مرصد مينا – هيئة التحرير
بات واضحاً أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ينتظر أيّ تصريح؛ أو رد عربي قوي على انتهاكاته وتدخلاته العسكرية في شؤون بعض الدول العربية لابتزاز قطر أكثر وأكثر، وكلما كان الإجماع العربي ضد المخططات والأطماع العثمانية موحداً وقوياً، كلما بدأ الابتزاز التركي يتصاعد وتيرته، ولسان حال أردوغان يقول «ليس لنا مصلحة في حمايتكم دون مقابل» حتى بات الوجود القطري في العرف والقاموس التركي مختصراً على الدفع فقط؛ سواءً بالترحيب أو بالترهيب والضغط لرفع مستوى الدفع أكبر لعلَّ وعسى تعالج جزءاً من أزمتها الاقتصادية، التي لم تحلها المليارات التي شفطها من حكومة الوفاق وميليشياتها مقابل السلاح والمرتزقة الذين أرسلتهم أنقرة لحمايتهم، فخلال الأيام الأخيرة، سجّلت الليرة التركية هبوطاً جديداً مقابل الدولار الأميركي لتلامس أدنى مستوى له رغم الضخ القطري.
آخر ذرائع أردوغان لطلب المزيد، التصريحات القوية التي أطلقها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وتأكيده أن تدخله في ليبيا ضد الميليشيات المدعومة من تركيا، بات شرعياً، بناء على طلب مواطنيها، وكان لافتاً اعتبار بعض التقارير الإعلامية، أن الرئيس التركي، وجد في كلمات السيسي ومن على الحدود المصرية-الليبية، ذريعة «على طبق من ذهب» لطلب المزيد من التمويل للاستمرار في النزاع الليبي، وهذا ما كشفه تقرير في صحيفة «العرب» اللندنية، من أن أردوغان سارع مباشرة إلى «الاتصال هاتفياً بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، طالباً مضاعفة التمويلات القطرية للجهد الحربي في ليبيا الذي انخرطت فيه أنقرة بقوّة دعما لميليشيات حكومة الوفاق ضدّ الجيش الوطني الليبي».
من الابتزاز في الملف السوري إلى الليبي
منذ تدخلها في الحدث السوري، عملت قطر على السياسات التخريبية المتضاربة مع المصالح العربية وشعوبها، وما يحدث في ليبيا أضحى المثال الأبرز لإكمال تلك الخطوات، فالشعب الليبي يتعرض لعدوان همجي واعتداء صارخ يقف خلفه النظامان القطري والتركي، وباعترافهما الصريح في ذلك سواءً عبر المال أو المقاتلين، ومنذ دخولهما على الخط أخذت الأحداث في ليبيا منحى آخر وخطير لما كان يتطلع إليه الشعب الليبي، إذ بعد التدخل العسكري التركي السافر وبتمويل قطري، بالإضافة لعمليات نقل عناصر من (داعش، والقاعدة) من سوريا المحسوبين والمدعومين من تركيا وعبر مطاراتها للقتال مع صفوف حكومة الوفاق الإخوانية برئاسة فايز السراج، عملت المستحيل للتأثير على مجريات الأحداث، إلا أن الموقف المصري القوي جعل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يطلب اليوم الإثنين، من الجميع الهدوء والتخفيف لحين إيجاد الحلول الممكنة.
ونقلت الصحيفة عن محللين مطلعين على كواليس السياسة التركية، والذين يصفون أردوغان بـ«الانتهازي الذي دأب على استخدام الملف الليبي، وقبل ذلك الملف السوري، لابتزاز قطر والحصول على أكبر قدر ممكن من أموالها عن طريق تخويف قيادتها من هزيمة معسكر الإسلاميين المتشدّدين الذين تدعمهم الدوحة، ما سيشكل بالنتيجة انتصارا لخصومها ونهاية للدور الإقليمي الذي تحاول أن تلعبه منذ سنوات».
أوروبا ترفض الاستقواء التركي بالمقاتلين
عقب مطالبة ترامب من الجميع بالهدوء، تدخل الاتحاد الأوروبي أيضاً على الخط بشكل مباشر، إذ دعا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، للتوصل إلى وقف للنار بين الأطراف الليبية، واستئناف محادثات 5+5، مشدداً على ضرورة تعزيز الوجود العسكري الأوروبي في الساحل الأفريقي لحماية أمن أوروبا، كما اعتبر أن الاتحاد يواجه مسار آستانا جديداً بين روسيا وتركيا في ليبيا هذه المرة حيث تشتركان في المصالح. وذلك في إشارة إلى اتفاقيات موسكو وأنقرة في سوريا ومناطق «خفض التصعيد» التي لم تهدأ.
وتعليقاً على الأزمة المتصاعدة بسبب التدخل العسكري التركي، قال المتحدث الرسمي الأوروبي، «بيتر ستانو ردا» في المؤتمر الصحفي التفاعلي الذي عقده اليوم من خلال رده على سؤال لقناة «العربية»: «ندعو الأطراف الإقليمية الفعالة في الأزمة الليبية إلى خفض التصعيد وتشجيع جهود المفاوضات، وأنها ليست في حاجة للمزيد من التصعيد والتدخلات الخارجية تؤجج النزاع». ويأتي الرفض الأوروبي بعد أسبوع من اتهامه تركيا بعرقلة عملة «إيرني»، كما سبق؛ وأن أكد دبلوماسيون ومسؤولون في العاصمة البلجيكية، بروكسل، الأربعاء الماضي، قبيل اجتماع لوزراء دفاع دول الناتو أن تركيا، تعرقل مساعي الاتحاد لتأمين مساعدة حلف شمال الأطلسي لعملية الاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط «إيرني»، الرامية لفرض حظر أسلحة أممي على ليبيا التي مزقها الصراع.
عند كل أزمة أنقرة تعيد السيناريو ذاته
هذه عادة تركيا، قديماً وحديثاً، إذ كلما وقعت بأزمة، تتحول سياساتها الخارجية، إلى إثارة المشاكل مع الدول الجوار، أو مع أطراف إقليمية ودولية، ومنذ أن بدأت الولايات المتحدة التلويح بالعقوبات، توجهت إلى طلب المساعدة من حليفتها قطر، بضخ الودائع والاستثمارات التي تجاوزت في 2018 وحده 15 مليار دولار، ما عدا الأرقام التي لم تكشف عنها.
هكذا تستمرّ تركيا في ابتزازها عند أيّة مناسبة، لكن اللافت أنه حتى القطريون يشككون من شكل العلاقة غير المتكافئة بينهما، لا بل يرونها استغلالاً وابتزازاً، وإحدى الوثائق المسربة كشفت وجود اتفاقات سرية، تسمح لتركيا التدخل العسكري في قطر كما هو حال الآن مع سوريا وليبيا، ومن دون أيّة ضمانات سوى أنهما يلتقيان في دعمهما للإخوان والجماعات المتشددة، وهذا ما تؤكده معظم التقارير التي تناولت شكل العلاقة ومستقبلها المتوقفة على قطر كمموّل رئيس في التدخلات التركية التي أرهقت مجهودها الحربي والاقتصادي معاً.