كتب “بهجت سليمان” السفير السوري السابق في الأردن، والعسكري المؤيد لكل جرائم النظام الأسدي ضد شعبه في سورية، اليوم الخميس على حسابه الذي يحمل اسم “بهجت سليمان- خاطرة أبو المجد” في فيس بوك: ” فرط الحساسية والانفعال الشديد وردات الفعل الهوجاء غالباً ما تعبر عن ضعف موقف أصحابها أولاً وعن أن ما قيل عنهم لا يجانب الصواب ثانياً”.
الغريب أن السفير السوري السابق في الأردن كتب هذه العبارة بعد تهجمه على المملكة الأردنية الهاشمية إثر هفوة- تعارض سياسة التحرير- صدرت من مذيعة أردنية تعمل في قناة المملكة الأردنية الرسمية، فهل يعي الجنرال الدبلوماسي ما كتب حقاً؟
من المتوقع أن يصدر صاحب الفكر العسكري رد فعل متطابقاً مع عمله، وكذا الدبلوماسي، غير أن “سليمان” لا يصدر عنه إلا أفعال وردات فعل متناقضة مع طبيعة عمله الدبلوماسي مؤكداً انتماءه للمؤسسة العسكري الأسدية المستبدة والمتمادية.
فردّاً على خطأ فردي خارج عن خط سياسة التحرير لقناة المملكة التي تلتزم بخط شبه محايد اتجاه ما يحدث في سورية، كانت عبارة الإدانة الصادرة عن الدبلوماسي السابق شديدة الانفعالية، هوجاء، حيث طالت المملكة الهاشمية برمتها واصافاً إياها بـ “الهشيمية” ولم تقصد المذيعة التي اعتذرت واعتذرت القناة عن هفوتها الغير المقصودة.
الأخطاء الإعلامية في وفق معايير المهنة
عادةً ما توجد ضمانات وضوابط تحددها إدارة وسائل الإعلام تحريرياً لتجنب مثل هذه الأخطاء التي تعتبر أحياناً “كارثية” لكنها تقع بسبب الطبيعة البشرية للعاملين في المجال الإعلامي.
ويرى المختص في الإعلام وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة جوج تاون واشنطن الدكتور “إدموند غريب” أنه يجب أن يكون هناك يجب أن يكون هناك ضوابط أو ما يسمى (Gate keeper) الحارس على الباب الذي يجب أن يتأكد من الأخبار، لكن الآونة الأخيرفي وسائل الإعلام تشهد تهاوي الحواجز بعض الحواجز التقليدية بين التغطية التقليدية والتركيز الأساسي والمهنية في الخبر وبين عامل التسلية وذلك قد يعود جزء منه لبروز أيضا التقنيات الجديدة لبروز شبكات (Cable) التي تريد أن تنافس بعضها البعض، وهذه المنافسة طبعا جزء منها هي منافسة مهنية فالجميع يريد أن يحصل على الخبر أولا وأن يقدمه إلى الرأي العام، المشكلة الثانية هي أن هناك أيضا منافسة على الدخل أو منافسة على الإعلانات فمَن يحصل على الأخبار بسرعة فإنه عندئذ يحصل على أكبر قدر من الإعلانات ولكن عندما يحدث الخطأ وعندما تحدث مشكلة تتعلق بصحة الخبر أو بالخطأ أثناء البث، فإن الصحف أيضا تدفع والإعلام يدفع الثمن، هذا رأي “أدموند غريب” قاله في لقاء بثته وسائل إعلامية.
وقال الإعلامي الأردني المعروف “جواد العمري” لمرصد مينا معلقاً على الحادثة: ” الهفوة، الرأي، السياسة التحريرية، من لا يدرك الفرق بينها عليه أن لا يفتي، كل من يتحدث على الهواء يمكن أن يخطيء، بمعنى أن يزل لسانه بما يختلف مع السياسة التحريرية، وعندها يكون الاعتذار كافيا”.
وتابع الصحفي الأردني المعروف: ” الصحفيون والمذيعون العاملون في وسائل الإعلام لا يشترط أن يكون فكرهم السياسي متطابقا، لذلك فإن من الواجب تحييد معتقدهم السياسي والالتزام بالسياسة التحريرية، حتى لا يغني كل على ليلاه، وهنا يكون إبداء الرأي مهمة المشاركين والضيوف وليس مهمة المذيع أو الصحفي، حيث يلتزم بعرض الآراء المختلفة، وإعطاء فرصة متساوية لها”.
ويرى العمري أنه من حق أي صحفي أن يكون له رأي، فمن حقه أن يكون رأيه فيما يجري في سوريا الشقيقة، بناء على المجازر والذبح والقتل والتهجير الذي يراه بعينه ويلمس آثاره من حوله، أو من خلال جبهة الصد والممانعة وحمل لواء القومية الذي يمثله النظام السوري برأيه.
ما أريد قوله أن الاعتذار الذي قدمته قناة المملكة ومذيعتها، هو اعتذار عن مخالفة السياسة التحريرية، فهي هفوة ليس إلا، ولكن من حق المذيعة أن يكون رأيها تجاه الجيش السوري بأنه “جيش احتلال”، وأن تنظر لما يجري في سوريا بأنه مجازر ضد الشعب، ومن حق مؤيدي بشار الأسد أن يروا فيه بطلا قوميا ومحاربا للإرهاب، ولكن ليس من حقهم الهجوم على القناة ومذيعتها والتشكيك والتخوين، والحديث عن عدم جدوى القناة برمتها.
ويرى العمري عبر منشوره أن هناك كثير من العاملين في القناة لا يؤيدون النظام السوري، لكنهم ملتزمون بالخط التحريري للقناة، وليس مطلوبا منهم تغيير قناعاتهم، ولا الانتماء لحزب البعث.
إهانات متكررة
ولم يتواني الدبلوماسي السوري الذي أقحم نفسه في حفل استقلال المملكة في أيار 2014 دون أن توجه له دعوة رسمية، عن توجيه رسالة تعتبر ميهنة- للمملكة الأردنية، في تصرفات خارجة عن البروتوكولات والأعراف الدبلوماسية.
فحتى بعد طرده من الأردن هاجم الدبلوماسي ورئيس فرع الأمن الداخلي التابع لجهاز أمن الدولة سابقاً المملكة الأردنية وملكها، حيث علّق على مناوارت “الأسد المتأهب” التي تجري على الأراضي الأردنية بمشاركة دولية ” نحن لا نتهجم على الأردن بل ندافع، ولكن عرشه وأمنه هم من اعتدوا على سوريةودعموا الإرهاب”، وأضاف في منشور آخر: “الأسد المتأهب الفعلي هو الرئيس بشار الذي شكل عقدة للصهيو/أطلسي، فسموا مناورتهم بإسمه”.
اتهم “سليمان” رئيس اللجنة الأردنية لنصرة الشعب السوري النائب السابق “علي أبو سكر” بتدريب الإرهابيين في مزرعته، وإدخالهم عن طريق دولة العدو عبر الباقورة إلى سورية.
واعتبرت وقتها الحكومة الأردنية ادعاءات سليمان “إساءة”؛ حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأردنية “صباح الرافعي” لوسائل الإعلام الرسمية “هذه الإساءات الموجّهة إلى الأردن وإلى أشقائه العرب من الأراضي الأردنية تعتبر خروجًا سافرًا على كل الأعراف والمواثيق الدبلوماسية”.
ويعرف عن السفير الأسبق لسوريا في عمان تصرفاته التي وصفتها الصحافة الأردنية بـ “بالنطوطة المتعجرفة” ختمها بالتطاول على سيادة المملكة من مقر إقامته في السفارة السورية بعبدون.
وتقول تقارير مخابراتية أردنية؛ أن اجتماعاً سرياً انعقد داخل منزل “سليمان” عندما كان في سفيراً لسوريا في الأدن، اجتمع خلاله بهجت سليمان مع سياسيين و إعلاميين، خُطط فيه بأن يتم تنفيذ هجمة شرسة وسريعة ” إعلامية مضللة” ضد إحدى الدول المجاورة والتي تدعم الثورة السورية بشدة ، يعتقد بأنها المملكة العربية السعودية، مما جعل الملك الأردني يأمر بطرد السفير عن أراضي المملكة.
وتعتبر الحادثة هي الأساس لطرد السفير بحسب مصادر أردنية، لكن القشة التي أنهت رحلته دبلوماسيَّاً بعقلية مخابراتية استبدادية- كانت في اقتحامه قصر رغدان بطريقة غير لبقة خارجة عن الآداب والأعراف الدبلوماسية، لكن قولاً فصلاً حول ما تم تناقله عن عبارة “تهجمية” وجهها سليمان لملك الأردن لم يصدر.
حيث تناقلت شخصيات هامة ممن حضروا حفل الاستقلال في قصر رغدان في أيار 2014، أن السفير الأسبق سأل الملك الأردني عن حقيقة استقلال الأردن.
تاريخ الرجل حافل بردات فعل مضربة وشديدة الانفعالية وغير لبقة تتعدى الهوجائية لتصل إلى حد الوقاحة، فهل يعي سليمان فعلاً ما يكتب”؟ وهل يعرف الرجل المخابراتي من يحكم سوريا اليوم حقاً؟
مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي