“بوتين” .. كوكتيل أبو شاكر

سيكون السؤل أقرب للنكتة، أما السؤال:

ـ هل سيتابع المصورون الصحفيون تلك اللقطة التي لا تُنسى، فيما رجال الشرطة يقيدون فلاديمير بوتين بالسلاسل وهم يقودونه إلى المحاكمة على أرض ما من أراضي 193 دولة من مجموع دول هيئة الامم المتحدة؟

ـ هل ستكون الهند من بين هذه الدول؟ وهل ستكون الصين؟ وماذا لو زار إيران؟

منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، سافر بوتين إلى ثماني دول – سبعة منها يعتبرها “دول الخارج القريب” لروسيا – وكانت ضمن الاتحاد السوفييتي السابق الذي انهار عام 1991.. وهذه دول ستضاف إلى الهند والصين وإيران، وحتماً إذا مافكّر الرجل بزيارة دمشق، فلابد أن يرافقه بشّار الأسد إلى كوكتيل أبو شاكر بعد إغلاق كافة الطرق الموصلة إلى “كوكتيل” دمشق الشهير.

في ثنايا هذا القرار الذي اتخذته محكمة “العدل”إياها هناك عقبتان على الأقل في طريق محاكمة بوتين، ولعل أبرزها أن روسيا لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية.

وتأسست المحكمة عام 2022 بموجب معاهدة تعرف “بنظام روما الأساسي”.

وينص هذا النظام على ضرورة أن تمارس كل دولة سلطتها الجنائية على هؤلاء المسؤولين عن جرائم دولية. ويتضمن أيضا أن المحكمة الجنائية الدولية تدخل فقط إذا لم تستطع الدولة أو لم تظهر استعدادا لفتح تحقيقات مع الجناة ومقاضاتهم.

ووقعت الاتفاقية التي تقوم على أساسها المحكمة الدولية 123 دولة، لكن هناك دول لم توقع عليها مثل روسيا.

وتتضمن العقبة الثانية أمام تقديم بوتين إلى المحكمة الجنائية الدولية أنه على الرغم من أنه ليس بجديد انعقاد المحاكمات في غياب المتهم، يختلف الأمر هنا لأن المحكمة الجنائية الدولية لا تعقد محاكمات غيابية، وهو ما يجعل هذا الباب مغلقا أيضا أمام محاكمة بوتين.

مَن واجه هذا النوع من المحاكمات في السابق؟

تعود فكرة تقديم أشخاص للمحاكمة لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية إلى ما قبل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.

وبدأ هذا النوع من الإجراءات القضائية بمحاكمات نورمبرغ عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، والتي انعقدت لمعاقبة قيادات ألمانيا النازية على الهولوكوست وجرائم بشعة أخرى.

وكان من بين هؤلاء رودولف هيس، نائب الزعيم النازي أدولف هتلر، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة وانتحر في عام 1987.

وبالطبع لم يتهم بوتين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية رغم ما أعلنته نائبة الرئيس الأمريكي كاملا هاريس في وقت سابق من أنه ينبغي أن توجه اتهامات بجرائم من هذا النوع ضد الزعيم الروسي.

وإذا حدث وواجه بوتين هذه الاتهامات، سوف تظهر معضلة قانونية أخرى تتمثل في أن الأمم المتحدة نفسها قالت: “لم تُدرج الجرائم ضد الإنسانية في معاهدة خاصة بها في القانون الدولي على عكس الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وذلك رغم استمرار جهود للقيام بذلك”.

وسبق لهيئات، أُسست من أجل غرض محدد، أن وجهت اتهامات بارتكاب جرائم حرب من بينها المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، وهي تابعة للأمم المتحدة واستمرت في العمل في الفترة من 1993 إلى 2017.

وأثناء تلك الفترة، أدين وصدرت أحكام بحق 90 شخصا، لكن الأسوأ سمعة بين هؤلاء المحكومين كان الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش الذي مات إثر أزمة قلبية أثناء احتجازه للمحاكمة في جرائم حرب.

وبالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية نفسها، فقد وجهت لوائح اتهام لأربعين شخصا، بعيدا عن بوتين، جميعهم من دول أفريقية. ومن بين هؤلاء، اعتقل 17 شخصا في لاهاي، وأدين عشرة أشخاص بجرائم حرب بينما برأت المحكمة أربعة متهمين.

المحكمة الجنائية الدولية أصدرت قرارها، ولكن روسيا غنيّة بالمياه، وليس على الرئيس الروسي سوى أن “يبل القرار بالماء”، ويقول لمصدّريه:

ـ لاقوني في بكّين.

في بكّين سيلاقيه الرئيس الصيني بمائدة لاتخلو من السلاحف البحرية وبوجبة كل مافيها يؤكل، فالمثل الصيني يقول:

ـ كل مافي البحر يؤكل عدا السفن، وكل  مافي البرّ يؤكل عدا القطارات، وكل مايطير بالسماء يؤكل عدا الأقمار الفضائية.

وماذا عن قرار محكمة الجنايات الدولية؟

هذا يَشرب مع الماء.

Exit mobile version