الحروب حدثت، وقعت، وبنتائج ليس من ثمة شكّ بها، وبمجموعها حرب 1948، وحرب 1956، وحرب 1967، ومن ثم حرب 1973، ومن بعدها اجتياح بيروت 1982 ولاحقًا حرب 2006، أي ما مجموعه ستة حروب عدا الحروب الصغرى التي لاتجد مكانًا لها في الحروب الكبرى، مع انها وفي مفاعيلها لم تكن لتقل عن الحروب الكبرى من حيث التوتر الذي تتسبب به لمنطقة، كرّست مواردها وشعاراتها لحرب لم تخضها، وكل ما حصدته من الحروب:
ـ هزيمة مع كل حرب.
ومع كل هزيمة يرتفع شأن المهزوم، حتى باتت الهزيمة واحدة من ملصقات متاحف (القادة التاريخين) الذين لم يعتذر واحد منهم عن هزيمته، وبطبيعة الحال، سيكون أقل شأنًا من أن يقلّد الساموراي ويغرز سيفه في بطنه كما يليق بمهزوم.
ـ النتائج؟
سيكون من الثرثرة وضياع الوقت أن نعددها، ويكفي منها أن نتذكر:
ـ ما من أرض احتُلت واستُعيدت بالقوة كما كان يحلو لجمال عبد الناصر أن ينشد، فسيناء استُعيدت بالتفاوض لا بالبنادق.
ـ الجيوش التي أُعِدت للحرب وأنفِق عليها كما لو كانت جيوش محاربة، أدارت سبطانات مدافعها إلى الداخل، لتخوض حروبها مع شعوبها، وتنقل ثكناتها من الجبهات إلى احتلال الجامعات، ومن الجامعات إلى الزواريب، ومن الزواريب إلى احتلال المدن وتدميرها.
ـ قيادات الثورة الفلسطينية، ومن يسارها إلى يمينها، قضوا برصاص (الرفاق) اكثر مما قضوا برصاص (العدو)، من وديع حداد، إلى أبو جهاد خليل الوزير، إلى صلاح خلف، إلى غسان كنفاني، وليس ثمة من يشك أن (سمّ الرفاق) قد طال زعيم الثورة وملهمها ياسر عرفات، و (الفاعل مجهول).. حتى رسام كاريكاتير الثورة قضى اغتيالاً وبسلاح (الرفاق).
ـ كل المهللين للحرب، أو ربما معظمهم، يهرّبون أولادهم من الجندية، وإذا كان لابأس من الخدمة فالخدمة بالتي شيرت، لا بالبذلات المغبّرة.
واليوم:
ـ رمي إسرائيل بالبحر بات كلامًا مشوبًا بوهم كذّبته الوقائع، والامم المتحاربة، ليس أمامها سوى واحد من احتمالين:
ـ إبادة أحدهما للآخر، أو طاولات التفاوض.
حدث هذا في كل الحروب التي شهدها التاريخ البشري بدءًا من حروب المغاور وصولاً لحروب ما بعد السلاح النووي، وعلى من يدعون لديمومة الاشتباك الاجابة عن سؤال:
ـ أي أنت منهما؟
المنتصر الذي سيرمي عدوّه في البحر أم المهزوم وقد حملت تاريخًا متصلاً من الهزائم؟
إذا كنت الاول، سندعو التاريخ الى الانحناء لك، وإن كنت الثاني، فالبلاد لن تتسع الى المزيد من الهزائم، أقله والجوع يأكل أبناءها، فيما جيوشها قد أحيلت الى المقابر أو إلى الخدمات المنزلية.
عرفنا الحروب بنتائجها، وحتمًا لم نتعرف بعد على ما سينتجه السلام.. ما سينتجه على صعيد التنافس التجاري، المالي، المعرفة، التكنولوجيا، وهل سيبتلعنا السلام بعد أن دمرتنا الحرب؟
كلها أسئلة لم يجب عنها بعد.
من العجالة التنبؤ بالإجابة، غير أن الثابت الذي لايحتاج إلى نبوءات، أنك لم تكن محاربًا فعلام كل هذه الأهازيج لـ “ديمومة الاشتباك”؟ للحرب؟