مرصد مينا – هيئة التحرير
لا تزال محاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية، “مصطفى الكاظمي” تلقي بظلالها على المشهد العراقي، لا سيما مع التأكيدات الأمريكية بوقوف ميليشيات مدعومة من إيران وراء العملية، وذلك تزامناً مع تحركات يجريها قائد فيلق القدس الإيراني، “إسماعيل قااني”، في العراق بعد ساعات قليلة من الإعلان عن فشل عملية الاغتيال.
يشار إلى أن “الكاظمي” تعرض لمحاولة اغتيال فجر الأحد، بعد تعرضه لهجوم من قبل ثلاث طائرات مسيرة أمام منزله، عقب عودته من جولة تفقدية للقوات الأمنية في محيط المنطقة الخضراء.
واشنطن: إيران هي الفاعل وسنواصل مهامنا في العراق
تعليقاً على محاولة الاغتيال المذكورة، يشدد قائد القيادة العسكرية المركزية الأميركية، الجنرال “كينيث ماكينزي”، على أن المعلومات المتوفرة لدى الولايات المتحدة تشير إلى مسؤولية ميليشيات مدعومة من إيران عن العملية، مضيفاً: “ما يحدث في العراق هو مجموعات مرتبطة بإيران ترى أنها لا تستطيع التسمك بالسلطة قانونيا، والآن تلجأ للعنف لتحقيق أهدافها، وهذا ليس جيدا ويشعرنا بالانزعاج”.
كما يؤكد “ماكينزي” على أن جيش بلاده سيواصل عمليات تقديم المساعدة للحكومة العراقية، على الرغم من قناعة واشنطن بأن القوات الأمنية العراقية قادرة على مواجهة الميليشيات والتوترات الأمنية الحاصلة، معتبراً أن الهجوم على “الكاظمي” هو عمل إجرامي.
في السياق ذاته يلفت الجنرال الأمريكي إلى أن بلاده تراقب العمليات البحرية الإيرانية باهتمام بالغ على اعتبار أنها دائما ما تكون عمليات غير آمنة، على حد وصفه، مشيراً إلى أن الإيرانيين يبالغون في قدراتهم العسكرية.
من جهته، يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، “سعد أبو علي” أن التصريحات الأمريكية وخصوصاً تصريحات “ماكينزي”، تشير إلى وجود حالة من القلق لدى الإدارة الأمريكية من احتمالية أن تسعى الميليشيات العراقية إلى تكرار السيناريو الأفغاني بعد الانسحاب الأمريكي المقرر في العراق نهاية العام الجاري، لافتاً إلى أن محاولة اغتيال “الكاظمي” تظهر استعداد الميليشيات للقيام بأي عمل مهما كانت خطورته مقابل الاحتفاظ في السلطة.
يشار إلى أن مصادر عراقية مطلعة أكدت في وقتٍ سابق على أن خبراء كشف المتفجرات في وزارة الداخلية العراقية، وكذلك جهاز المخابرات الوطني، خلصوا إلى أن الصواريخ والطائرات التي استهدفت منزل الكاظمي، هي ذاتها التي كانت تستخدم في قصف القواعد والمنشآت الأمريكية، لافتة إلى أن الطائرات انطلقت من منطقة (الكريعات) شمالي بغداد، وتحديدا من خلف المنطقة السياحية.
ويرجح “أبو علي” أن تتجه الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات أو توجيه بعض الضربات للميليشيات العراقية خلال الأسابيع القليلة المقبلة للحد من قوتها العسكرية ومنعها من تكرار ما فعلته طالبان في أفغانستان، معتبراً أن إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لا تحتمل أي ضربة جديدة في العراق.
“أبو علي” لا يستبعد أن تبدأ الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات تصعيدية تجاه الميليشيات وتحركاتها، خاصة وأن المسألة اليوم باتت تتعلق بحياة رئيس الحكومة وعمليات اغتيال قد تشعل الساحة العراقية، موضحاً أن الميليشيات باتت في أضعف موقف لها منذ 2003.
قااني والمهمة الصعبة
تزامناً مع تصاعد الاتهامات للميليشيات المدعومة من إيران بالوقوف وراء محاولة اغتيال “الكاظمي” تكشف مصادر عراقية عن زيارة أجراها قائد فيلق القدس الإيراني، “إسماعيل قااني” إلى العراق، مبينةً أن الهدف الأهم للزيارة التي أجريت ليل الأحد، هو إقناع الحكومة العراقية ورئيسها بعدم اتخاذ أي خطوات تصعيدية تجاه الميليشيات.
كما تلفت المصادر إلى أن الزيارة لم تكن بمجهود شخصي من “قاني” وإنما كانت بأوامر من أعلى مستويات الحكم في طهران، خاصةً وأن الجيش العراقي بدأ بتنفيذ تحركات واسعة وملحوظة في العراق بعد توعد “الكاظمي” وإصراره على ملاحقة المتورطين في العملية.
إلى جانب ذلك، تبين المصادر أن “قاني” عقد اجتماعاً مع “الكاظمي” بهدف معرفة ما ينوي القيام به تجاه الميليشيات، إلى جانب محاولته التأكيد على أن إيران ليس لديها أي علم مسبق بالعملية، وانها تدينها بأشد العبارات دون أن ينفي في ذات الوقت، مسؤولية الميليشيات عنها، بحسب ما ذكرته جريدة العرب.
من جهته، يصف المحلل السياسي، “ميلاد هدايتي” تحركات “قاني” بأنها تركز في الدرجة الأولى على نفي علم إيران أو تدبيرها للعملية وإظهار أن الميليشيات في حالة إدانتها، قد تحركت بشكل منفرد دون العودة إلى الداعم الإيراني، مشيراً إلى أن هذا يعني أن إيران لن تتمكن من نفي التهمة عن الميليشيات وأن طهران تحاول حالياً الخروج من أزمة كبيرة قد تشهدها العلاقات مع العراق.
ويرى “هدايتي” أن الميليشيات لم تضع بحسبانها إمكانية نجاة “الكاظمي” من العملية، وهو ما دفعها إلى ارتكاب الجريمة وترك بصماتها على أداة التنفيذ وهي الطائرات المسيرة، مشدداً على أن الميليشيات لن تتخذ مثل تلك الخطوة وبهذا الحجم، دون العودة إلى الحرس الثوري والقيادة الإيرانية.
إلى جانب ذلك، يقول “هدايتي”: “هذه أولى ثمرات وصول رئيسي إلى سدة الرئاسة في إيران، فمن يعرف شخص رئيسي وأركان حكومته يدرك انها حكومة حرب تفتقر للفكر السياسي وأدنى درجات الحكمة، وهو ما قد يكون دفعها إلى التفكير في اغتيال الكاظمي، الذي تراه طهران اليوم ألد أعداءها في العراق”، مشيراً إلى أن المطلوب من العملية كان قتل “الكاظمي” وجعله عبرة للمسؤولين العراقيين.
ويعتقد “هدايتي” أن نتائج فشل محاولة الاغتيال لن تقف عند حد بقاء “الكاظمي” في الساحة السياسية العراقية وحسب، وإنما ستنعكس سلباً على مدى قوة وقدرة الميليشيات على تنفيذ أجنداتها ومخططاتها، كما أنها قد تعطي الحكومة العراقية مزيداً من الشرعية لأي تحركات عسكرية أو سياسية للحد من نفوذ الميليشيات الولائية.
اللا دولة.. وسيناريو الحوثيين في العراق
يبدأ الكاتب الصحافي، “كرم نعمة” تحليله للمشهد العراقي، من محاولات “الكاظمي” خلال ما يزيد على العام من الحكم، إعادة بناء الثقة بالدولة العراقية، لافتاً إلى أنه لا وجود لتلك الدولة منذ عام 2003 وانتشار سلاح ميليشيات.
ويعتبر “نعمة” أن “الكاظمي” سابقاً حاول تجنب الدخول في صدامات مباشرة مع الميليشيات وهادنها في بعض الأوقات، كونه يعرف سلفاً أن المواجهة لن تكون كلياً بصالح الدولة العراقية، مضيفاً: “السيناريو الحوثي مرسوم وجاهز لدى الحشد الشعبي للسيطرة على الحكومة، على الأقل للتعبير عن نفسه أمام أوليائه في إيران. بطريقة أننا لم نفشل في الانتخابات لولا تزوير الكاظمي ومفوضية الانتخابات التابعة له. وها نحن قادرون على استعادة السلطة بغير الانتخابات”.
إلى جانب ذلك، يشير “نعمة” إلى تحالف الحشد مع المالكي في المواجهة المحتملة مع الدولة العراقية، لافتاً إلى أن ما يزيد ذلك التحالف هو أن “المالكي” لا يطيق أن يتم التجديد “للكاظمي” في رئاسة الحكومة، لاسيما وأن ذلك واحد من أكبر التهديدات لطوحاته بالعودة إلى رئاسة الحكومة.
ويوضح “نعمة”: ” يدرك قادة الميليشيات أن تحالف مقتدى الصدر – مصطفى الكاظمي والفريق أحمد أبورغيف رئيس اللجنة العليا للتحقيق بقضايا الفساد الكبرى، قد يؤدي في النهاية إلى تعليق جثث بعض قيادات الميليشيات في ساحة التحرير”، لافتاً إلى أن ذلك سيدفعها إلى التمادي من أجل قبولها كشريك قوي في أي حكومة مقبلة ومنحها مناصب سياسية مقابل مقاعدها البرلمانية التي خسرتها.