مرصد مينا
أكد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخاجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل أنه “لا يمكن لأوروبا أن تتهرّب من مسؤولياتها في الشرق الأوسط”، وقال جوزيب بوريل في مقال بصحيفة اللوموند الفرنسية إنه بعد مرور عام على الهجوم الذي شنته “حماس”، والذي أدانه الاتحاد الأوروبي بشدة، ما يزال الوضع، بالمعنى الدقيق للكلمة، كارثياً من الناحيتين الإنسانية والسياسية. ولسوء الحظ لا يبدو أن هناك أيّ حلّ في الأفق.
وأضاف بوريل القول إن نجاح حملة التطعيم ضد شلل الأطفال للسكان الفلسطينيين في غزة يبدو بمثابة بصيص أمل صغير، ويثبت مرة أخرى أن المنظمات الإنسانية ومنظمات الأمم المتحدة لها دور أساسي في احتواء آثار هذه الكارثة.
يبذل الاتحاد الأوروبي كل ما في وسعه للتخفيف من معاناة السكان المدنيين. كما يدعم بشكل كامل الجهود المستمرة التي تبذلها مصر وقطر والولايات المتحدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. لكن اتفاق وقف إطلاق النار، قبل تنفيذ خطة بايدن، لم يتم التوقيع عليه بعد، ولا يبدو أنه من المرجح أن يتم التوقيع عليه في المستقبل القريب، يقول الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. وذلك بكل بساطة لأن أولئك الذين يشنون الحرب ليس لديهم مصلحة في إنهائها، وكأن بقائهم السياسي أهم من أي شيء آخر، يقول جوزيب بوريل، موضّحاً أن من يدفع الثمن ليس السكان المدنيين الفلسطينيين فحسب، بل الرهائن الإسرائيليين أيضاً. ويصاحب تعنّت هؤلاء إفلات تام من العقاب: إذا لم تكن لهذه الأفعال أي عواقب، وإذا ظل الانتهاك الصارخ للقانون الإنساني الدولي موضع تجاهل، وإذا تعرضت مؤسسات مثل “المحكمة الجنائية الدولية” للتهديد، بمن يمكننا أن نثق؟ يتساءل جوزيب بوريل.
بحسبب بوريل قبل أقل من ستة أشهر، كنا نتحدث بجدية عن “اليوم التالي”، لأننا كنا نعلم جميعاً أنه لا يوجد حل عسكري لصراع سياسي بارز. أما اليوم، فإن “اليوم التالي” يبتعد باستمرار، مثل سراب في الصحراء.. ليس فقط لأن الحرب في غزة لم تتوقف، بل إن ما يلوح في الأفق هو امتدادها إلى الضفة الغربية، حيث يريد المتطرفون تنفيذ نفس الأساليب المستخدمة في غزة: من خلال زيادة العنف، والتحريض على الاستفزاز ثم الرد بالقوة. وعدم التردد في القول للعالم إن السبيل الوحيد لتحقيق التسوية السلمية هو ضم الضفة الغربية وقطاع غزة.
يمكن للضفة الغربية أن تصبح بسرعة غزة الجديدة. تماماً كما يمكن أن تصبح غزة ضفة غربية جديدة، لأن بعض المستوطنين يخططون لإعادة التوطين هناك، يحذر جوزيب بوريل.
كما يشكل اتساع نطاق الحرب في جنوب لبنان مصدراً للقلق، على الرغم من وجود أساس قانوني لتسوية الصراع، ألا وهو قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.
وأخيراً، فإن الهجمات التي يشنها الحوثيون- الذين تستمر وسائلهم في النمو- ضد التجارة البحرية، وضد إسرائيل تزيد من قتامة أفق الوضع الإقليمي، يقول الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، معبّراً عن قلقه من أن نشهد ليس فقط إطالة أمد الصراع، ولكن أيضاً التشكيك، الذي يبدو حتمياً أكثر فأكثر، في عملية التطبيع بين إسرائيل وجيرانها العرب المعتدلين، مثل مصر والأردن، الذين يدفعون ثمناً باهظاً لهذه الحرب.
علاوة على ذلك، حتى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الأكثر تأييدًا لتطبيع علاقاتهما مع إسرائيل، أوضحتا أن هذا لا يمكن أن يحدث بدون منظور سياسي حول إنشاء دولة فلسطينية. وبالتالي فإن حل الدولتين يظل الأساس الجدي الوحيد لكسر الجمود.
ومضى جوزيف بوريل قائلاً إنه يجب على الاتحاد الأوروبي إعادة التأكيد على المبادئ الأساسية لحل الصراعات.. فالأسس القانونية موجودة، وقد ذكرتها الأمم المتحدة و”محكمة العدل الدولية” بوضوح. والشيء الوحيد المفقود هو الإرادة السياسية لتنفيذها. لذا يتعين على الأوروبيين جعل صوتهم مسموعاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة.
كما يجب على الأوروبيين دفع السلطة الفلسطينية إلى الإصلاح الذي تعهدت به، لأن التكتل هو المانح الأجنبي الرئيسي. وحذر بوريل من أنه إذا لم يتغير شيء، فإن “حماس” ستفوز باللعبة، على حد تعبيره.
وتابع المسؤول الأوروبي القول إنه يجب على الأوروبيين أيضاً تسهيل كافة محاولات الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مثل تلك التي قام بها ناصر القدوة (وزير خارجية السلطة الفلسطينية السابق، وابن شقيق ياسر عرفات) ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت (2006-2009).
وفي السياق الحالي، أصبحت قنوات الاتصال بين الإسرائيليين والفلسطينيين نادرة للغاية، لدرجة أنه يتعيّن علينا أن ندعمها عندما تكون موجودة، وأن ننشئها عندما لا تكون موجودة بعد، إذا كنا لا نريد أن نرى المتطرفين من كلا الجانبين يفوزون باللعبة، والانقسامات عميقة داخل كل معسكر، يقول بوريل، مضيفاً أنه يتعين على الأوروبيين كذلك عدم التوقف عن التحدث إلى المجتمع الإسرائيلي المصاب بالصدمة بحلول السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وهذا يهم الجميع، وليس الأوروبيين فقط: إذ يتعين على الفلسطينيين والمجتمع المدني العربي أن يشاركوا في هذه الحركة.
وشدد جوزيب بوريل على أنه حتى لو انشغلت أوروبا بالحرب في أوكرانيا، فإنها لا تستطيع أن تتهرب من مسؤولياتها في الشرق الأوسط، وذلك لأن عدم الاستقرار في المنطقة يؤثر عليها في المقام الأول والأخير. ولهذا يجب أن تبقى حاضرة، وتتحدث مع الجميع، وتنخرط سياسياً في هذه المنطقة.