يشارك في المفاوضات بالخرطوم، أحمد تقد لسان من «حركة العدل والمساواة»، وياسر عرمان من «الحركة الشعبية شمال»، ومحمد بشير عبد الله من «حركة تحرير السودان جناح مني اركو مناوي». وحول هذا الموضوع، أكد رئيس الوزراء السوداني حرص حكومته على إحلال السلام لوضع حد لمعاناة المواطنين في مناطق النزاعات، وانضمام قوى الكفاح المسلح المؤثرة والفاعلة لعملية السلام لإنجاز مهام الفترة الانتقالية، بعد مفاوضات ماراثونية بسبب العقبات الكبيرة التي واجهتهم.