مرصد مينا
تطرق تقرير صادر عن “معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب إلى الصراع التركي اليوناني ودخول فرنسا على خط الأزمة، مشيرا إلى أن فرنسا تعتبر نفسها دولة عظمى من الدرجة الأولى في المنطقة لعدة أسباب، بينها أنها الدولة المشاطئة للبحر المتوسط الوحيدة التي لديها مقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي، وجيشها هو الأقوى بين دول المنطقة. كما أن قوات فرنسية منتشرة في عدة مواقع في الشرق الأوسط وتنفذ مهمات فيها، إضافة إلى استناد فرنسا إلى علاقاتها التاريخية، المعقدة، مع دول وجهات إقليمية، إلى جانب أن الفرنسية هي لغة محكية بين شعوب المنطقة وتوجد لفرنسا شبكة دبلوماسية وتعليمية واسعة، تستخدمها باريس كوسيلة للتأثير.
التقرير التقرير الاسرائيلي يرى أن “فرنسا أظهرت انعدام نجاعة معينة في استغلال الأدوات التي بحوزتها. فهي لم تنجح في إطلاق صوت مؤثر في الأمم المتحدة بشأن البحر المتوسط، وبدت مترددة في ممارسة قوتها العسكرية، والمؤسسات الفرنسية في المنطقة تعاني من شحة الميزانيات. كذلك لم تنجح فرنسا بإجراء توازن بين رغبتها في العمل بالتعاون مع دول أوروبية أخرى وبين تطلعها إلى حماية حرية عملها وخطواتها تثير انتقادات من جانب شركائها الأوروبيين”.
التقرير بحسب ترجمة “عرب 48” لفت إلى أن “مكانة فرنسا الإقليمية تضررت من التطورات المتعلقة بوجود روسيا والصين المتزايد ومن ازدياد وزن دول عظمى إقليمية”، وأن “انعدام الاستقرار في شر البحر المتوسط سيمس بفرنسا حتما. ولذلك، تستند السياسة الفرنسية في المنطقة إلى هدفين أساسيين: أولا، فرنسا تريد الحفاظ على مكانتها في البحر المتوسط وتحسينه إذا أمكن. ثانيا، باريس تحاول دعم لاعبين إقليميين يظهرون نجاعة في محاربة الإرهاب الإسلامي”.
ومن السابق لأوانه بحسب التقرير معرفة ما إذا سيوافق اللاعبون المحليون على التعاون مع الدولة العظمى الاستعمارية القديمة، أو إذا كانت فرنسا ستقنع دولا عظمى أخرى بمنحها مكانا مركزيا في إعادة إعمار لبنان. ومن الجائز أن تنشأ فجوة بين التصريحات الفرنسية وقدرة فرنسا الحقيقية على فرض حقائق تحصن مكانتها الإقليمية.
في الملف الليبي، وبحسب التقرير أيضا، تدعم فرنسا الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، وهي الدولة الغربية الأساسية التي تدعم حفتر، بادعاء أنه لاعب ضروري في محاربة جماعات جهادية. وعبرت فرنسا عن تأييدها لليونان وقبرص ضد تركيا في النزاع في شرق البحر المتوسط. كذلك تدعم فرنسا منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم مصر واليونان وقبرص وإسرائيل وإيطاليا، وتندد بالأنشطة التركية في هذه المنطقة، وصعّدت وجودها العسكري بالقرب من قبرص.
وأشار التقرير إلى أن هذه السياسة التركية لم تجنِ ثمارا، وحتى أن الهزائم التي مني بها حفتر أمام حكومة الوفاق الوطني الليبية، بقيادة فايز السراج، تعتبر حسارة تكتيكية لفرنسا. وفي موازاة ذلك، فإن موقف فرنسا حيال غاز المتوسط لم تلجم النشاط التركي في المنطقة.
التقرير الاسرائيلي اعتبر أن “هذه الأحداث وضعت الحكومة الفرنسية في مكان غير بسيط، خاصة مقابل أنقرة. فالموقف الفرنسي من النزاع الليبي وضعها في خط مباشر ضد تركيا، حليفة السراج. كذلك فإن الدعم الفرنسي لليونان وقبرص أدى إلى صراع مفتوح بين أنقرة وباريس”، وأضاف أنه “على هذه الخلفية، برزت عزلة فرنسا. وفضل أعضاء الناتو (حلف شمال الأطلسي) التعقيب باعتدال بالغ على حادثة اعتراض سفن فرنسية لسفينة تركية في شرق المتوسط، تحسبا من نقلها أسلحة إلى ليبيا.
رأى التقرير أن السياسية الفرنسية في شرق البحر المتوسط “يمكن أن يؤثر كثيرا على إسرائيل. وحتى لو حافظت إسرائيل على الابتعاد عن النزاع الليبي، إلا أن مؤيدي حفتر يشمل معظم دول المنطقة التي تتقرب إسرائيل إليها في السنوات الأخيرة أو تحافظ على علاقات حسنة معها، وهي السعودية والإمارات ومصر. وبذلك يوجد تطابق مصالح، جزئي على الأقل، بين إسرائيل وفرنسا حيال الحلبة الليبية”.
وأضاف التقرير أنه “يوجد تطابق مصالح أبرز بين إسرائيل وفرنسا بشأن موضوع غاز المتوسط. فإسرائيل هي جزء من هذا المنتدى، وما زالت ملتزمة لفكرة بناء أنبوب إيست – ميد، وطورت علاقات وثيقة مع اليونان وقبرص، فيما علاقاتها مع تركيا في الحضيض”.
وتابع التقرير ” فيما تبنت تركيا سياسة القوة في شرق البحر المتوسط، فإن دخول لاعب هام إلى توازن القوى إلى جانب الدولتين يمكن أن يؤثر للأفضل على إسرائيل، رغم أنه ما زال من الصعب معرفة إلى مدى استعداد فرنسا للذهاب بعيدا في الدفاع عن موقفها مقابل أنقرة، وما إذا كانت ستنجح في تغيير توازن القوى الإقليمي”.
وحسب التقرير، فإنه “رغم تعقيدات العلاقات بين فرنسا وإسرائيل، إلا أن بإمكان مصالح مشتركة أن تشكل أساسا للتقارب بينهما. وفي الوقت نفسه، فإن القدرة المحدودة لفرنسا لتغيير توازن القوى الإقليمي لصالحها هي نبأ سيء لإسرائيل أيضا”.
واعتبر التقرير أن “بإمكان صناع القرار الإسرائيليين استخلاص عِبر من نتائج السياسة الفرنسية غير الناجعة في الشرق الأوسط. ورغم أفضلياتها النسبية، لكن تصرف فرنسا الحازم، من دون تخطيط سياسي معمق، ومن دون مثابرة، ومن دون تعاون مع حليفاتها، قادها حتى الآن إلى الفشل في دفع غاياتها في هذه المنطقة العاصفة”.