مرصد مينا – هيئة التحرير
تصاعد الأزمة السياسية في لبنان وارتباطها بتزايد الضغوط الداخلية والخارجية على “حزب الله”، يبدو أنها بدأت تلقي بظلالها على التحالفات السياسية، لا سيما تلك التي جمعت الحزب بالتيار الوطني الحر، خاصةً مع ما كشفته مصادر مقربة من الحزب عن رسالة وجهها حزب الله إلى التيار، بأنه غير مستعد لتقديم أي تنازلات سياسية للحفاظ على اتفاق التحالف بين الطرفين.
ويعود تحالف التيار العوني وحزب الله إلى عام 2006، من خلال توقيع اتفاق مار مخايل، الذي أسس لثنائية شيعية – مسيحية، ساهمت في رسم المشهد الحكومي والسياسي في لبنان، طيلة 14 عاماً ماضية.
البحث في طموحات باسيل..
في الحديث عن التحالفات السياسية ومدى قدرة استمرار التزاوج السياسي بين حزب الله والتيار العوني، وصموده في ظل الأزمة الحالية، يلفت الخبير في الشأن اللبناني، “أحمد عيتاني” إلى أن تفكك التحالف بين الجانبين، لا يرتبط فقط بالأزمة السياسية وتداعيتها، وإنما في طموحات “جبران باسيل” بتولي رئاسة الجمهورية خلفاً لوالد زوجته، الرئيس الحالي، “ميشال عون”، مشيراً إلى وصول “باسيل” والتيار الوطني من خلفه إلى قناعة بأن استمرار العلاقة مع حزب الله يضعف حظوظه في الوصول إلى كرسي الرئاسة، خاصةً مع الحصار الدولي المفروض على الحزب وحلفائه.
إلى جانب ذلك، يشير “عيتاني” إلى أن تبدل الظروف بين عامي 2008 و 2020، وتزايد حصار حزب الله، تؤكد بأن سيناريو وصول “عون” إلى منصب رئيس الجمهورية، عبر دعم حزب الله لن يتكرر مع “باسيل” في انتخابات 2023، لا سيما وأن المجتمع الدولي صرح بانه لن يتعامل مع أي حكومة أو رئيس يأتي بفرض من حزب الله.
يشار إلى أن لبنان عاش خلال الأشهر العشرة الماضية، في عزلة دولية كاملة، تزامناً مع وصول “حسان دياب” المدعوم من حزب الله، إلى رئاسة الحكومة، ما دفع العديد من الدول الغربية لقطع المساعدات المالية عن الحكومة اللبنانية، واصفةً إياها بحكومة حزب الله.
اللعب على التوازنات..
تعليقاً على رسالة حزب الله إلى الرئيس “عون”، وتأكيدها على أن الحزب لن يقدم المزيد من التنازلات، يعتبر المحلل السياسي “ميشال بوصعب” أن التيار الوطني الحر، ممثلا “بباسيل” حاول أن يلعب على حبل التوازنات الداخلية والخارجية على حدٍ سواء، موضحاً: “باسيل كان يريد أن يحتفظ بخيط صلات تحالف مع حزب الله لضمان دعمه داخلياً، في الوقت الذي يريد أن يظهر فيه كمؤثر على الحزب في ترسيخ مبدأ حياد لبنان، لتسويق نفسه خارجياً، ولكن يبدو ان محاولته فشلت من خلال الرسالة الواضحة من قيادة الميليشيا المدعومة من إيران”.
إلى جانب ذلك، يعتبر “بوصعب” أن “باسيل” كان يهدف من خلال المسارعة إلى الإعلان عن وجود قبول لدى حزب الله لسحب قواته من سوريا، إلى تسويق نفسه أمام المجتمع الدولي، والظهور كأنه لاعب أساسي في عملية إقناع الحزب بالانسحاب، لافتاً إلى أن قيادة حزب الله أحسنت قراءة تصريحات “باسيل” وأهدافها، وأن رسالتها إلى “عون” تحمل مضمون بأن الميليشيا وسلاحها لن يكونا كبش فداء لطموحات صهره.
ويشترط المجتمع الدولي تطبيق مبدأ حياد لبنان لإعادة التعاون مع الحكومة والدولة اللبنانية، بالإضافة إلى تقديم المساعدات المالية، وهو ما أكد عليه الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، خلال زيارتيه، إلى العاصمة اللبنانية، عقب انفجار مرفئ بيروت في آب الماضي.
الضغوطات غير المسبوقة والحصار السياسي، يدفع حزب الله، من وجهة نظر “بوصعب”، إلى الشعور بأنه يخوض حرب وجودية تهدد كيانه وقوته السياسية، لافتاً إلى ان مواقف التيارات والأحزاب السياسية في ظل الظروف الحالية، لا يمكن تقسميها بالنسبة لحزب الله، على اعتبار أن ضخامة الأزمة دفعته إلى العمل على مبدأ “من ليس معي فهو ضدي”.
في السياق ذاته، يؤكد “بوصعب” أن حزب الله حالياً بوضع لا يسمح له بالدخول في مساومات، وأنه بحاجة إلى دعم كامل من قبل الحلفاء السياسيين، لمواجهة تلك الأزمة، مشيراً إلى أن انفكاك التحالف سيحمل خسائر لكلا الطرفين، على اعتبار أن حزب الله سيفقد التوازن المسيحي الداعم له، في حين سيفقد التيار دعم الشيعة في لبنان لمشوار “باسيل” باتجاه قصر بعبدا.
متطلبات المصالح..
تحول العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر من العداء إلى التحالف يرتبط بالتقاء المصالح بينهما، عام 2006، وفقاً لما تقوله الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، “غصون مجذوب”، مشيرةً إلى أن التقارب بينهما لم يرتبط بأجندة واحدة أو التقاء فكر، وإنما متطلبات المصالح في تلك المرحلة.
كما تضيف “مجذوب”: “في ذلك الوقت كان عون الباحث عن السلطة، قد عاد حديثاً من منفاه، وطموحاته تحتاج إلى حليف قوي يمكنه من التفوق على التيارات السياسية المسيحية المنافسة، كما كان حزب الله يبحث عن وراثة النفوذ السوري بعد خروج قوات النظام عام 2005، وهو ما كان يتطلب تغطية مسيحية توفرت في التيار الوطني الحر”، لافتةً إلى أن تلك المصالح بدأت تتباعد بينهما، ما يعني أن ذات المصالح التي جمعت “عون” و”نصرالله” هي التي ستباعد بينهما، على حد قولها.
يشار إلى أن حزب الله نشر في 7 أيار عام 2008 عناصر مسلحة تابعة له في العاصمة اللبنانية بيروت، فيما اعتبر وقتها انقلاباً على السلطة الشرعية.