بين الميليشيات والصراعات السياسية.. الانتخابات الليبية بانتظار حسم الجدل

مرصد مينا – هيئة التحرير

مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الليبية، المقررة نهاية العام الجاري، يشهد الملف الليبي تطورات متسارعة، كان آخرها إعلان كل من النيجر وتشاد والسودان، استعداداها للتعاون مع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5، لإخراج المقاتلين والمرتزقة من الأراضي الليبية.

يشار إلى أن خروج الميليشيات والقوات الأجنبية من ليبيا كان من ضمن الشروط التي تبنتها مجموعة من التيارات السياسية والنيابية الليبية خلال مؤتمر الحوار السياسي الليبي، الذي أفرز قيام حكومة الوحدة الوطنية برئاسة “عبد الحميد دبيبة” خلفاً لحكومة الوفاق برئاسة “عبد الحميد السراج”.

مبادرة من الجيش..

التحركات باتجاه انهاء حالة الانفلات الأمني وفوضى انتشار السلاح وتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات لم تقتصر على إعلان الدول الثلاثة المذكور، وإنما ترافق ذلك مع إعلان الجيش الليبي عن مبادرة جمع السلاح الخارج عن القانون في ليبيا، واحتكاره من قبل الدولة، وفقاً لتصريحات مدير مركز العمليات المشتركة بالجيش الليبي “اللواء حسين عبد الله رمضان”، التي يرى فيها أن مشكلة انتشار السلاح في ليبيا تشكل عبئاً على الدولة الليبية ودول الجوار، مضيفاً: “جمع السلاح في ليبيا أمر معقد لكن غير مستحيل، وعمل الجيش في هذا المجال لا يتعارض مع عمل اللجنة العسكرية المشتركة”.

تعليقاً على مبادرة الجيش الليبي ومعضلة الميليشيات الأجنبية، يشير الباحث في شؤون شمال إفريقيا، “هاني المروزقي” إلى أن حل تلك المشكلة لن يتم في الداخل الليبي وإنما في التحركات الجارية خارج الحدود، لافتاً إلى أن قرار سحب الميليشيات أو بقاءها ومدى تأثيرها على نتائج أو إقامة الانتخابات يرتبط بقرارات داعمي تلك الميليشيات، وليس قرار قادتها أو أفرادها.

ويبين “المرزوقي” أن المطلوب في قضية انتشار السلاح والميليشيات هو بذل المزيد من الضغوط على كل دولة ساهمت في إرسال مرتزقة إلى ليبيا، وفي مقدمتها تركيا، معتبراً أن تحركات الجيش قد تساعد بشكل محدود في جمع السلاح إلا أنها لن تنهي المشكلة.

كما يحذر “المرزوقي” من خطورة استمرار السلاح خارج إطار الدولة الليبية على مستقبل ليبيا خلال فترة ما بعد الانتخابات، مشيراً إلى أن وجود ذلك السلاح ونفوذ الميليشيات الأجنبية والميليشيات بشكل عام، سيفرغ نتائج الانتخابات من مضمونها ويقيد الحكومة والرئيس القادمين وقد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر من جديد.

بعيداُ عن الميليشيات .. قريباً من السياسة

رغم الاتفاق شبه الكامل من قبل الأطراف السياسية الليبية على ضرورة إجراء الانتخابات العامة المقررة في موعدها، إلا أن الخلافات السياسية لا تزال موجودة بين الأطراف العازمة على دخول السباق الانتخابي، بحسب ما يقوله المحلل السياسي “سعيد خير الدين”، لافتاً إلى أن مشكلة الانتخابات لا تتوقف عند حد الميليشيات وإنما تمتد إلى حد الخلافات المهيمنة عن السياسيين المتصارعين على السلطة خاصة على الجزء الخاصة بالانتخابات الرئاسية.

ويلفت “خير الدين” إلى أن طبقة من السياسيين الليبيين لا تزال غير قادرة على استيعاب التغييرات الحاصلة في البلاد، وانها لا تزال معتقدة انها قادرة على إعادة تجربة “القذافي” في الحكم من جهة الجلوس في السلطة لعقود، مشيراً إلى ان هذا التفكير هو الذي يهدد مكتسبات الملتقى الوطني وإمكانية انتقال ليبيا فعلياً باتجاه المرحلة الديمقراطية.

في ذات السياق، يتحدث الكاتب الصحافي، “الحبيب الأسود” عن وجود تيار يفكر في السيطرة التامة على البلاد وتوريث السلطة، متمثلاً في رئيس حكومة الوحدة، “عبد الحميد الدبيبة”، مضيفاً: “كان هناك إصرار واضح على أن يحافظ الدبيبة وفريقه على قيادة البلد الثري لما لا يقل عن عشر سنوات أخرى، بل إن هناك من يتحدث عن سيطرة مطلقة على سلطة سيتم توارثها من قبل منطقة معينة وفئة محددة، وهو ما يعني أن المجيء بالمهندس عبدالحميد الدبيبة إلى رئاسة الحكومة لم يكن صدفة، وصرف ما لا يقل عن 20 مليون دولار لشراء الأصوات في ملتقى الحوار بتونس وجنيف لم يكن عبثا، وغض الطرف عن نتائج التحقيق الدولي حول الفساد في ملتقى الحوار لم يأت من فراغ”.

كما يعتبر “الأسود” أن كل تلك الخطوات المذكورة سابقا،  كانت مدروسة، على اعتبار أنه عندما يتم التطرق إلى مسألة الثروة والمال تصبح كل الأبواب مهيّأة لأن تشرع نفسها بنفسها، موضحاً: “المجتمع الدولي في الأخير ليس جمعية خيرية ليكون هدفه الصالح العام لهذا الطرف أو ذاك، وأصحاب القرار ليسوا ملائكة وإنما هم بشر ولهم مصالح ولديهم علاقات مع الشركات العابرة للقارات منها شركات النفط والغاز وغيرها، وكبار المسؤولين في الغرب ليسوا معصومين من الفساد، ولكنهم يمارسونه خارج بلدانهم، فيحصلون على الامتيازات المهمة وعلى الهدايا والصفقات، ودولة مثل ليبيا دولة ثرية، وهي حاليا محكومة من رجل أعمال ناجح أحاط نفسه بفريق من كبار الأثرياء والتجار والفاعلين الاقتصاديين وأباطرة الاعتمادات، وبينهم يبدو في الصورة محافظ المصرف المركزي، ما يدل على حقيقة المشهد وطبيعة المرحلة”.

ويقول “الأسود”: “من يتابع مجريات الأحداث سيدرك أن المهندس الدبيبة كان ينفذ خطة تم إعدادها بدقة من قبل قوى إقليمية ودولية لتكريس زعامته السياسية، ومن بنودها مواقفه المعادية لقيادة الجيش، والمهمّشة لبرقة وفزّان، والباردة في التعامل مع المجلس الرئاسي، والمهادنة للميليشيات والمرتزقة، والعاملة على كسب التأييد الشعبي عبر دغدغة عواطف العامة بشعارات الاستفادة من الثروة الطائلة للبلاد”.

في هياكل الدولة.. تأكيدات وخلافات على قوانين الانتخابات

تهديدات عدم إجراء الانتخابات الليبية في موعدها يمتد أيضاً إلى داخل مؤسسات وهياكل الدولة الليبية، حيث يحذر رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي “خالد المشري” مما وصفه بـ “خطر عظيم وكبير” يهدد ليبيا في حال إجراء الانتخابات بقوانين مطعون فيها أمام المحكمة الدستورية.

ويضيف “المشري”: “الطعون تخص القوانين الصادرة عن مجلس النواب وأيضا هناك طعن إداري حول إجراءات مفوضية الانتخابات”، معتبراً أن أن قوانين الانتخابات كتبت خارج البلاد، وهو ما يمس سيادتها واستقلالها، على حد تعبيره.

يشار إلى ان البرلمان الليبي كان قد أقر قبل أسابيع عدة القوانين الخاصة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية وشروط الترشح إليها، وذلك بعد أن حظت بموافقة أغلبية أعضاء البرلمان، بعد جلسات تشاورية طويلة.

كما يصوب “المشري” سهامه باتجاه بعثة الأمم المتحدة، التي يتهمها بمحاولة تمرير قوانين وصفها بـ “المعيبة” والتي تخالف قرارات مجلس الأمن الدولي، مضيفاً: “رئيس البعثة يان كوبيش يحاول جاهدا الامتثال للاتفاق السياسي الليبي لعام  ) وقرارات مجلس الأمن، لكن هناك بعض الموظفين في البعثة يحاولون التشويش دائما بأنه لن يحدث توافق.

في ذات السياق، يصف المحلل السياسي، “رائد أبو العزم” تصريحات “المشري” بأنها تعكس رغبة لدى تيار الإخوان المسلمين في ليبيا بتأجيل الانتخابات، لافتاً إلى أنها أكثر التيارات الرابحة في حال عدم إقامة الانتخابات في موعدها، على اعتبار ن ذلك سيمنحها المزيد من الوقت لضبط صفوفها ومحاولة العودة إلى السلطة مجدداُ.

يذكر أن “المشري” كان قد أعلن في وقتٍ سابق، استقالته من جماعة الاخوان المسلمين على الرغم من استمراره في العمل السياسي والحزبي، مشدداً على بقاء انتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين ومرجعيتها، وأن استقالته جائت انطلاقاً من مقتضيات المصلحة الوطنية والتي تستوجب الوضوح مع المواطن الليبي.

وعلى الرغم من حالة الجدل المتعلقة بإجراء الانتخابات، يشدد نائب رئيس المجلس “عبدالله اللافي”، على التزام المجلس كلياً بإجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده تنفيذاً لمخرجات الاتفاق السياسي ولتطلعات الشعب الليبي، مؤكداً ألا حل في البلاد إلا عن طريق الانتخابات.

كما يلفت “الافي” إلى ضرورة وضع خارطة طريق واضحة للعملية الانتخابية من بدايتها وحتى الجولة الثانية المتمثلة في انتخابات الرئاسة، منوهاً إلى أهمية حدوث توافق بين الأطراف السياسية في البلاد من أجل ضمان سلامة الانتخابات ونزاهتها.

Exit mobile version