مرصد مينا – بروفايل
على الرغم من مرور أكثر من 15 عاماً على مقتله في واحدة من أكبر عمليات الاغتيال في العالم، لا يزال “رفيق الحريري”، اسماً فاعلاً ومحركاً للأحداث في لبنان، خاصةً مع تورط حزب الله، المدعوم إيرانياً، بعملية الاغتيال، بالاضافة إلى ما أدت إليه عملية الاغتيال من إجبار النظام السوري على سحب قواته من لبنان بعد عقودٍ من الوصاية الأمنية.
فيما يلي يعرض مرصد مينا لقرائه أبرز المحطات في حياة أحد أقوى روؤساء الحكومة في لبنان، منذ نهاية الحرب الأهلية وحتى اليوم.
الولادة والنشأة
ولد “رفيق الحريري” في الأول من تشرين الثاني عام 1944 في مدينة صيدا، لعائلة فقرة، حيث كان يعمل والده مزارعاً، حيث اضطر لترك دراسته عام 1965، والسفر إلى السعودية للعمل هناك، حيث عمل مدرساً ثم محاسباً في إحدى الشركات العاملة في مجال الإنشاءات والأعمال الهندسية.
شكل العام 1969، عاماً مفصلياً في حياة “الحريري” بعد أن أنشأ شركته الخاصة في مجالات الإعمار والمقاولات في السعودية، والتي تمكنت من الحصول على العديد من مشاريع في تلك الفترة، لتتوسع أنشطتها خلال سبعينيات القرن الماضي، حيث وصلت إلى بتنفيذ عدد من التعاقدات الحكومية لبناء المكاتب والمستشفيات والفنادق والقصور الملكية.
برز اسم “الحريري” بشكل كبير في مجال الاقتصاد والأعمال على المستوى العربي، بعد شرائه شركة “روجيه الفرنسية”، والتي تشمل عدة شركات متعددة المجالات ومصارف وبنوك، ليتحول اسمها إلى “سعودي روجيه”.
صنف “الحريري” في ثمانينيات القرن الماضي، بين أغنى 100 رجل في العالم، ليحصل وقتها على الجنسية السعودية بأمر من الملك الراحل، “فهد بن عبد العزيز”، والذي عينه كمبعوث شخصي في لبنان، ولعب دورًا هامًا في صياغة اتفاق الطائف.
دوره السياسي في لبنان
تعيينه مبعوثاً للملك السعودي في لبنان، شكل أولى خطواته الفعلية باتجاه العمل السياسي في بلاده، خاصة بعد أن ساهمت شركاته بشكل كبير في عمليات إعادة إعمار العاصمة اللبنانية، بيروت، بعد الحرب الأهلية في لبنان.
وتوجت جهود “الحريري” السياسية بتعيين رئيساً للحكومة اللبنانية، للمرة الأولى، في الفترة بين 1992 وحتى 1998، فيما كانت فترة حكومته الثانية بين 2000 وحتى 2004، تمكن خلالها من الحصول على أغلبية أصوات الشارع السني في لبنان، من خلال تيار المستقبل، الذي أسسه منذ دخوله إلى الحياة السياسية
خلال فترات حكمه، حظي لبنان بدعم عربي وعالمي عالي، حيث ارتبط لبنان بعلاقات جيدة مع سوريا والسعودية ودول الخليج، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، كما ارتبط “الحريري” بعلاقات قوية مع مختلف الأطراف اللبنانية، بما فيها حزب الله وحركة أمل والأحزاب السياسية.
كما تراجعت الأزمة المالية في البلاد خلال فترة حكم “الحريري” الأولى، بعد ان تمكن من رفع قيمة العملة اللبنانية بنسبة 15 بالمئة وتخفيض الضرائب على الدخل إلى 10 بالمئة فقط، إلى جانب اقتراض مليارات الدولارات لإعادة تأهيل البنية التحتية والمرافق اللبنانية.
أما عن الإنجاز الاقتصادي الأكبر، فتمثل بارتفاع نسبة النمو في لبنان إلى 8 بالمئة بعام 1994 ، وانخفاض التضخم من 131 بالمئة إلى 29 بالنئة واستقرت أسعار صرف الليرة اللبنانية.
الأزمات مع لحود وبداية الشقاق السياسي مع سوريا
مع وصول العماد “إيميل لحود” إلى رئاسة الجمهورية، عام 1998، بدأت حالة الشقاق السياسي بين “الحريري” وعدد من الحلفاء السياسيين، خاصةً التيار الموالي للنظام السوري، ما أدى إلى ابتعاده عن رئاسة الحكومة، قبل أن يعود عام 2000، بعد استقالة حكومة “سليم الحص”.
وعلى الرغم من عودته إلى الحكم إلى أن حالة التوتر السياسي بينه وبين المعسكر الموالي لسوريا، خاصةً مع معارضته لتمديد فترة ولاية “لحود” لثلاث سنوات إضافية، ليقدم استقالته عام 2004، ويزداد الشرخ بينه وبين النظام السوري.
قبل اغتياله بأشهر، زار سوريا والتقى رأس النظام، “بشار الأسد”، بحسب ما أكده نائب الرئيس السوري الأسبق، الراحل “عبد الحليم خدام”، والذي أشار إلى أن “الأسد” كان قاسياً في حديثه مع “الحريري” وأنه هدده صراحةً بالتصفية في حال الاستمرار بمعارضة توجهات النظام في لبنان وحليفه حزب الله.
كما كشفت تسريبات مسجلة عن حديث بين “الحريري” وبين وزير خارجية النظام، آنذاك، “وليد المعلم”، والذي ظهر فيه حجم الخلافات بين “الحريري” والنظام السوري” في ذلك الوقت.
كانت فترة توليه رئاسة الثانية من 2000 وحتى 2004 ، وخلال هذه الفترة أدى عمق المشكلات الاقتصادية إلى زيادة الضغوط على الحكومة من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وعليه تعهد بتخفيض البيروقراطية وخصخصة المؤسسات العامة التي لا تحقق ربحًا. استقال في أكتوبر 2004 بعد خلاف مع الرئيس إميل لحود استفحل بعد تعديل الدستور لتمديد فترة رئاسة الرئيس إميل لحود لثلاث سنوات إضافية.
نهاية فشل الموت في رسمها
بتاريخ 14 شباط 2005، صدمت بيروت بانفجار كبير، تبين بعد وقتٍ قصير أنه استهدف “الحريري”، وأدى إلى مقتله، لتتجه أصابع الاتهام بشكل فوري إلى النظام السوري وحزب الله، بعد الخلافات بينهما، وهو ما قادت إليه تحقيقات المدعي العام الدولي السابق، “ديتلف ميليس”، والتي أشارت حينها إلى تورط الطرفين في العملية.
حالة التوتر والتصعيد، والمعلومات، التي تحصلت عليها لجنة التحقيق الدولية، أوصلت التحقيقات إلى قصر “بشار الأسد”، كما وجهت اتهامات لخمسة ضباط كبار في النظام السوري، بينهم شقيق رأس النظام، “ماهر الأسد”، زرئيس فرع المخابرات السورية في لبنان، “رستم عزالة”، واللوا ء “جامع جامع”، وضابطين آخرين، والذين طلبتهم للمحكمة دالوية للتحقيق معهم في العاصمة النمساوية فيينا.
على الرغم من مقتله، إلا أن “الحريري” ساهم في إحداث تغيرات كبيرة في الساحة اللبنانية، حيث شهد لبنان ما أطلق عليه بـ “انتفاضة الأرز”، والتي انتهت بخروج الجيش السوري من لبنان في نيسان 2005، بعد شهرين فقط من مقتل “الحريري”.
كما أسهم مقتل رئيس الوزراء الأسبق، بعودة الكثير من السياسيين اللبنانيين المنفيين من قبل النظام السوري، في مقدمتهم، الرئيس الحالي، “ميشال عون” الذي كان لاجئاً في فرنسا، بالإضافة إلى خروج العديد من السياسيين المعتقلين في السجون، بينهم رئيس حزب القوات اللبنانية، “سمير جعجع”.
حتى مع صدور الحكم النهائي في قضية مقتله، وإصدار حكم بالسجن المؤبد على المتهم الرئيسي في القضية، “سليم عياش”، المقرب من حزب الله، إلا أن ذلك وبحسب ما تذكره مصادر لبنانية، لن يغلق قضية “الحريري” ولن ينهي اسمه من حقبة لبنان الحالية، خاصةً وأن ذلك الحكم قد يفتح باباً جديداً في القضية، مع رفض حزب الله تسليم “عياش”.